موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ١٧ ديسمبر / كانون الأول ٢٠٢٤

نشيد المخلوقات

بقلم :
الراهب بولس رزق الفرنسيسكاني - مصر
جعل القديس فرنسيس من المخلوقات مذبحًا مفتوحًا

جعل القديس فرنسيس من المخلوقات مذبحًا مفتوحًا

 

تستعد الرهبنة الفرنسيسكانية للاحتفال بمرور المئوية الثامنة بنشيد المخلوقات الذي كتبه لنا القديس فرنسيس. فنحن أمام رجل الإنجيل "القديس فرنسيس" فهو يكتب لنا هذا النشيد كإعادة قراءة وتأمل في الكتاب المقدس من بداية سفر التكوين إلى سفر الرؤيا الذي كتبه رجال الله القديسين، فعندما كتب لنا القديس يوحنا الإنجيلي في سفر الرؤيا نجده يتكلم على المنتصرين بيسوع المسيح، ويختم القديس فرنسيس في نشيده بكلمات "أهلا وسهلا بأخي الموت". نشيد المخلوقات هو قراءة الكتاب المقدس بعين ثاقبة في كلمة الله وروح الله الذي كان يقوده، وهذا النشيد هو كنز تركه لنا ومن خلاله نكتشف عظمة وعمل الله الخالق.

 

القديس فرنسيس قد جعل من المخلوقات مذبحاً مفتوحاً، فكل من يشاهده يرى أعمال الله كما يري يسوع المسيح على المذبح. كما أن الكاهن يتهلل أمام يسوع وهو على المذبح هكذا القديس فرنسيس تهلل أمام أعمال الله العظيمة. نشيد المخلوقات هو تأمل وسجود أمام كلمة الله، ويجد نفسه داخل الفردوس.

 

يشارك مع تسبحة الملائكة والقديسين لأنه يعيش على مثال يسوع المسيح أي آدم الجديد الذي دعانا مرة ثانية أن نعيش في الفردوس أي في حضور الله. نجد المعنى في الشجرة، التي ترمز إلى الحياة التي تحملها. فالكاتب في سفر التكوين يريد أن يحدثنا عن الحياة التي يمنحها الله للإنسان في جنته وما دام الإنسان في "الجنة" فهو ينعم بهذه الشجرة". وإن هو طرد، خسر كل شيء. بل تغيب كل شجرة عنه، فتتحول الطبيعة إلى "شوك وعوسجة". الشجرة رمز مقدس في العالم القديم، ونجد في سفر الرؤيا من يغلب فسيعطيه أن يأكل من شجرة الحياة التي في وسط فردوس الله (رؤ 2: 7) فالقديس فرنسيس هو من الخليقة الجديدة المنتصرة بيسوع المسيح.

 

ومن خلال المخلوقات يري القديس فرنسيس مسيرة عمل الله المبدع في الخلق بيسوع المسيح (الكلمة) لذلك يقول لنا القديس يوحنا الرسول في الإصحاح الأول في البدء كان الكلمة والكلمة كانت عند الله وكان الكلمة الله وكل شيء به كان وبغيره لم يكن شيئاً مما كان. وفيه كانت الحياة والحياة كانت نور الناس (يو ١/١-٤).

 

نشيد المخلوقات هو تمجيد الله ولعمله المبدع في الخليقة، والطبيعة توصف هنا بالحب والامتنان وتعكس صورة الخالق.

 

إن مديح القديس فرنسيس ليس له علاقة بتأملات فلسفية، بل هو ذو طبيعة واقعية، يتبع مسارًا يتم تنفيذه خطوة بخطوة ومنظمًضا كعمل ليتورجي حقيقي يتضمن ثلاثة أبعاد:

 

أولاً المتكلم هو القديس فرنسيس الذي يرفع التسبيح ويقدمه الله

 

ثانياً الرسالة هي تمجيد الله وحمده من خلال المخلوقات

 

ثالثاً متلقي واحد الله نفسه، ينغمس القديس فرنسيس بتأملاته ويدخل في حضرة الله أي قدس أقداس الله ويشعر القديس فرنسيس بقوة الإخوة بين الإنسان وجميع مخلوقات الكون بموقف من التواضع والامتنان، لذلك يقدم الشكر إلى الرب على الكل، دون إهمال الكائنات الحية والعناصر الطبيعية والظواهر الجوية. تنتهي الأغنية بالاحتفال بالموت كتحرر من الحياة الأرضية. يبدأ النشيد بحمد الله، وينتهي بخاتمة حثية، وينقسم النشيد إلى خمسة عناصر، والتي تشمل تدريجياً الواقع الكوني المتصور بأكمله:

 

- يقدم الشكر والحمد لله من خلال هذه الكلمات "العلي القدير، الرب الصالح"، ويقدم له كل الإكرام يبارك ويشكر ويخدم". ويتكرر التأكيد على ثلاثة كرمز للثالوث الإلهي.

