موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
في الاول من أكتوبر تشرين الأول من كل عام، تحتفل الكنيسة الجامعة بعيد القديسة تريزا الطفل يسوع، وهذه السنة تحتفل الكنيسة بذكرى مرور مائة سنة (١٩٢٥-٢٠٢٥) على إعلانها قديسة.
ولدت القديسة "تريزا الطفل يسوع"، والتي تُعرف أيضًا بـ"الزهرة الصغيرة"، أو "زهرة يسوع الصغيرة" في ٢ يناير كانون الثاني عام ١٨٧٨ بمدينة ألنسيون بمقاطعـة نورماندي بفرنسا، من أبوين صالحين تقيين هـما لويس جوزيف مارتان الذي كان يعمل صائغًا، وزيلي التي كانت تعمل في صنع الدانتيل، وقد اشتهرا بتقواهما. وقبل زواجهما كان كلاً منهما يرغب في الرهبنة ولكن لم تقبل الرهبنة دخول السيدة زيلي بدعوى انها ليست مدعوة للحياة الرهبانية، وأما السيد لويس مارتان كان واجب عليه أن يتعلم اللغة اللاتينية قبل الإلتحاق بالرهبنة. فأسلما أمر مستقبلهما للعناية الإلهية حتى تمَّ تدبير أمر لقاءهما وزواجهما وكانت أمنيتهما أن تثمر حياتهما الزوجية ثـماراً كثيرة لتقديمها إلى الله، مرددين بذلك قول طوبيا البار "انك تعلم يارب أني ما إتخذت لي عروسًا على الأرض، إلا رغبة في نسل يـبارك اسمك إلى دهر الدهور" (طوبيا ٨: ٦). فاستجاب الله لدعائهما، ورزقهما تسعة أولاد، انتقل ولدان وبنتان الى السماء بعد أشهر قليلة من ولادتهم.
أما الأخوات الخمس الأخريات فهن:
ماري: وأصبحت راهبة كرملية باسم ماري للقلب الأقدس،
بولين: وأصبحت راهبة كرملية بإسم أغنيس ليسوع،
ليوني: وأصبحت راهبة بدير الزيارة باسم فرنسواز تريز،
سيلين: وأصبحت راهبة كرملية باسم ماري جنفييف تريز،
والقديسة تريزا ليسوع الطفل، وهي الإبنة التاسعة والأخيرة لهذه الأسرة الـمباركة.
نالت تريزا سر العماد في ٤ يناير كانون الثاني عام ١٨٧٣، أي بعد يومين من ميلادها وذلك في احتفال عائلي كبير في كنيسة البلدة ودعيت بإسم "ماري فرنسواز تريز". ولـما بلغت تريزا الرابعة والنصف من عمرها انتقلت امها بعد مرضها بمرض السرطان إلى بيت الآب، بعد أن رددت كلماتها الأخيرة في استسلام "إذا لم تشفيني العذراء مريم، فذاك لأن وقتي قد حان، والله يريدني أن أستريح في موضع آخر ليس على هذه الأرض". وكان لإنتقال الأم أثره البالغ على الطفلة تريزا فاتخذت من اختها الكبرى بولين أمًا أخرى.
بعد وفاة الأم انتقلت الأسرة إلى قرية "ليسيو" ليكونوا بالقرب من الخال، حسب وصية وطلب الأم. وكانت القديسة تريزا تذهب مع والدها إلى الكنيسة لحضور القداس، ثم تتنزه معه. ولما بلغت الثامنة والنصف من عمرها التحقت بمدرسة البندكتين حيث كانت أصغر التلميذات سنًا فعانت من المضايقات والمشاكسات من زميلاتها مما جعلها تبكي سرًا دون أن تبوح لأحد. وبعد أشهر قليلة دخلت أختها بولين إلى رهبنة الكرمل تاركةً ألـمًا آخر لتلك الفتاة القديسة الصغيرة.
وعندما كانت القديسة تريزا في عامها العاشر أصيبت بـمرض شديد كاد أن يودي بحياتها وبدا اليأس يسري إلى الجميع، إلا ان العذراء مريم لم تتركها واستجابت لصلاة أخواتها ماري وليوني وسيلين وظهرت لها في ١٣ مايو أيار ١٨٨٣ وأبرأتها من مرضها. لقد كانت تقضي معظم أوقاتها في القراءة وأدركت ان "الحب الحقيقي الدائم ليس بالقيام بالأعمال البطولية، بل أن يتوارى الـمرء عن أعين الغير وعن نفسه بحيث تجهل يده اليسرى ما تفعله اليمنى".
في ٨ مايو أيار عام ١٨٨٤ تحقق الحلم الذي ظل يراودها مدة سنوات، حيث تقدمت إلى الـمناولة الأولى، بعد أن استعدت لها لمدة ثلاثة أشهر كاملة. وعند حصولها على الـمناولة بكت كثيرًا لإحساسها بحلول جميع النعم السماوية في قلبها البشري بواسطة ذلك السر الإلهي العجيب.
وفي ١٤ يونيو حزيران عام ١٨٨٤ نالت سر التثبيت الذي من خلالة امتلأت من مواهب الروح القدس والتي أهلتها لإحتمال الآلام التي كانت في إنتظارها وألهبت قلبها غيرة على خلاص النفوس فأضحت "مسيحية كاملة" على حد تعبيرها.
