موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
"رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ" (أشعيا ٦١: ١-٢ ولوقا ٤: ١٤ -٢٤)
عندما نقرأ إنجيل القديس لوقا نرى أنّ يسوع "كان يُعلّم في مجامع اليهود فيمجّدونه كلّهم" (لوقا ٤ : ١٥)، حذارِ أن نعتبر أنّ مَن ينعم بالسعادة هم فقط الذين سمعوا صوت السيد المسيح، والويل لنا إذا اعتبرنا أنفسنا محرومين من هذه التعاليم. فإنّ الربّ يسوع يتكلّم اليوم في قلبِ وضمير كل واحدٍ مِنّا، وأيضاً في قلب وضميرِ جماعاتنا المنتشرة في الكنائس والمجتمعات، كما كان يفعل في مجامع اليهود.
قال النبيّ أشعيا: "روح الربّ عليّ، لأنّه مسحني لأبشّر الفقراء". ما عناه بالفقراء هو الشعب الوثني. فهو كان في الواقع شعباً فقيراً، لا يملك شيئاً، لا يؤمن بإله أو بشريعة أو بالأنبياء.
لماذا أرسله الله كرسول للفقراء؟
أرسله "ليُنادي للأسرى بالحريّة وللعميان بعودة البصر" (لوقا ٤: ١٨) لأنّ العميان سيبصرون النور من خلال كلمته وتعاليم عقيدته.
اليوم تَمَّت هذه الآيةُ بِمَسمَعٍ مِنكُم: "رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ..." (أشعيا ٦١: ١)، وكأن الربّ يسوع المسيح يقول: "لأنّ الربّ مسحني وأرسلني، وأقول أيضًا: رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ.
في أي وقت قد مسحني الربّ؟
يجيب السيد المسح بنفسِهِ ويقول: لقد مسحني الربّ حين حُبِل بي، ليتمّ الحبل بي في أحشاء أُمي. لأنّه ليس من زرع رجل قد حُبِلت بي امرأة، إنّما حُبِلت بي عذراء من خلال مسحة الرُّوح القدس. لقد أعطاني الرّب المسحة الملوكيّة: لقد كرّسني ومسحني ملكاً ونبياً وكاهناً في الوقت نفسه. ومسحني الربّ مرّةً ثانية بالرُّوح القُدُس نفسه في نهر الأردن يوم عمدّني يوحنا المعمدان (متى ٣: ١٦–١٧).
يتسأل يسوع أيضًا ويقول: لماذا رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ؟
"لأَنَّهُ مَسَحَني لأُبَشِّرَ الفُقَراء وأَرسَلَني لأُعلِنَ لِلمَأسورينَ تَخلِيَةَ سَبيلِهم ولِلعُميانِ عَودَةَ البصَرِ إِلَيهِم وأُفَرِّجَ عنِ المَظلومين" ( اشعيا ٦١: ١).
"لم يرسلني للأصحاء، إنّما أرسلني كطبيب للمرضى، ولأصحاب القلوب المتألمة والحزينة والكثيرة الأوجاع".
لم يرسلني "للصدّيقين والأبرار بل للخاطئين" (متى ٩: ١٣-١٤).
أرسلني "رَجُل أَوجاعٍ وعارِف بِالأَلَم" (أشعيا ٥٣: ٣)، رجلٌ "وَديعٌ مُتواضِعُ القَلْب" (متى ١١: ٢٩). أَرسَلَني لأُعلِنَ لِلمَأسورينَ تَخلِيَةَ سَبيلِهم وأُفَرِّجَ عنِ المَظلومين... فلأيّ أسير يجب أن أُعلِنَ الخلاص ؟ ولأيّ سجين سأعلن الحريّة؟
وبما "أَنَّ الخَطيئَةَ دَخَلَت في العالَمِ عَن يَدِ إِنسانٍ واحِد، وبِالخَطيئَةِ دَخَلَ المَوت" (رومة ٥: ١٢)، هذا يعني أنّ كلّ الناس هم سجناء الخطيئة وأسرى الموت... لقد أرسلني "لأُعَزِّيَ جَميعَ النَّائحين، نائحي صِهْيون"، كلّ الّذين ينوحون ويبكون لأنّهم كانوا -بسبب خطاياهم- محرومين ومنفصلين عن "أُورَشَليمُ العُليا، السماويّة" أُمّهم (غلاطية ٤: ٢٤).
نعم، يقول الرّبّ سأَمنَحَهمُ التَّاجَ بَدَلَ رماد" التّوبة"، "وزَيتَ الفَرَحِ" أي تعزية الرّوح القدس، "بَدَلَ النَّوح والبكاء" لكونهم أيتاماً، و"حُلَّةَ التَّسْبيحِ أي مجد القيامة " بَدَلَ روحِ الإِعْياء" (أشعيا ٦١ : ٣). "ثمّ طوى يسوع السِّفرَ فأعاده إلى الخادم وجلس. "وكانت عُيونُ أَهْلِ المَجمَعِ كُلِّهم شاخصةً إليه" (لوقا ٤: ٢٠).
والآن، بوسعنا أن نتمعّن النظر في المخلّص يسوع خلال حياتِنا. فحينما نُكرّس اهتمام قلبنا العميق للتأمّل في الحكمة، في الحقيقة وفي إبنِ الله الوحيد، تصبح أعيننا قادرتين على رؤية يسوع. طوبى للجماعة التي شهد لها الكتاب المقدّس حيث قال: "كانت عُيونُ أَهْلِ المَجمَعِ كُلِّهم شاخصةً إليه".
كم أتمنّى أن نستحقّ كلنا شهادة مماثلة وأن تبصر عيوننا، وعيون الجميع، المؤمنين وغير المؤمنين، النساء والرجال والأولاد، الشباب والمسنين، يسوع المسيح بعين الروح وليس بعيون الجسد. فبعد أن نتأمّله، سيشعّ نوره على وجوهنا ومن خلال نظراتنا نستطيع أن نقول: "أطلِعْ علينا نور وجهك، يا ربّ واملأ قلوبِنا سُروراً أعظَمَ من سُرورِهم" (مزمور ٤: ٧–٨).