موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ١٦ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠٢٤

عقيدة المطهر لمناسبة شهر الموتى

بقلم :
المطران كريكور كوسا - مصر
عقيدة المطهر لمناسبة شهر الموتى

عقيدة المطهر لمناسبة شهر الموتى

 

الكتاب المقدس وعقيدة المطهر

 

كثيرًا ما يُطرح بين المؤمنين هذا السؤال: "هل الكتاب المقدّس يذكر شيئًا عن المطهر"؟

 

المطهر هو مكان للألم والقصاص، حيث العدالة الإلهيّة تُطهّر الأنفس لتصبح مُستعدّةً لدخول الملكوت. إنّه مكان وسطيّ بين السّماء حيث الفرح الأبديّ، والجحيم حيث الألم الأبديّ، وهو قريبٌ من الجحيم بآلامه المبرّحة، وقريبٌ من السّماء بتقديس الأنفس المتألمّة.

 

فهو عقيدةٌ إيمانيّة أقرها المجمع التريدنتيني ١٥٦٣، وعلّمها كلٌّ من المجامع: ليون الثاني ١٢٧٤، فلورنسا ١٤٣٩، والمجمع الفاتيكاني الثاني ١٩٦٤. ومن يُنكر أيّ عقيدة كنسيّة يقعُ في حال الحُرم الكنسيّ!

 

فإذًا، لماذا يُصلّي المؤمنون للأموات ويقيمون الجنّازات ومراسم التاسع والأربعين والسّنة، خاصةً أولئك الذين لا يؤمنون بعقيدة المطهر؟ إن كانت النفوس التي في السماء ليست بحاجةٍ إلى صلاتهم، ولا النفوس التي هلكت في جهنّم للأبد التي لا تستفيد  من صلاتهم؟

 

 

نصّ العقيدة

 

- مجمع ليون الثاني: "إن مات المؤمنون التائبون حقًّا في المحبة، قبل أن يكفرِّوا بثمارٍ لائقة بالتوبة، عمّا ارتكبوه أو أهملوه، فستُطَهَّر نفوسُهم بعد الموت بعقوباتٍ مُطهِّرة. هذا وإنّ تشفاعات المؤمنين الأحياء ستفيدهم للتّخفيف عن هذه العقوبات، وهي ذبيحة القدّاس والصّلوات والصّدقات وسائر أعمال التّقوى التي اعتاد المؤمنين أن يقوموا بها من أجل سائر المؤمنين، بحسب ما أنشأته وعلمته الكنيسة...".

 

- المجمع التريدنتيني: "إنّ الكنيسة الكاثوليكيّة، وبوحيٍ من الروح القدس، وانطلاقًا من الكتاب المقدس، وتقليد الآباء القديسين القديم علّمت في المجامع المقدسة، وأخيراً في هذا المجمع المسكوني بأنّه يوجد مطهر. كما يطلُب المجمع من الأساقفة أن يبذلوا قُصارى جَهدهم، لجعل عقيدة المطهر السّليمة التي نقلها الآباء القدّيسون والمجامع المقدّسة، موضوع إيمان المؤمنين يحفظونها وتكون منتشرةً ومعلنةً في كلّ مكان".

 

 

١- الكتاب المقدس وعقيدة المطهر :

 

أ‌. العهد القديم

 

"ثُمَّ أخذوا يُصَلُّونَ وَيَبْتَهِلُونَ أَنْ تُمْحَى تِلْكَ الْخَطِيئَةُ الْمُرتكبة محواً تاماً، ... ثُمَّ جَمَعَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ تَقْدِمَةً، فَبَلَغَ الْمَجْمُوعُ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ مِنَ الْفِضَّةِ، فَأَرْسَلَهَا إِلَى أُورُشَلِيمَ لِيُقَدَّمَ بِهَا ذَبِيحَةٌ عَنِ الْخَطِيئَةِ. وَكَانَ عمله مِنْ أَحْسَنِ الصَّنِيعِ وَأَسماهُ على حسب فكرة  قِيَامَةَ الْمَوْتَى، لأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ يرجوا قِيَامَةَ الَّذِينَ سَقَطُوا، لكَانَتْ صَلاَتُهُ مِنْ أَجْلِ الْمَوْتَى أمراً سخيفاْ لا طائل تحته. وإن عدّ أنّ الَّذِينَ رَقَدُوا بِالتَّقْوَى قَدِ ادُّخِرَ لَهُمْ ثَوَابٌ جَمِيلٌ، كان في هذا فكر مُقَدَّسٌ تُقَوِيٌّ. وَلِهذَا قَدَّمَ ذبيحة التكفير عَنِ الْاموات لِيُحَلُّوا مِنَ الْخَطِيئَةِ" (سفر المكابيين الثاني ١٢: ٤٢ – ٤٥).

