موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
يطّل علينا عيد ميلاد ربنا ومخلصنا يسوع المسيح كل عام ونحتفل به في جو من الفرح والسرور. فنرى الأطفال وهداياهم والمجموعات الكشفية التي تبدع في عزفها للأناشيد المختلفة، ويتم إضاءة شجرة العيد باحتفال مهيب للدلالة على أننا شعبٌ يحب الحياة بالرغم من أنف الاحتلال. غير أن مظاهر الاحتفال هذه الكثيرة يجب ألاّ تطمس أو تخفي معاني العيد الحقيقية ورسالته. فالميلاد ليس مجرد قصة نقرأها. إنه ليس مجرد ذكرى تاريخية كما نحتفل بميلادنا نحن البشر. الميلاد ليس له علاقة مباشرة لا بالشجرة ولا ببابانويل. ومن المحبذ طبعا الاحتفال به كرعية وكعائلة ولكن لكل شيء حد. فينبغي تجنب الصرف الزائد للأموال وتحاشي التركيز فقط على الأمور الشكلية الخارجية. علّق المطران بيتسابالا، المدبر الرسولي للبطريركية اللاتينية، حول هذا الموضوع في عظته الميلادية. فأكّد أن "الخطر الذي أريد أن أتجنبه هو أن أجعل الميلاد عيدا جميلًا بهيجاً، ولكنّه مفرغ من معناه، وقد أصبح تقليدا يتكرر مرة كل عام. ميلاد المسيح هو أكثر من ذلك". لكن المطران ذهب إلى أبعد من ذلك داعياً المسيحيين إلى عدم تحويل هذا العيد إلى عيد "لتثبيت الهوية ولبعض العزاء". إن هذا الكلام موجه إلينا في الصميم، وقد جاء من خبرة هذا المطران الطويلة في الأرض المقدسة. فهل بالفعل أصبح الميلاد مفرغاً من معناه؟ والسؤال الأهم: هل أفرغنا نحن الميلاد من معناه؟ واقع مرير يجب أن نتجنبه. فالميلاد وبكل بساطة هو أن نعلن إيماننا من جديد بأن الله فينا ومعنا فهو عمانوئيل أي الله معنا. وبعد أن نعلن إيماننا في عيد الميلاد بأن الله فينا، فيجب علينا وبشكل طبيعي أن نعيش بحسب هذا الإيمان طوال أيام السنة. فنحب الله أولا والجميع ثانياً، وأن نكون شهوداً حقيقيين للمسيح. أن نجعل من الميلاد مجرد تقليد سنوي يعني أن نتذكر أن الله معنا فقط خلال أيام العيد. ثم نعيش باقي أيام حياتنا كأناس غير مؤمنين قد يتغاضون عن وجود أو تدخل الله في حياتهم اليومية. إن هذا ما يجري نوعاً ما يومي 24 كانون الأول و 6 كانون الثاني أي عند الدخول الرسمي للآباء البطاركة إلى بيت لحم، (وأيضًا، عند استقبال النور المقدس يوم سبت النور). في مثل هذه الأيام تكتسي بيت لحم حلة جديدة وبهيجة، وهذا من حق هذه المدينة المقدسة. ونحشد أكبر عدد ممكن من المجموعات الكشفية الرائعة، ونرى الجميع مسرورين وهذا أيضاً من حقهم. لكن الواقع المرير هو أن يعتقد البعض لا بل الكثيرون أن عيد الميلاد هو نوع من استعراض للقوى أمام الناس. فيستغل البعض هذا الاستعراض بهدف تثبيت وترسيخ الهوية المسيحية بصورتها الخارجية فقط. هذا صحيح وواقعي لكن لا للمغالاة، فلا يجوز أن نُجرد العيد من معناه الروحي. علينا أن نعي أن هويتنا العربية الفلسطينية المسيحية مزروعة في داخلنا. وواجبنا الآن أن نفكر كيف نعيش هويتنا في أرضنا في كل يوم، ولكن بأسلوب مغاير وجديد وخلاّق. أريد أن أرى شاباتنا وشبابنا يصلون في الكنيسة ويتبادلون التهاني بالعيد المبارك. فمشاركتهم في الاستعراض لا تكفي لتثبيت الهوية. علينا أن نتوقف عن الهرب من واقعنا لنعيش ظروف الحياة الحلوة والسيئة على قدر المسؤولية ومن دون تذمر شاكرين الله على كل شيء. نعم الواقع أليم وصعب، لكن علينا أن نتحلى بنعمة البصيرة لنفهم ما يجري من حولنا لنستطيع مواكبة الأحداث والناس. وفي هذا العيد المبارك فإنني أدعو المسيحيين إلى قراءة ما في داخلهم وفي ضمائرهم، أي ما زرع الله فيهم. إنها المحبة. ولا شيء غير المحبة قادرة على أن تجعلنا نعيش حياتنا بفرح حقيقي بالرغم من كل الصعوبات. فاسعَ أيها الإنسان إلى إيجاد المحبة في داخلك وعشها في حياتك اليومية... في بيتك وفي وطنك.