موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ٨ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠٢٤

عَالِمُ اللّاهوتِ "رومَانُو غُوارْدِيني"

بقلم :
د. أشرف ناجح عبد الملاك - كولومبيا
عَالِمُ اللّاهوتِ "رومَانُو غُوارْدِيني"

عَالِمُ اللّاهوتِ "رومَانُو غُوارْدِيني"

 

1. وَصْفٌ موجزٌ لعَالِم اللّاهوت "غُوارْدِيني"، وبعضٌ مِن مؤلَّفاته

 

في هذا العام الجاري (2024)، تَمُرّ الذّكرى السَّادسة والخمسون لنياحة الأب الكاثوليكيّ "رومَانُو غُوارْدِيني" (17 فبراير/شباط 1885 - الأوّل من أكتوبر/تشرين الأوّل 1968)، ذي الأصول الإيطاليّة، والّذي عاش ودَرَس ودَرَّس ومات في ألمانيا. وهو أحد كبار الفلاسفة وعلماء اللّاهوت الكاثوليك المعاصرين، إذ قد أثرى الفكر المسيحيّ الكاثوليكيّ بكِتاباته الغزيرة وأُطروحاته الفلسفيّة واللّاهوتيّة العميقة.

 

ويكفي القول بأنّه كان مُعلِّمًا وأبًا فكريًّا لعالِم اللّاهوت القدير "جوزيف راتسينغر" (البابا بِنِديكْتُس السّادس عشر)؛ وأنّه كان رائدًا وسبّاقًا في مجالات ثيولوجيّة عديدة، قبل المجمع الفاتيكانيّ الثّاني (1962-1965)، وبعده. فأَذكُر على سبيل المثال: اللّيتورجيا، الإكليزيولوجيا، الكريسْتولوجيا، والأنثروبولجيا. ولا شكّ أنّه مؤلِّفٌ مرجعيّ للبابا المتنيّح بِنِديكْتُس السّادس عشر، وكذلك للبابا الحالي فرنسيس أيضًا.

 

وُلِد "غُوارْدِيني" في المدينة الإيطاليّة "فيرونا"، في 17 فبراير للعام 1885؛ ورحل عن عالمنا في المدينة الألمانيّة "موناكو دي بافييرا"، في الأوّل من أكتوبر للعام 1968. وقد كانت الكلماتُ الأخيرة التي نطق بها قَبل لحظاتٍ من موته، هي تلك التي كتبها القدّيس أَوْغسطينُس، في بداية "اِعترافاته": «[...] لأنّك، خلقتنا لأجلك، ولن يهدأ قلبٌ لنا حتى يستقرَّ فيك» (اِعترافاتُ القدّيس أغوسطينوس، نقلها إلى العربيّة الخوري يُوحنّا الحلو، دار المشرق، بيروت، 1991، ط 4، 7).

 

كان "غُوارْدِيني" حقًّا مُفكِّرًا وفيلسوفًا وثيولوجيًّا من طراز فريد؛ وكانت شخصيّته الإنسانيّة والرّوحيّة والفكريّة ثريّة ومتشعّبة. فالقوّة التّأمليّة، والعمق الرّوحيّ، والطّابع التّربويّ، والحسّ الجماليّ، والأبعاد الأخلاقيّة، كانت كلّها عناصر متعلّقة بفكر أصيل ومثمر استطاع التّعامل بعبقريّة شديدة مع أهمّ الإشكاليّات والمُعضلات في عصره. وجديرٌ بالذّكر أنّ "غُوارْدِيني" كان موضوع أُطروحتي في الدّكتوراه، ولا سيّما فكره الكريسْتولوجيّ؛ وحاليًّا، أُعِدّ كِتابات مفصَّلة باللّغة العربيّة عن حياته، ومؤلَّفاته، وفِكره، وكذلك ترجمةً لبعض مؤلَّفاته أيضًا.

 

قد كتب عَالِمُ اللّاهوت "غُوارْدِيني" –باللّغة الألمانيّة– مؤلَّفات عديدة وثمينة؛ فأَذكُر منها على سبيل المثال لا الحصر كِتاباته في: المجال "الفلسفيّ"؛ مجال "الأدب الدّينيّ"؛ مجال "الكِتاب المقدّس وعِلْم اللّاهوت"؛ مجال "الكريسْتولوجيا" (ولا سيّما أشهر كُتبه على الإطلاق: "الرّبّ"، الذي تُرجِم جزءٌ منه إلى اللّغة العربيّة).

 

 

2. خَواطرٌ لـ"غُوارْدِيني" حول الصّلاة والكَنيسة والوجود المسيحيّ والصَّمت

 

الصّلاة:

 

«أمام وجه الله فقط يقتني الإنسانُ وجهَه الحقيقيّ».

 

«في نهاية المطاف لا يمكننا أنْ نظلّ مسيحيّين بدون أنْ نصلّي، كما أنّه لا يمكننا أنْ نستمرّ في الحياة بدون أنْ نتنفّس».

