موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ٢٦ مارس / آذار ٢٠٢٥

المعنى الروحي للبئر في الكتاب المقدس

بقلم :
الراهب بولس رزق الفرنسيسكاني - مصر
المعنى الروحي للبئر في الكتاب المقدس

المعنى الروحي للبئر في الكتاب المقدس

 

البئر في الكتاب المقدس يحمل معاني روحية عميقة ومتنوعة، وتتغير هذه المعاني حسب السياق الذي تظهر فيه. إليك بعض المعاني الروحية الرئيسية للبئر.

 

 

1. مصدر الحياة والبركة

 

الماء من البئر ضروري للبقاء على قيد الحياة، خاصة في المناطق الجافة مثل الشرق الأوسط. لذلك، البئر يرمز إلى البركة والعطاء الإلهي.

 

- مثال: بئر إسحاق (تكوين 26: 18-25)، حيث حفر إسحاق الآبار التي حفرها أبوه إبراهيم، مما يرمز إلى استمرارية البركة والميراث الروحي.

 

- بركات الأجداد والإرث الروحي الآبار التي حفرها إبراهيم تمثل البركات الروحية والإرث الذي تركه للأجيال القادمة. إسحاق يعيد حفرها ليعيد تذكير الشعب ببركات الله التي كانت موجودة في الماضي.

 

- الصراع والتمسك بالبركة الفلسطينيون الذين طمّوا الآبار يمثلون القوى المعارضة التي تحاول أن تحرم شعب الله من بركاته. إسحاق، بإصراره على إعادة حفر الآبار، يظهر التمسك ببركات الله وعدم الاستسلام للضغوط الخارجية.

 

- السلام والوفرة عندما يعيد إسحاق حفر الآبار ويجد الماء، يرمز ذلك إلى السلام والوفرة التي يأتي بها الله عندما يثق شعبه به ويتبع وصاياه. البئر الأخير الذي لم يتنازعوا عليه، والذي سماه "رحوبوت"، يرمز إلى اتساع البركة والسلام الذي يأتي من الله.

 

- العلاقة مع الله: البئر يمكن أن يرمز أيضًا إلى العلاقة الشخصية مع الله. إسحاق، بإعادة حفر الآبار، يعيد تأكيد علاقته مع الله وثباته في الإيمان.

 

 

2- رمز العناية الإلهية

 

البئر يذكرنا بأن الله يعتني بنا حتى في الأماكن الجافة والقاحلة. بئر حاجر (تكوين 16: 7-14)، حيث ظهر ملاك الرب لهاجر عند البئر في البرية ووعدها بالعناية. الله يسمع ويستجيب، يسمع الله أنين هاجر ويستجيب لضيقها. هذا يظهر لنا أن الله يهتم بالمنبوذين والمهمشين. ويعدها الله بنسل عظيم، رغم وضعها كجارية. هذا يظهر لنا أن الله يستخدم حتى الأشخاص الذين يعتبرهم العالم غير مهمين لتحقيق مقاصده.

 

اسم البئر "بئر لحي رئي":

 

- تسمي هاجر البئر "بئر لحي رئي"، أي "بئر الحي الذي يراني". هذا الاسم يعكس إدراكها أن الله رآها في ضيقتها واستجاب لها.

- اسم البئر هو شهادة على لقاء هاجر مع الله الحي، الذي يرى ويسمع ويستجيب لصلواتنا.

- الله يرى ويسمع حتى أولئك الذين يشعرون بأنهم منسيون.

- الله يستجيب لصلواتنا في أوقات الضيق.

- يمكن لله ان يستخدم أي شخص لتحقيق خطته.

- يمكن ان نجد الله في كل مكان حتى في الأماكن التي نشعر بها بالوحدة.

 

 

3- مكان العهد والسلام

 

البئر كان أحيانًا مكانًا لإبرام العهود والاتفاقيات، مما يجعله رمزًا للسلام والاستقرار.

 

- مثال: بئر سبع (تكوين 21: 22-31)، حيث أبرم إبراهيم ميثاقًا مع أبيمالك. في سفر التكوين( 21: 22- 31)، نجد قصة إبرام وأبيمالك، ملك جرار، حيث أبرما ميثاقًا عند بئر سبع.

 

البئر كمكان للعهد: البئر في الكتاب المقدس غالبًا ما تكون مكانًا للقاءات مهمة، وفي هذه القصة، تصبح مكانًا لإبرام عهد بين إبرام وأبيمالك. والبئر هي مصدر للحياة، وإبرام وأبيمالك يتفقان على تقاسم هذا المصدر، مما يدل على رغبتهم في السلام والتعاون.

