موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ٢١ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠٢٤

تأمل لمناسبة عيد تقدمة العذراء مريم للهيكل

بقلم :
المطران كريكور كوسا - مصر
لهذا العيد أهمية كبرى في كنائسنا وعائلاتنا وانشطتنا الرسوليّة ومدارسنا

لهذا العيد أهمية كبرى في كنائسنا وعائلاتنا وانشطتنا الرسوليّة ومدارسنا

 

نحتفل يوم ٢١ نوفمبر/تشرين الثاني من كل عام، بعيد تقدمة مريم العذراء للهيكل.

 

تقدمة مريم العذراء للهيكل وحياتها وأعمالها يدفعنا إلى التأمل في قداستها ووداعتها وبساطتها منذ نعومة أظافرها.

 

اليوم العذراء التي هي مقدمة مسرة الله، وابتداء الكرازة بخلاص البشر، قد ظهرت في هيكل الله علانيةً، وسبقت مبشرة للجميع بالمسيح. فلنهتف نحوها بصوت عظيم قائلين: "إفرحي يا كمال تدبير الخالق".

 

ان يواكيم وحنّة، والدي مريـم العذراء هذه الإبنة الممتلئة نعمة (لوقا ١: ٢٨)، التي رزقهما الله إياها، اصطحباها إلى الهيكل عند إتمامها ثلاث سنوات، لتتربى وتخدم وتتعلم فيه منذ صغرها، ليتمٌموا نذراً كانا قد كرّساه لله كي يُرزقا بالبنين والبنات، بعد أن كانا عاقرين وساهرين على عيش الشريعة، ووصايا الله وتعاليمه بحسب إرادته وعمل الفضيلة، ورافعين الصلاة والدعاء  ليكون لهم لذرية.

 

حملها والديها وقدّماها للرب عن يد زكريّا الكاهن، لتسكن قريباً من هيكل أورشليم. وهذه التقدمة كانت أفضل التقادم وأقدسها، منذ بُنيَ الهيكل، لأنّها تقدمة ابنة تفوق بقداستها وجمال نفسها وجسدها سائر الملائكة والقديسين والبشر، بل هي أفضل من الهيكل الحجري، لأنها هيكل الله الحيّ (قورنتس الثانية ٦: ١٦)، حلّ فيه الروح القدس (لوقا ١: ٣٥) بجميع مواهبه الإلهية. وكان ابن الله مزمعاً أن يحلّ في احشائها ويتخذ من جسدها جسداً بشريّاً كاملاً "والكلمة صار بَشَراً" (يوحنا ١ : ١٤).

 

قضت مريم طفولتها وحياتها في زوايا الهيكل وهي تصلي وتتأمل وتطالع الكتب المقدسة وتعمل الأشغال اليدوية. مكرسةً ذاتها لله، حتى بلغت الخامسة عشر من عمرها، ثمَّ عادت إلى الناصرة وخطبت القديس يوسف البتول، حيث قبلت سرّ البشارة (لوقا ١: ٢٦-٣٨)، فأخذها يوسف خطيبها إلى بيتِهِ، بعد أن ظهر له الملاك (متى ١: ٢٤).

 

يعلّمنا هذا العيد بتواضع قلب مريم العذراء الطاهر منذ صغرها، وتقديم ذاتها وحياتها لله بكل حب وطاعة وتضحية لمشيئته وإرادته. كما ويُذكرن بنعم الله الوافرة التي يمنحنا إياها، وهو الذي يستمع لطلباتنا وصلاتنا واحتياجاتنا، ويُجيب عليها ويمنحنا إياها، فقط إذا آمنّا بمقدرته العجائبية في تحقيق تضرعاتنا وإستجاباتها.

 

لقد مدح القديسان امبروسيوس وايرونيموس العذراء مريـم، مدحا: "إحتشامها ورصانتها وصمتها العميق المقدس، ومواظبتها على الصلاة والخلوة، ومحبّتها لرفيقاتها العذارى اللواتي كانت تحضُّهنَّ على الفضيلة وعمل الخير".

 

لهذا العيد أهمية كبرى في كنائسنا وعائلاتنا وانشطتنا الرسوليّة ومدارسنا، لما فيه من الفائدة والعبرة والموعظة، فإنه يبيّن لنا المثل الأعلى للإيمان والتقوى في شخص البارين يواكيم وحنة، ويعطينا درساً ممتعاً ومفيداً لنعرف كيف نهذّب اولادنا ونربيهم تربية مسيحية صالحة على الفضيلة والتقوى وخوف الله ومحبة القريب. وان لنا في مثال العذراء مريم أكبر درساً وموعظة للصلاة والتأمل والطهارة والعفاف والمحبّة والخدمة والتضحية والإتكال على الله والثقة به.

 

تربية اولادنا يجب ان تقوم على الايمان والتقوى، وأن نبُثَّ فيهم خوف الله ومحبته، ومحبة القريب وخدمتهِ، لأن محبة الله ومخافته أساس كل عمل صالح في الإنسان.