موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
مع كل تلك الحرارة غير المسبوقة في هذا الصيف الذي يغادرنا، فإن البشرية بمجملها ما تزال مصرة على تجاهل إنذارات الطبيعة الأم التي ترسلها لنا على شكل برقيات شديدة اللهجة.
ما يزال موضوع التغير المناخي حالةً إخبارية ثانوية في معظم الإعلام العالمي، وما تزال البشرية منصرفة إلى أزمات وحروب بين بني الإنسان، والجميع تحت خطر واحد داهم ووشيك يتعلق بالتغيرات المناخية التي لم تعد تهديداً بعيداً بقدر ما هي فعلاً واقع حقيقي يحصد الضحايا يومياً.
آخر ما ورد من أخبار يتحدث عن بداية انقراض حقيقي للدببة القطبية في شمال الكوكب، مع تزايد استمرار ذوبان الجليد في ذلك القطب البعيد، وهذا يعني تداعيات كارثية في منسوب المياه والفيضانات وكثير من الانعكاسات التي تشبه أثر تساقط حجارة الدومينو في كوكب نتشارك في العيش عليه جميعاً ولا مكان لنا سواه.
اضطرابات وحروب وانقلابات في أماكن كثير على الكوكب، بعضها باسم «الإنسانية» والإنسانية براء من كل ذلك، لكنها معرَّضة لخطر لا يعرف فروقاً بين الهويات والأديان والأعراق، ألا وهو خطر الطبيعة الغاضبة جراء ما نرتكبه من خطايا بحقها. وليست بعيدةً عن ذاكرتنا اليوم جائحةُ فيروس كورونا حين انتشر في الكوكب كله، واستقْبلنا كبشرية تتنازع وتخوض حروبَها العبثيةَ أولَ إنذار شديد اللهجة حمله ذلك الفيروس متناهي الصغر، غير مكترث لا للجنسيات ولا للمعتقدات ولا للهويات، فهاجم الجميع بدون أي انتقائية من أي نوع، فدخلت الإنسانية كلها في حظر جماعي مشترك توحدت فيه الأمنيات أمام عدد وفيات غير مسبوق، وكانت الصلوات والابتهالات وكل الأمنيات على قلب إنساني واحد، مع تعدد المعتقدات والأديان، وكانت الإجابة بعدها من خلال العلم الذي قدّم لنا اللقاحات والأدوية فانحسر خطر الوباء.
كان درساً بليغاً لنا كبشرية، سرعان ما نسينا جوهرَه المتمثلَ في أن الخطر الحقيقي هو ما نرتكبه بحق الطبيعة الأم وفي العبث الذي نمارسه إزاء الكوكب الذي نعيش عليه. واليوم يتعلق الخطر الأكبر بالمناخ والطبيعة التي توجه للبشر تحذيرَها المسبق، لكنهم مشغولون بنزاعاتهم، وبدلاً من تسخير العلوم والمعرفة والتكنولوجيا لتحسين ظروف الكوكب، يسخِّرونها لصناعة الأسلحة وتأجيج النزاعات. أمامنا فرصٌ كثيرةٌ لتدارك أنفسنا، وهناك نوافذ أمل واسعة لو انتبهنا مبكراً، أولُها وأقربُها مؤتمر cop28 الذي ستستضيفه دولة الإمارات، الرائدة في الدفاع البيئي عن الكوكب.
المؤتمر الذي يعد امتداداً لمحاولات جادة وكبيرة بدأت قبل ثلاث عقود في مؤتمر ريو ثم قمة باريس قبل ثماني سنوات، ينعقد نهاية هذا العام الجاري في دولة التي وضعت استراتيجيات وطنية جادة وحقيقية للوصول إلى بيئة خالية من الملوثات والأخطار. هذه مؤتمرات تهم الإنسانية وواجبةُ الحضور والمشاركة بتفاعل والتزام حقيقيين أكثر من كل مؤتمرات دولية أخرى. النزاعات التي يخوضها البشر لن تكون ذات قيمة أمام أصغر فيضان يداهم المتنازعين.
(الاتحاد الإماراتية)