 

العهد كعلامة على السلام: يأتي أبيمالك إلى إبرام مع رئيس جيشه فيكول، ويعترف بأن الله مع إبرام. هذا الاعتراف يدل على احترام أبيمالك لإبرام وتقديره لقوة الله، يبرم إبرام وأبيمالك عهدًا لضمان السلام بينهما، وتجنب النزاعات المستقبلية. هذا يدل على أهمية السلام في العلاقات بين الشعوب. ويقدم إبراهيم هدية من غنم وبقر لأبيمالك، وهذا يدل على احترام إبراهيم للملك، وتأكيدًا على العهد.

 

بئر سبع كشهادة على العهد:

 

- يسمي إبرام البئر "بئر سبع"، أي "بئر القسم"، وذلك لأن كلاهما حلفا هناك. هذا الاسم يصبح شاهدًا على العهد الذي أبرماه.

- بئر سبع تصبح مكانًا مقدسًا يذكر الناس بالعهد الذي تم إبرامه، ويدعوهم إلى السلام والتعاون.

- السلام والتعاون هما أساس العلاقات الصحية بين الشعوب.

- الاعتراف بقوة الله واحترام الآخرين يمكن أن يؤدي إلى علاقات أفضل.

- العهود والاتفاقيات يمكن أن تضمن السلام وتمنع النزاعات.

- أهمية شهادة المكان، حيث يصبح المكان شاهدًا على الأحداث المهمة.

 

 

4-  قصة يوسف الصديق في البئر

 

هي قصة مؤثرة تحمل العديد من الدروس والعبر. سفر التكوين( 37: 23- 24)،"فكان لما جاء يوسف الى اخوته انهم خلعوا عن يوسف قميصه، القميص الملون الذي عليه، واخذوه وطرحوه في البئر. واما البئر فكانت فارغة ليس فيها ماء". وعدم وجود الماء يعني هذا عدم وجود حياة بالماء رمز الحياة ولكن مع يوسف يعتبر كالبذرة التي دفنت في الإرض وخرجت من هذه التربة بثوب جديد.

 

البئر كمكان للألم والخيانة: البئر في قصة يوسف لم تكن مصدرًا للحياة، بل كانت مكانًا للألم والخيانة. إخوة يوسف ألقوه في البئر بدافع الحسد والكراهية، مما يظهر مدى قسوة قلوبهم. البئر يمثل الظلم والمعاناة التي تعرض لها يوسف في بداية حياته.

 

البئر كمكان للاختبار والتقوية: رغم الألم والمعاناة، لم يفقد يوسف إيمانه بالله. والبئر كان مكانًا للاختبار، حيث تعلم يوسف الصبر والاعتماد على الله. وهذه التجربة الصعبة ساعدت يوسف على النمو الروحي والتقوية.

 

البئر كمكان للنجاة والبداية الجديدة: رغم أن البئر كان مكانًا للألم، إلا أنه كان أيضًا مكانًا للنجاة. لولا البئر، لما تم بيع يوسف إلى مصر، ولما وصل إلى المكانة التي وصل إليها. البئر كان بداية لمرحلة جديدة في حياة يوسف، حيث تحول من عبد إلى حاكم. الظلم والمعاناة يمكن أن يكونا جزءًا من خطة الله لحياتنا. فالصبر والإيمان يمكن أن يساعدانا على تجاوز أصعب الظروف. الله يمكن أن يحول الشر إلى خير، والألم إلى فرصة للنمو. وأهمية الثقة في خطة الله حتى في الأوقات الصعبة. أهمية التسامح والعفو عند المقدرة، كما فعل يوسف مع إخوته.

 

 

5. مكان الاختبار والامتحان

 

أحيانًا تكون البئر مكانًا للاختبار الروحي، حيث يتعلم الإنسان الاعتماد على الله. لقاء موسى مع بنات الرعاة عند البئر (خروج 2: 15-22)، حيث بدأت رحلته الجديدة. البئر هي مصدر للماء، وهو ضروري للحياة، ونجد موسى يقدم هذه الخدمة الضرورية للمحتاجين.

 

اللقاء كمقدمة لعلاقة:

 

- هذا اللقاء عند البئر كان بداية لعلاقة موسى مع رعوئيل وبناته كاهن ميدان،

- يدعو رعوئيل موسى إلى بيته، ويقدم له المأوى والعمل، ويتزوج موسى من صفورة، إحدى بنات يثرون.

- هذا يدل على أن الله يستخدم حتى اللقاءات العرضية لترتيب أمورنا وتوجيه حياتنا.

