موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ٢٨ مارس / آذار ٢٠٢٣

المتصدّق الخفي والمتبرّع الذكي

بشار جرار

بشار جرار

بشار جرار :

 

مذهل تفاوت مفاهيم وأدوات ما يجمع عليه الناس كافة ألا وهي إغاثة الملهوف. ثمة إجماع إنساني على مد يد العون لكل مستحق -وإن أمكن-لكل طالب عون.ومما تتفق عليه الأديان والثقافات الإقرار بأن ما تقدم واجب وبمنزلة الفرض العين لا الكفاية.. ففاعل الخير أول ما يقدم الخير لنفسه. شعور الفرح والرضى بالعطاء لا يضاهى. حب الخير وحب أعماله والقائمين عليه من الفطرة الربانية التي كرّم الله بها خلقه. ليس البشر وحدهم، فحتى الحيوانات، بمن فيهم الكواسر والجوارح، تلمح فيهم أعمال برّ ورحمة -إن جاز التعبير- وهو حقا جائز، ما دمنا نؤمن بأن كل شيء من خلقه يسبّح بحمده بلغته وحسب فهمه.

 

تعرفت عن قرب كطالب على ثقافة التبرع والتصدق والتطوع في بريطانيا ومن ثم في أمريكا في مهنة ذات تماس مع هذه الأعمال والأنشطة. فحتى المنصب الأول في بلاد العم سام يحدده بشكل أو بآخر المال الذي يتبرع به الأفراد والمؤسسات والشركات بشكل مباشر أو غير مباشر للحملة الانتخابية. حتى قادة الشرطة والمدعين العامين يتم انتخابهم، وبالتالي تدخل آليات التبرع والتطوع في ماكنة صناعة النجوم والكبار في عالم السياسة وميادين الخدمة العامة بما فيها ما يتصل بالسلطة القضائية..

 

يفيض بريدي المنزلي على مدار الأسبوع برسائل وبطاقات الدعوة للتبرع، خاصة في المواسم الدينية والوطنية. تأتيني الدعوات التي تحضّ على الخير والبرّ من مختلف الأديان، وفي ميادين مختلفة عبر أوجه إنفاق يحسن القائمون على تلك الجهات رصدها عبر لوغرتمات منصات التواصل الاجتماعي للتعرف على المتبرع الكامن أو الواعد، سواء أراد أن يصير متصدّقا-متبرعا علنيا أم آثر البقاء خفيا. طبعا الجهة الوحيدة التي لا يجوز الإخفاء عنها هي هيئة الضرائب الولائية والاتحادية. ولا نغفل المقاطعة (المحافظة) التي لها هي أيضا نصيبها من كل دولار، وحتى آخر سنت، باستثناء ما أنفق فيه على الصدقات والتبرعات، ولكل وصل استلام لضبط الأمور التي بلغت في زمن الحرب العالمية على الإرهاب، متطلبات الأمن الوطني والدولي..

 

أخط هذه السطور إثر قراءتي منشورا على التايم لاين الأردني يفيد بإعلان دائرة الإفتاء العام في المملكة قيمة زكاة الفطر لهذا العام البالغة مائة وثمانين قرشا، وكذلك فدية الصيام المقدرة بدينار واحد. اللهم زد وبارك في خير الخيّرين. ولن أزيد، الباقي عند الأجاويد والنشامى..

 

لكني أعود فأزيد فيما يخص التصدق والتبرع والتطوع في أماكن أخرى في العالم، ومنها ما شهدته في بريطانيا وأمريكا، فإن بعضها وطني، لا بل ومحليّ إلى أقصى الحدود، وبعضها الآخر عالمي يشمل الدنيا شرقا وغربا ومنها الشرق الأوسط. ما لفت انتباهي في بعض ما يصل بريدي المنزلي، جهات خيرية شملت الأردن، لكن نظرة أقرب اتضح فيها أن نشاطها محصور بعون اللاجئين السوريين، وفي هذا خير عظيم لا خلاف عليه. لكن المؤسف في بعض تلك الحملات الخيرية التسييس غير المنزّه عن أغراض، أبعد ما تكون عن مفاهيم الخير ومساعيه. حتى الأفراد، بينهم من يستسهل الذهاب إلى البعيد إلكترونيا وبريديا وبشريا، على حساب القريب -أخا وجارا وزميلا- لغايات غالبا ما تكون شخصية أو أيدولوجية.

 

على مائدة أول إفطار واشنطوني، سألني أخ أمريكي ينحدر من أصول شرق أوسطية، عن كيفية إيصال زكاة فطره إلى إخوة لا داعي لذكر هويتهم أو محل إقامتهم، فعاتبته عتاب محب، بأن «الأقربون أولى بالمعروف»، وما زاد بعد ذلك، خير وبركة.. الواجب أولا والفضل ثانيا.. والله نسأل أن تشمل عطايا المتصدّق الخفيّ والمتبرع الذكيّ، المحتاجين أجمعين.

 

(الدستور الأردنية)