موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ٢ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠٢٤

القداسة وفاء لمعموديتنا

بقلم :
المطران كريكور كوسا - مصر
القداسة وفاء لمعموديتنا

القداسة وفاء لمعموديتنا

 

في الأول من شهر تشرين الثاني، نحتفل مع الكنيسة جمعاء بعيد جميع القديسين. وبذلك، نحن لا نتذكّر من أُعلنوا قديسين على مرّ العصور فحسب، بل إخوتنا وأخواتنا أيضًا الذين عاشوا بصمت حياتهم المسيحية بملء الإيمان والمحبة. وبدون شك  يوجد بينهم العديد من أهالينا وأقاربنا وأصدقائنا ولا سيما الذين سفكوا دماءهم واستشهدوا محبةً بالمسيح والكنيسة والوطن.

 

احتفالنا بعيد جميع القديسين يذكرنا بكلمات يسوع: "أَنتُم مِلحُ الأرض... أَنتُم نور العالم... فَليُضئْ نورُكُم للناس، ليروا أعمالَكُمُ الصالِحة، فيُمَجِّدوا أَباكُمُ الذي في السماوات" (متى ٥: ١٣-١٦)، "كونوا أَنتُم كاملين، كما أنّ أباكُمُ السماويّ كاملّ" (متى ٥: ٤٨). فالقداسة لا تظهر دائمًا في الأعمال الخارقة والكبيرة، بل في الوفاء اليومي لمواعيد معموديتنا. والقداسة تكمن في محبة الله ومحبة إخوتنا وأخواتنا وهو حب يبقى أمينًا للتخلّي عن الذات والمصالح الشخصية، والتكرّس الكامل لخدمة الآخرين. وعلينا أنّ نفكِّر بالأمهات والآباء الذين يضحّون في سبيل عائلاتهم وتربية اولادهم على محبة الله والقريب ويتناسوا أمواراً كثيرة لزرع القداسة في بيوتهم ومجتمعهم.

 

 

القداسة فرح وسعادة

 

هناك صلة مشتركة بين القديسين وهي السعادة التي كانت تغمرهم. لقد وجدوا سرّ السعادة الحقيقية التي تكمن في أعماق النفس ومصدرها محبة الله. لهذا نحن ندعو القديسين طوباويين. إنّ التطويبات كانت مسيرتهم وهدفهم وأرضهم الأمّ. والتطويبات هي طريق الحياة التي يعلّمنا إياها الرب حتى نسير على خطاه.

 

إنّ التطويبات هي صورة المسيح وبالتالي صورة كل مسيحي.

 

"طوبى للودعاء". يسوع بذاته يقول لنا: "تَتَلمذوا لي فإني وَديعٌ مُتواضِعُ القلب" (متى ١١: ٢٩). هذه هي الصورة الروحية للمسيح يسوع  وهي تكشف وفرة محبته لنا. إنّ فضيلة الوداعة هي أسلوب عيش وتصرّف تُقرّبنا من يسوع ومن بعضنا إلى الآخر. إنها تسمح لنا أن نضع جانبًا كل ما يقسمنا ويبعدنا عن بعض وإلى إيجاد أساليب جديدة للتقدّم في مسيرة القداسة التي توصلنا إلى الوحدة الحقيقية مع الله ومع بعضنا.

 

 

التطويبات هوية المسيحي

 

إنّ التطويبات هي بطاقة وهوية المسيحي. إنها تبيّن بأننا أتباع يسوع. نحن مدعوون لكي نكون طوباويين وأتباع يسوع، وعلينا أن نحمل الصليب كما طلب منا الرب يسوع: "من اراد أن يتبعني فليحمل صليبه ويتبعني"، نحمل الصليب بفرح ونواجه الصعاب بروح ومحبة يسوع.

 

طوبى لمن يبقون ثابتين في الإيمان ومثمرين في رسالتهم، بينما هم يواجهون الشرّ الذي يقترفه الآخرون تجاههم ويغفرون ويسامحون من كل قلبهم.

 

طوبى لمن ينظرون في عيون المهمّشين والمنبوذين والمتألمين ويظهرون بالقرب منهم لمساعدتهم وتخفيف الآمهم.

 

طوبى لمن يرون الله في كل شخص يكدون ويجهدون في سبيل جعل الآخرين يكتشفون المسيح.

 

طوبى لمن يتخلّون عن راحتهم الذاتية ومصالحهم الشخصية في سبيل مساعدة الآخرين.

 

طوبى لمن يصلّون ويعملون من أجل تحقيق الوحدة الكاملة بين المسيحيين. كلّ هؤلاء هم رسل رحمة الله وحنانه وبالتأكيد سيُكافأون على ذلك.

 

إنّ الدعوة إلى القداسة هي موجّهة إلى كل شخص منا، ويجب أن نحصل عليها من الله بروح الإيمان. إنّ القديسين يحفّزونا بسيرتهم وبشفاعتهم لنا أمام الله، ونحن بحاجة إلى بعضنا البعض إن أردنا بالحقيقة أن نكون قديسين وكاملين.

 

نطلب من الله نعمة قبول هذه الدعوة، الدعوة إلى الكمال والقداسة بإيمان وفرح، وأن ننضمّ إلى تحقيقها مع بعضنا بالكامل.

 

في هذا العيد، عيد جميع القديسين، نوكل كلّ نوايانا وطلباتنا إلى أمنا السماوية مريم العذراء سُلطانة  القديسين ونعمل على الحوار الهادف إلى الوحدة الكاملة بين المسيحيين حتى نبارَك في جهودنا ونصل إلى القداسة بوحدتنا.