- الرحمة والمساعدة هما صفتان مهمتان يجب أن نتصف بهما.

- الله يستخدم حتى اللقاءات العرضية لترتيب أمورنا وتوجيه حياتنا.

- أهمية عمل الخير وتقديمه الى كل محتاج، حتى لو كان الشخص نفسه بحاجة للمساعدة.

- أهمية الكرم والشهامة في التعامل مع الأخرين.

 

 

6. رمز العطش الروحي

 

البئر يمثل العطش الروحي للإنسان الذي لا يُروى إلا بماء الله الحي. في المزمور : "كما يشتاق الإيل إلى جداول المياه، هكذا تشتاق نفسي إليك يا الله. عطشت نفسي إلى الله، إلى الإله الحي." (42: 1-2).

 

- "عطشت نفسي إلى الله، إلى الإله الحي". هذا العطش ليس جسديًا، بل روحيًا. إنه شوق عميق للقرب من الله.

- كاتب المزمور يشعر بفراغ لا يمكن أن يملأه أي شيء سوى الله. إنه يدرك أن الله هو مصدر الحياة الحقيقية والارتواء الحقيقي.

- الإنسان يشعر بعطش روحي داخله لا يرويه الا القرب من الله.

- يشير كاتب المزمور إلى أن الله هو "الإله الحي"، أي الإله الذي يتفاعل مع البشر ويستجيب لصلواتهم.

- البئر ترمز إلى مكان يمكن فيه مقابلة الله، ومكان يرتوي فيه الظمأ الروحي.

- الشوق إلى الله هو حاجة أساسية للإنسان.

- الله هو مصدر الحياة الحقيقية والارتواء الحقيقي.

- يمكننا أن نجد الله في كل مكان، حتى في الأماكن التي نشعر فيها بالعطش الروحي.

- العطش الروحي يدفع الإنسان إلى البحث عن الله.

 

 

7 رمز الفرح والخلاص

 

في سفر أشعياء (12: 3)، يُقال: "فتستقون ماءً بفرح من ينابيع الخلاص." البئر هنا يرمز إلى الفرح الذي يأتي من خلاص الله.

 

- الماء هنا يرمز إلى الحياة الروحية المتجددة، والغفران، والعلاقة الحميمة مع الله.

- الآية تؤكد على أن الاستقاء من هذه الينابيع يكون "بفرح".

- الخلاص الحقيقي يجلب معه فرحًا عميقًا ودائمًا، لأنه يحرر الإنسان من الخوف واليأس.

- الفرح هنا هو نتيجة طبيعية للشعور بالخلاص.

- في أوقات الضيق والجفاف الروحي، تصبح البئر رمزًا للرجاء.

- إنها تذكرنا بأن الله هو مصدر الخلاص، وأنه دائمًا ما يقدم لنا الماء الحي الذي يروي عطشنا الروحي.

- البئر تعني أن هناك دائما أمل في الخلاص.

- الخلاص هو هبة من الله، وهو مصدر للفرح الحقيقي.

- يمكننا أن نستقي من ينابيع الخلاص بفرح، حتى في أوقات الضيق.

- الرجاء في الله هو مصدر قوة لنا.

- الله هو مصدر الحياة الروحية

 

 

8- مكان اللقاء مع الله

 

لقاء يسوع مع المرأة السامرية عند بئر يعقوب (يوحنا 4: 1-42)، البئر غالبًا ما يكون مكانًا للقاءات مهمة بين الله والبشر، أو بين الأشخاص أنفسهم، حيث قدم يسوع "الماء الحي" كرمز للخلاص والحياة الأبدية.

 

- البئر هنا يمثل مكانًا للقاء الروحي، حيث يكشف يسوع للمرأة عن حقيقة نفسها وعن هويته كمسيح.

- يسوع هو الماء الحي: يتحدث عن "الماء الحي"، الذي يرمز إلى الحياة الروحية الأبدية.

- هذا الماء الحي يروي العطش الروحي للإنسان، ويمنحه حياة جديدة في المسيح.

- البئر المادي يصبح رمزًا للبئر الروحي، حيث يمكننا أن نجد الارتواء الحقيقي في يسوع.

 

كشف الحقيقة: يسوع يكشف للمرأة عن حياتها الشخصية، ويخبرها عن علاقاتها المتعددة. هذا الكشف يظهر أن يسوع يعرفنا حق المعرفة، وأنه يرى أعماق قلوبنا. الاعتراف بالخطيئة هو الخطوة الأولى نحو التوبة والتحول.