وما هي إلا سنة ونصف سنة أخرى إلا ودخلت أختها ماري رهبنة الكرمل، ففقدت القديسة تريزا سندًا آخر لها. وتابعت حياتها كالمعتاد تذهب إلى الكنيسة وتصلي وتتأمل في حب السيد المسيح والتكرس له كإحدى "بنات مريم" وهي جمعية تقدم العون للمحتاج بجانب الصلاة وأشغال الإبرة والترانيم، هذا إلى جانب تفوقها في دراستها بالمدرسة وتأملاتها في الطبيعة وجمال مخلوقات الله عندما كانت تتنزه مع والدها ايام الآحاد والأعياد.
في ليلة عيد الـميلاد ٢٤ ديسمبر كانون الأول عام ١٨٨٦، وهي في سن الرابعة عشر، رأت الطفل يسوع وهو يبتسم لهـا. وكانت هذه نقطة تحوّل فـي حياتهـا حسب قولهـا، ممـا دفعتهـا لحب يسوع الطفل ومحاولـة التشبه بـه، ولهذا عُرفت بتريزا الطفل يسوع.
في ٢٩ مايو أيار عام ١٨٨٧، أرادت أن تلبي دعوة الله، فطلبت من والدها دخول الرهبنة، وبعد معارضة والدها لفترة وجيزة وافق على دخولها الدير، ولكنها لاقت معارضة من بعض أفراد اسرتها وكاهن القرية وحتى أسقف المقاطعة ورئيسة الدير نفسها وذلك لصغر سنها. فذهبت مع والدها إلى مدينة روما لــمقابلة الحبر الأعظم البابا لاون الثالث عشر لأخذ موافقته للدخول في الرهبنة وهي في سن الخامسة عشر، بعد حديث طفولي وقلب مليء بالبراءة مع قداسته. قال لها البابا "ستدخلين إذا كانت هذه إرادة الله".
في ٩ أبريل نيسان عام ١٨٨٨، انضمت الفتاة تريزا ذات الخمسة عشرة عامًا إلى رهبنة الكرمل، وبدأت مسيرتها في درب الصليب متحملةً كل الآلام والتجارب وبحسب قولها: "مد لـي العذاب ذراعيه منذ دخولي فعانقته بحب". وفي ١٠ يناير كانون الثاني عام ١٨٨٩ تم الإحتفال بإرتداء القديسة تريزا الثوب الرهباني، وفي ذلك اليوم، تم سقوط الثلج حسب رغبة "عروس العذارى" كإعلان السماء عن بهجتها.
وبمجهود مضني كانت تبحث عن أي مناسبة لتؤدي الخدمات الخفية للراهبات ولا تدافع عن نفسها ولا تستاء إذا ما أخذت إحدى الراهبات حاجياتها. وفي ٨ سبتمبر أيلول عام ١٨٩٠ تم الإحتفال بتقديم النذور الرهبانية. وفي ٢٩ يوليو تموز عام ١٨٩٤ استقبلت تريزا بإيمان نبأ وفاة والدها وهو في الواحد والسبعين من عمره وهي في الواحد والعشرين من عمرها بعد أن قاسى عذابات الألم لمدة ثلاثة سنوات.
واستمرت حياة تريزا بالخدمة وتقديم الإماتات. ولكن كان الشوق لرؤية الله في السماء يزداد إندلاعًا يومًا بعد يوم في قلبها. أصيبت بالسعال والنزيف الدموي وكتمت أمرها مستسلمة إلى أن لاحظت الرئيسة مرضها، وتم استدعاء الطبيب الذي قرر ان الـمرض قد استفحل وأخذ مجراه في جسدها الضعيف، وأن النهاية قريبة. وتكررت نوبات النزيف والسعال، وأخيرًا نالت تريزا مسحة الـمرضى ثم تناولت للمرة الأخيرة القربان الأقدس في ١٩ أغسطس آب عام ١٨٩٧.
وهكذا تحملت تلك الآلام الـمريرة خاصة في الشهور الأخيرة من حياتها وعلى وجهها ابتسامة دائمة حتى انتقلت الزهرة الصغيرة إلى السماء في ٣٠ سبتمبر أيلول عام ١٨٩٧ في بلدة ليزيو، وعمرها خمسة وعشرون عامًا وهي تردد: "إني أحبه.. آه.. ربي أني أحبك"، وبعد أن تركت لنـا ٤ مخطوطات عن حياتهـا، هذا بالإضافـة إلى ٢٦٦ رسالة تحمل تأملاتهـا وخبرة حياتهـا الروحية.
في ٢٩ أبريل نيسان عام ١٩٢٣ أُعلن تطويب تريزا الطفل يسوع بعد أن شهد الشهود بالمعجزات التي صُنعت عند الإلتجاء اليها. وفي ١٩ مايو أيار عام ١٩٢٥ أعلن قداستها البابا بيوس الحادي عشر بعد أن تحققت الكنيسة من عِظم العطايا التي منحتها هذه القديسة الصغيرة لـمن يلجأ اليها وطالباً صلاتها تحقيقاً لوعدها من: "أنها ستمطر من السماء غيثاً من الورود. سأقضي سمائي في عمل الخير على الأرض".
وفي ١٩ اكتوبر تشرين الأول عام ١٩٩٧ أعلن البابا القديس يوحنا بولس الثانـي القديسة تريزا الطفل يسوع معلّمة فـي الكنيسة الجامعة نظرًا لـما تحملـه كلماتهـا وحياتهـا من عمق روحـي وتعليـم عن حب الله. تحتفل الكنيسة الجامعة بعيدها في الأول من اكتوبـر تشرين الأول من كل عـام. أعلنت العديد من الدول مثل فرنسا والهيئات والإرساليات الـمسيحية والأبرشيات، القديسة تريزا الطفل يسوع شفيعةً. وقد أعلنتها الكنيسة المقدسة شفيعة للإرساليات.