موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ١٢ مايو / أيار ٢٠٢٥

الحوار ضرورة لسلام مستقبلي

بقلم :
رلى السماعين - الأردن
رلى السماعين

رلى السماعين


لم يكن الحديث عن الحوار يومًا موضوعًا عابرًا أو مؤقتًا، بل هو جزء لا يتجزأ من الوجود الإنساني. فالعقل البشري في حوار دائم مع الذات، ومن خلال هذا التفاعل الداخلي نكتشف أنفسنا، ونسعى لتحقيق السلام النفسي، وفي عمق وجودنا، ثمّة حوار تتوق إليه النفس، أساسه التواصل مع الله، سعيًا لاكتشاف معنى الوجود، سواء على الصعيد الشخصي أو المجتمعي، ولتحقيق الحماية الروحية والنفسية. ومن هنا تنبع أهمية الحوار بين أتباع الأديان، وعلى رأسه الحوار الإسلامي–المسيحي، الذي انطلق من الأردن منذ تسعينيات القرن الماضي مما فتح المجال أمام المملكة بأن  تلعب دوراً إقليمياً في تعزيز ثقافة الحوار والسلام.


فلماذا الحوار ضروري؟ لأنه يسهم في تعزيز المفاهيم المشتركة التي تنبع من محبة الله ومحبة الجار، ويستند إلى قناعة   قد لا تكون معلنة دائمًا   بضرورة احترام الأديان والعادات والتقاليد. وعلى أساس هذا الاحترام، يتحقق السلم المجتمعي، وتنمو المجتمعات وتزدهر.


وفي أردننا الحبيب، فإن الحاجة إلى الحوار الإسلامي–المسيحي لا تنبع فقط من ضرورة مجتمعية، بل من واقع تاريخي يؤكد على انصهار المجتمع في بوتقة التراث المشترك والحضارة العربية الواحدة، مع احترام خصوصية الأديان والتقاليد. هذا التنوع الفريد أضفى على مجتمعنا قوة وتميزًا، وجعل منه نموذجًا يُحتذى عالميًا في التآخي والتعايش.


وجود الحوار بين أتباع الأديان يشكّل عتبةً للسلام، نؤسس من خلالها لمستقبل آمن، لأن الحوارات تؤكد أن التعددية الدينية لا تتناقض مع وحدة المجتمع وانسجام أفراده. بل إنها تدفع بالمجتمع للوقوف صفًا واحدًا في وجه من يحاول إثارة الفتن والتعصب، وتحصّن عقول الأجيال القادمة، وتخلق إنسانًا منفتحًا، قادرًا على قبول الآخر.


وكأي أمر جوهري، لا بد للحوار من قاعدة متينة يرتكز عليها. وأهم هذه القواعد هي المحبة الأخوية، التي تُعبّر عن احترام متبادل، وتنطلق منها قيم التحمّل والتقبّل، وصولًا إلى التنوّع المعرفي والفكري الذي يقود إلى التطور الحقيقي.


أما على مستوى المصطلحات، فثمّة ضرورة للتأمل. مثلًا، هناك اختلاف بين «العيش المشترك» والتعايش المشترك». في الأردن، نحن لسنا فقط متعايشين، بل نعيش في شراكة حقيقية وأخوة راسخة، لذا نفضل أن نصف واقعنا بـ»الحياة التشاركية الأخوية»، وهو وصف أصدق يعكس طبيعتنا الأردنية المتماسكة، ويؤكد أن ما يجمعنا منبعه محبة الله، والوطن، والمليك.


أما مصطلح «التسامح»، فله وقفة. إذ يطرح التساؤل: «أتسامح مع مَن؟ ولماذا؟ وهل الآخر عبء لأتسامح معه؟» مثل هذه الأسئلة تجعلنا نتريث في استخدام المصطلح، لأنه قد يُفهم منه وجود تفوّق لطرف على آخر، أو استقواء في غير موضعه. وإذا ما أردنا استخدامه، فلا بد من التوضيح أن «التسامح» لا يعني التنازل أو الشفقة، بل هو نابع من قوة الإرادة والقدرة على تجاوز العقبات، وفيه الكثير من التعاون والتشارك من أجل بناء مجتمعات عادلة وآمنة ومتوازنة.


الحوار ليس ترفًا فكريًا، ولا مجرد مجاملة لفظية، بل هو ممارسة إنسانية راقية، تبدأ من داخل النفس وتمتد نحو المجتمع والعالم. هو طريق طويل يتطلب شجاعة، واحترامًا متبادلًا، وإيمانًا بأن الاختلاف لا يفسد للود قضية، بل يغنيه. فكلما تحاورنا بصدق، ازددنا إنسانية، وكلما أنصتنا بعمق، اقتربنا من جوهر السلام.