 

يوضح هذا النّص أنّ الصلاة والحَسنة (التّقدمة) هما من أجل غفران خطايا الّذين ماتوا بخطاياهم العرضيّة لا المميتة، ولكن كيف تغفر الخطايا بعد الموت؟

 

ب‌. العهد الجديد

 

١ -يقول الرب يسوع: "اما من قال كلمة على الروح القدس، فلن يُغفر له، لا في هذه الدنيا ولا في الآخرة" (متى ١٢: ٣٢).

 

هذه الآية تعني أنّه توجد خطايا تغفر في هذه الدنيا، وخطايا تغفر في الحياة الأخرى. فكيف تغفر الخطايا بعد الموت، وفي أيّ مكانٍ ان لم يكن يوجد مطهر؟

 

٢ -سارِعْ إلى إرضاء خصمكَ ما دُمتَ معه في الطريق، لئلّا يسلّمكَ الخصمُ إلى القاضي، والقاضي إلى الشرطيّ، فتُلقى في السّجن. الحقّ أقول لك: لن تخرج منّه حتى تؤدّي آخر فلس" (متى ٥: ٢٥–٢٦).

 

أُطلب التوبة قبل الموت والوقوف أمام الدّيان، لأنّه متى مات الإنسان وعليه دينٌ، فإنّه يُلقى في السّجن ، والسجن هنا هو "المطهر"، ولن يخرج منه حتّى يوفي كلّ ما عليه: أي يتطهّر تمامًا من خطاياه. ذلك لأنّه: "وَلَنْ يَدْخُلَ السّماءَ شَيْءٌ نجس، وَلاَ فاعل قبيحة ولا كذب، بل الذين كُتبوا في سفر الحياة، سفر الحمل" (رؤيا القديس يوحنا ٢١: ٢٧).

 

السّجن، كما قلنا سابقًا هو المطهر، وليس جهنّم لأنّ من يدخل جهنّم لا يخرج، فهي مصيرٌ أبديٌّ. أمّا هنا فيشير إلى الخروج، وبالطبع ليس السّماء لأنّها ليست سجنًا بل هي فرحًا أبديًّا.

 

٣- "سيظهر عَمَلُ كُلِّ وَاحِدٍ، فيوم الله سيعلنه، لأَنَّهُ في النَارٍ سيكشف ذلك اليوم، وَهذه النَّارُ ستمتحن قيمة عَمَلَ كُلِّ وَاحِد. فمن بَقِيَ عَمَلُه الذي بَنَاهُ عَلَى الأساس نال أُجْرَة. ومنِ احتَرَقَ عَمَلُه كان من الناس الخاسرين، وَلكِنْ كَمَن يخلص من خلال  النَار" (كورنتس الاولى ٣: ١٣–١٥).

 

 

ما هي أهميّة القداس الذي يقدّم على نيّة الموتى؟

 

ماذا يقول البابا القديس  يوحنا بولس الثاني؟

 

من خلال تقديم القداس إلى الرب ندرك تضامننا معهم ونشاركهم في خلاصهم من خلال هذا السر العجيب لشراكة القديسين. تعتقد الكنيسة أن صلوات المؤمنين وتقديم القداديس على نية النفوس المحتجزة في المطهر تساعدها على التحرر من عذابات المطهر، وكذلك الصدقات والحسنات والتبرعات وغيرها من أعمال التقوى التي تُقدم خلاص أنفسهم.

 

يتابع قداسته قائلا: "أشجع الذين آمنوا بالمسيح القائم من بين الأموات، على إقامة الصلوات من أجل الأموات، أدعوهم للصلاة لراحة أعضاء أسرهم، ولجميع أمواتنا الذين لقوا حتفهم، ورقدوا على رجاء القيامة. بالصلوات وتقدمة القداديس قد يحصلون على المغفرة، وقد يسمعون دعوة الرب القائل: "تعالي أيتها النفس العزيزة إلى الراحة الأبدية في أحضان الخير حيث أعددت لك المسّرات الأبدية".

 

 

خلاصة القول في تأملنا:

 

الأساس هنا هو السيّد المسيح وكلّ من يبني عمله عليه ينال أجره أي أنّه سيخلص. ولكن من خسر عمله إنّما يخلص ولكن من خلال النار، أي لا بدّ أن يجتاز النّار. وهذا هو الجهد الّذي من خلاله يخلص الإنسان. هذا، وهناك العديد من الرؤى لقدّيسين ومتصوّفين في الكنيسة عن المطهر، أهمّهم القدّيسة فيرونيكا جولياني. نرجو مراجعة تعاليمهم للفائدة لخلاص نفوسنا.