 

- السماء وهي تمثل القمر والشمس والنجوم، تأتي قائمة عناصر الخليقة التي يجب أن تسهم في تسبيح الله، بدءاً من النجوم الشمس والقمر والصفات الثلاث التي يعرف بها القديس فرنسيس النجوم تتوافق معها واضحة، ثمينة، وجميلة. يخاطب الله بثلاثة أسماء مختلفة العلي القدير، الصالح؛ ثم ثلاث تحيات تقابل الله التسبيح، والمجد والكرامة؛ ثلاثة أفعال: بارك، أشكر، أخدم.

 

- الموت هو أخ لكل إنسان لا يمكن لأحد أن يتجنبه، لكنه أيضاً إيجابي وخير، لأنه يتزامن مع التحرر من الحياة الأرضية ونلتقي بالله والموت هو باب دخول لعالم الغير المنظور والغير الزمني والغير المحدود أي خارج الزمن.

 

- في نشيد المخلوقات جُعِل سفر التكوين هو الفردوس الذي يعيش فيه ويسبح الله. والقديس امبرزيوس في القرن الرابع الميلادي، عندما تكلم على الفردوس يقول: "الفردوس هو النفس التي غرست فيها الفضائل، حيث توجد أيضًا شجرة الحياة التي هي الحكمة. وانهار الفردوس الأربعة أنها هي الفضائل الرئيسة الأربعة، ومصدر نبع الفردوس يمثل المسيح.

 

- الريح ريح أو روح ونجد في حوار السيد المسيح مع نيقوديموس عن الروح قال" الريح تهب حيث تشاء وتسمع صوتها لكنك لا تعلم من أين تأتي ولا إلى أين تذهب، هكذا كل من ولد من الروح "(يو ۳: ۸)، والريح رمز إلى الروح القدس. وكلمة ريح أو روح في العبرية واليونانية هي كلمة واحدة والمعني: كما تتحرك أوراق الشجر فنعرف أنها تعرضت لريح هكذا المولود من الروح تظهر عليه علامات عمل الروح القدس. والريح ترمز إلى نفخة الله

 

- الماء: نافع، متواضع، ثمين، عفيف، وهو رمز إلى الحياة يقول لنا النبي إرميا" تركوني أنا الينبوع المياه الحي وحفروا لأنفسهم أبارا مشققة لا فيها ماء (إر ۲: 13) خرجت الحياة من الماء ، فالمياه في البداية هي الروح القدس تخرج منه حياة جديدة ، هكذا أصبحت المعمودية رمز للميلاد الجديد وخلقة جديدة في الله. ولدينا ألقاب ليسوع المسيح "أنا الينبوع الحي". والمياه هي رمز للتقديس والتطهير لذلك يرى القديس فرنسيس إننا من خلال المياه ندخل في حياة جديدة مع يسوع الماء وسيلة التطهير ومنها نكون أبناء الله بالتبني في سر المعمودية، الماء مصدر للحياة لكل كائن حي.

 

- النار جميلة قوية يستخدمها الإنسان في حياته اليومية، النار مصدر الضوء والحرارة ورمز الروح القدس. واستخدمها القديس فرنسيس في كي العين عندما كان مريضًا.

 

- الأرض: تعطينا الثمار والزهور وهذه الأرض لخدمة الإنسان فعليه أن يحافظ عليها، لأننا نتغذى ونعيش من خلالها الأرض (الأم التي تغذي خلائقها). الأرض هي البيت المشترك الذي نعيش عليه في وسط المخلوقات التي خلقها الله من أجل الإنسان.

 

- نجد الإشارة إلى هذا التسبيح الذي يطلق على الجميع المخلوقات اسم " اخ" و"اخت" وبالتالي يضع القديس فرنسيس الإنسان في مستواها فهو أيضاً مخلوق على الرغم من إنه مدعو إلى مسؤولية أخلاقية أكبر، لأنه منح الحرية. ولا يجد الإنسان نعيمًا إلا إذا احترم الشريعة الإلهية.

 

- الإنسان اذي يعيش بعيدًا عن الله فهو حزين. وليس من قبيل الصدفة أن تظهر في القسم المخصص له مصطلحات "يغفر"، "المرض"، "المحن"، "المتاعب"، "الخطايا". الجزء الأخير عن حالة الإنسان وطبيعته المائتة، والتي من أجلها يبارك أولئك الذين يتحملون الأمراض الجسدية بصبر ويموتون في نعمة الله، لأن الموت الثاني هو موت النفس والبعد عن الله" ويل للذين يموتون في الخطايا، وطوبي للإنسان الذي يموت في حالة النعمة والعمل بالوصايا المقدسة.

 

- كتب القديس فرنسيس هذا النشيد لكي يُرتل في تسبيح الله، على غرار المزامير، حيث وجد مؤمنين القديس فرنسيس المبادئ الأساسية لنظامهم، المرتكزة بشكل أساسي على مفهوم الحب الذي يُعتبر كتكريس للآخر، ذلك الحب الذي بشر به يسوع.