موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ٢٤ مايو / أيار ٢٠٢٣

الإنذار المبكر

محمد السماك

محمد السماك

محمد السماك :

 

يُجمع علماء الطب في العالَم على أن «أبقراط» هو أب الطب، ويحمل اسمَه القَسَمُ الذي يلتزم كل طبيب بأدائه لتأكيد إخلاصه لمهمته الإنسانية النبيلة. لكن في عهد أبقراط (الروماني) لم تكن هناك مختبرات طبيّة لفحوص الدم والبول، ولم تكن هناك أجهزة تصوير بأشعة اكس أو بالذرة.. كان هناك أنف الطبيب فقط، وكان أبقراط يستخدم حاسةَ الشمّ لديه لتحديد نوع المرض الذي يعاني منه مرضاه. ويفترض ذلك أن يكون لكل مرض رائحة.

 

ويؤكد العلم الحديث صحّة هذا الأمر ويعتمده أيضاً، فرائحة التفاح العفن مثلاً تعني أن المريض مصاب بداء السكري، ويستطيع الأطباءُ الاعتماد على حاسة الشم لديهم لمعرفة ما إذا كان المريض مصاباً بالكوليرا أو حتى بالسرطان. ذلك أن لكل من المرضين رائحتُه المميزة والمختلفة. وهذا يعني إنه إلى جانب بصمة الأصبع، وبصمة العين، هناك أثناء المرض بصمة الرائحة من خلال التنفس (بصمة التنفس). وآخر الروائح التي حدّدها العلماء هي رائحة مرض الملاريا.

 

ومع كل هذه المعارف الجديدة، لم يتمكن العلماءُ بعدْ من وضع جهاز يعتمد على الرائحة لاكتشاف الأمراض وهي في مراحلها الأولى. ويعود السبب في ذلك إلى أنه لا توجد بعد ثقة كافية بحاسة الشم لدى الإنسان، حتى ولو كان طبيباً اختصاصياً، لتحديد نوع المرض الذي يعاني منه المريض ومعالجته على أساس ذلك، ولذا يستمر الاعتمادُ على المختبرات.

 

ومن الأمراض واسعة الانتشار، مرض سرطان الرئة الذي يسبّبه التدخين بالدرجة الأولى، وهو من الأمراض الخبيثة التي لا تُكتشف عادة إلا بعد فوات الأوان، أو متأخرة جداً. ولهذا المرض رائحته أيضاً، إلا أن شمّ هذه الرائحة صعبٌ للغاية بسبب رائحة فم المريض المشبعة بنكهة السجائر!

 

إن لكل إنسان رائحتُه الخاصة، لكن هذه الرائحة تتغيّر مع المرض لتكتسب رائحةَ المرض الخاصة، ولذا فهي تختلف من مرض لآخر. ومن أجل ذلك أيضاً يسعى العلماءُ لإنتاج جهاز يحدد نوعَ المرض من خلال رائحة المريض. إن آفاق المستقبل القريب مفتوحةٌ أمام المزيد من الاكتشافات العلمية الإلكترونية. ويقف العِلمُ اليومَ على عتبة اكتشاف هذا المجهول. لكن عندما تصل الإنسانية إلى مرحلة يستطيع معها جهاز إلكتروني أن يحدد نوعَ مرض الإنسان وكيفية معالجته، ماذا يبقى من دور للطبيب؟

 

من المعروف أن بعض الأمراض تحتاج إلى وقت لتحديد ماهيتها وخصائصها، ومن ثم لتحديد طرق ووسائل معالجتها، غير أن التشخيص المبكِّر من خلال الرائحة يساعد على اختصار المسافة الزمنية، وبالتالي تقليل المعاناة الإنسانية، ومن ثم نجاح الطبيب المعالج في احتواء المرض مبكراً قبل استفحاله واستعصائه. فالمرض قد يكون موجوداً، لكن مؤشراته لا تظهر إلا متأخرة، بعكس رائحته التي تبدأ مع تكوّنه.. وتزداد حدّة مع نموّه وانتشاره. ولذا يمكن للشم المبكر أن يساعد على الاكتشاف المبكر للمرض، الأمر الذي يجعل العلاجَ أسرع والمعاناة أقل.

 

يدعونا القرآن الكريم إلى التفكّر في خلق السماوات والأرض.. وفي أنفسنا. فالجراثيم التي نكافحها ونتطير منها، هي جزء من كياننا. نكون معها وبها أو لا نكون، فهي أساس صحتنا وسلامتنا، حتى إذا تكاثرت تجاوزاً للحدّ، تصبح مصدر مرضنا وشفائنا. ولعلها هي مصدر الرائحة التي تنطلق من الجسم لدى إصابته بالمرض.. لتكون جرس إنذار مبكر.

 

(الاتحاد الإماراتية)