 

الشهادة: بعد لقاء يسوع، تترك المرأة جرتها وتذهب إلى المدينة لتخبر الناس بما حدث، شهادتها الشخصية تؤدي إلى إيمان العديد من السامريين بيسوع، قوة الشهادة الشخصية وتأثيرها على الأخرين.

 

كسر الحواجز: يسوع يكسر الحواجز بين اليهود والسامريين، وبين الرجال والنساء. و رسالته موجهة للجميع، بغض النظر عن خلفيتهم أو وضعهم الاجتماعي. رسالة محبة وتسامح موجهة الى الجميع.يسوع هو مصدر الحياة الروحية الحقيقية، والله يعرفنا حق المعرفة ويحبنا رغم خطايانا. رسالة يسوع موجهة للجميع، وتتخطى كل الحواجز. المسيح عند البئر مع السامرية لقاء العريس الإلهي بالعروس الضالة  نجد في يوحنا الفصل الرابع، يقف المسيح عند البئر، ليس ليطلب زوجة، بل ليعيد عروسًا ضالة إليه، المرأة السامرية، التي ترمز لكل نفس عطشى تبحث عن الحب الحقيقي في أماكن خاطئة. لقد جاءت إلى البئر متعبة مخفية خزيها، لكن المسيح كشفها لا ليحكم عليها، بل ليحررها. كان لها خمسة أزواج لأن مدينة السامرة على مر تاريخها كانت تعبد خمسة آلهة زائفة، إلي حين جاء يسوع، لكن المسيح وحده هو العريس الحقيقي. بدلاً من ماء البئر الذي لا يروي، أعطاها ماء الحياة

 

الزواج عند البئر:

 

الزواج عند البئر في الكتاب المقدس ليس مجرد حدث تاريخي، بل هو رمز للعلاقة بين الله والإنسان. البئر يمثل مكان اللقاء، البركة، والحياة الجديدة التي تأتي من خلال العلاقة مع الله. هذه الأحداث تعلمنا أن الله يعمل في تفاصيل حياتنا ويقودنا إلى العلاقات التي تحقق مشيئته.

 

1- إسحاق ورفقة (تكوين 24)، أرسل إبراهيم خادمه إلى بلاد ما بين النهرين ليجد زوجة لابنه إسحاق. وصلى الخادم إلى الله طالبًا إرشاده، وطلب علامة: أن الفتاة التي تقدم له الماء وتسقى جماله هي التي اختارها الله رفقة، التي كانت تعمل عند البئر، قدمت الماء للخادم وجماله، فكانت هذه العلامة.  أدى هذا اللقاء إلى زواج إسحاق ورفقة، الذي أصبح رمزًا للبركة والوفاء لوعود الله.

 

2-  يعقوب وراحيل (تكوين 29: 1-20)، عندما هرب يعقوب من أخيه عيسو، وصل إلى منطقة حران، حيث التقى براحيل عند البئر. كان البئر مغطى بحجر كبير، وعندما رأى يعقوب راحيل، دحرج الحجر بمفرده وسقى أغنامها. يعقوب وقع في حب راحيل، وعمل عند أبيها لابان سبع سنوات لكي يتزوجها.- هذه القصة تظهر قوة الحب والتضحية، كما ترمز إلى العلاقة بين الله وشعبه.

 

3- موسى وصيفورة (خروج 2: 15-22)، بعد هروب موسى من مصر، وصل إلى أرض مديان، حيث جلس عند البئر. هناك، قابل بنات الراعي اللواتي كن يأتين لسقي أغنامهن، لكن الرعاة الآخرين طردوهن. وموسى دافع عنهن وسقى أغنامهن، مما أدى إلى دعوته إلى بيت أبيهن، رعوئيل (أو يثرون)  تزوج موسى من إحدى البنات، صيفورة، وأنجبا ولدين. - هذه القصة تظهر كيف أن البئر كان مكانًا للقاءات التي تغير مسار الحياة.

 

الرمزية الروحية للزواج عند البئر:

 

1- مكان اللقاء الإلهي: البئر يمثل مكانًا حيث يلتقي البشر بمشيئة الله، كما في قصة إسحاق ورفقة.

2- البركة والعهد: الزواج عند البئر غالبًا ما يرتبط ببركة الله ووعوده، كما في قصة يعقوب وراحيل.

3-  التضحية والحب: القصص تظهر التضحية من أجل الحب، كما في عمل يعقوب لسنوات من أجل راحيل.

4- العطش الروحي: البئر يرمز إلى العطش الروحي الذي يرويه الله، كما في لقاء يسوع مع المرأة السامرية.