 

«يعتمد مصيرُ حياة المرء، إلى حدّ كبير، على كيفيّة صلاته، وكيفيّة صلاة الآخرين لأجله. فالأعمالُ العظيمة كانت دائمًا ثمرة الصّلاة».

 

الكنيسة:

 

«لقد شعرتُ دائمًا بأنّني كنيسة، حتّى عندما كان ينبغي عليّ –مِن أجل خدمتها– أن أسير لوحدي [...] لقد سعيتُ دائمًا إلى الحرّيّة، وهذا كان يعني، في أغلب الأحيان، الوحدة والرّيبة والصّراع. ولكنّني كنتُ دائمًا على يقين بأنّني لم أكن أتصرّف وفقًا لاختياري الشّخصيّ، وإنّما انطلاقًا مِن وحدة الكنيسة العظيمة».

 

[الكنيسةُ] ليست مؤسَّسة مُخترَعة وقائمة على نظريّة ما... بل هي واقعٌ حيٌّ... إنّها تعيش في الزّمن، في تَطوُّر، على غرار كلّ كائن حيّ، إذ تُطوِّر من ذاتها... ومع ذلك، فطبيعتُها لا تزال هي هي دائمًا، وقلبُها هو المسيح».

 

«ثمّة في الكَنيسة ثلاثةُ مظاهر جوهريّة للمُطْلَق-غير المشروط [الله]: العقيدة، والنّظام الأخلاقيّ والجماعيّ، واللّيتورجيا».

 

"الوجود المسيحيّ" أو "الكيان المسيحيّ" أو "الشّخصيّة المسيحيّة"

 

«يا للكيان المسيحي، ما أعمقه! إنه لأعمق بما لا يحد من الكيان الإنساني المحض، وإن أصوله لتذهب بعيدًا في اللانهائي والأبدي! إن أخطر سلاح يشهره العالم على المسيحي هو أن ينتزع منه إيمانه الواعي لكل ذلك، فيوحي إليه بأن موقفه من الحياة هو وحده الموقف الصحيح، وأن موقف المسيحي إنما هو نوع من أنواعه لا غير؛ ثم لا يزال به حتى ينتزع منه قطبَيْ كيانه المسيحي: القداسة الإلهية والسقوط في الخطيئة. فإن لم يبدِ المسيحي أية مقاومة، تخلّى عن كل ما هو سامٍ وعميق في إيمانه، وعن كل ما هو شديد ودرامي في حياته كمؤمن، وعن كل الضوابط والقوانين من كيانه، فإذ ذاك يتدهور إلى ما دون إنسان العالم البسيط الصرف. وهنا خاصة تظهر حاجة ماسة وهامة جدًّا لعمل روحي في العمق يشترك فيه رجال الفكر والعمل: إعادة الكيان المسيحي، بمعناه الحقيقي، إلى ضمير المؤمنين، ووعيهم وإرادتهم [...] فالمسيح يدخل في الإنسان عن طريق الإيمان والمعمودية، ليكون نفس نفسه، وحياة حياته، فيعمل فيه، وينبثّ في وجوده وأعماله. هكذا تولد الشخصية المسيحية. وأعمق ما في هذه الشخصية وجود المسيح فيها وجودًا فعالًا» (قِيامة المسِيح، دار المشرق، بيروت 1991، الطّبعة الثّانية، ص. 92 و93).

 

الصَّمتُ الحقيقيّ والأصيل  

 

«ينبغي أن نتعلّم أنّ الصَّمت جميلٌ، وأنّه ليس فراغًا على الإطلاق، بل حياة حقيقيّة وممتلئة».

 

«الصَّمتُ لا يعني البَكَم، بأيّ حالٍ من الأحوال. فالصَّمتُ الحقيقيّ هو الرُّباط الحيّ للتكلّم المستقيم […] فقط الذي يعرف كيف يصمت جيّدًا، يعرف كيف يتحدّث جيّدًا. وحدها الكَلمة المنبثِقة من الصّمت تكون واضحةً وكاملة».

 

 

3. مِن مناجاة "غُوارْدِيني" للرّوح القُدس ("مجيء الرّوح القُدس"):

 

«[أيّها الرّوح القدس،] أنت تحمل كلّ واحد منّا نحو درب الخلاص. وأنت تقود ملكوت الله عبر ظلام وإلتباس الأزمنة. فمن خلال كلّ ما يحدث، تُحقّق عملَ الخليقة الجديدة، التي يتعيّن أنْ تُستعلن لنا يومًا ما، عندما "يعود الرّبّ ليقاضي الأحياء والأموات" [...] أنت، أيّها الرّوح القدس، تعمل على بُزُوغ الخليقة الجديدة في العالم العتيق القديم؛ فاِملأني بالثقة في قدرتك المقدّسة».