موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ١٩ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠٢٤

الإخوة المسابكيون.. شهداء قدّيسون للكنيسة والوطن

بقلم :
المطران كريكور كوسا - مصر
الإخوة المسابكيون.. شهداء قدّيسون للكنيسة والوطن

الإخوة المسابكيون.. شهداء قدّيسون للكنيسة والوطن

 

اليوم الأحد ٢٠ تشرين الاول ٢٠٢٤، سيعلن قداسة البابا فرنسيس أثناء القداس الحبري الذي سيقام في بازيليك القديس بُطرس بالفاتيكان قداسة "شهداء دمشق"، وهم الإخوة المسابكيين الموارنة، والرهبان الفرنسيسكان وفي مقدّمتهم الآباء مانويل رويز وكارميلو بولتا وبيدرو سولير.

 

الإخوة المسابكيون: فرنسيس، عبد المعطي وروفائيل، شهداء قديسون للكنيسة والوطن، الذين جادوا بحياتهم لأجل ايمانهم بالمسيح في مدينة دمشق - العاصمة السورية سنة ١٨٦٠، وهم عربون شهادة وثبات ومجد.

 

تحتفل الكنيسة المارونية الشقيقة في العاشر من شهر تموز من كل عام، بعيد الشهداء الإخوة المسابكيين الثلاثة الذين سقطوا في مجازر ١٨٦٠  في مدينة دمشق العاصمة السورية. كانوا معروفين بتقواهم ووفرة غناهم وكرم اخلاقهم وحسن معاملتهم وعطفهم على الفقراء والمحتاجين. وكان لهم علاقة ألفة وتعاون وثيق مع الرهبان الفرنسيسكان.

 

عام  ١٨٦٠، يوم ثار المسلمون في دمشق والدروز في جنوبي لبنان على المسيحيين، لجأ شهداؤنا، مع عدد كبير من المسيحيين، الى دير الرهبان الفرنسيسكان في دمشق، عندما اضرم المسلمون النار في حيّ المسيحيين فدخل اللاجئون مع الرهبان إلى الكنيسة يصلون واعترفوا وتناولوا.

 

 

من هم هؤلاء الإخوة الثلاثة؟

 

١ -فرنسيس، الأكبر، كان أباً لثمانية أولاد، نشيطاً ومبادراً، جمع ثروةً بفضل إدارته الحسنة، ودقّته واستقامته في تجارة الحرير. وكانت ‏البطريركيّة المارونيّة وعائلات لبنانيّة كثيرة توكّله بأعمالها في سوريا، لأنّه كان شخصاً موثوقاً به من قبل جميع الناس ، وكان الممثل الرسمي المعتمد لدير الآباء الفرنسيسكان.

 

٢ -عبدالمعطي، الثاني كان أبًا لخمسة أولاد، منجذباً بكلّيّته بالأمور الدينيّة. كان يصوم، علاوةً على الأيّام المفروضة، كلّ نهار ‏سبت، ويُكثر من مناسبات القطاعة. كان يُعلّم في مدرسة الآباء الفرنسيسكان، ولمّا تقدّمت به السنّ، فتح له أخوه فرنسيس حانوتاً. لم ‏ينجح بإدارته له كما يجب لأنّ همّه الأكبر والوحيد كان الأمانة للربّ ومساعدة الناس، لا ربح المال. وهو الذي كان يقول ‏لتلاميذه: "‏أسمى شرف لمن يؤمن بالمسيح ، الإستشهاد".

 

٣ -روفائيل، وهو الأصغر ظلّ عازبًا وكرّس ذاته لعائلتي شقيقيه وللآباء الفرنسيسكان الذين اعتادوا رؤيته ساجدًا أوقاتاً طويلة في ‏كنيستهم. شغله الشاغل ، تكريم العذراء مريم.

وفي اليوم المأساوي، ١٠ تمّوز، حين اندلع الحريق في حيّ الأُرثوذكس، كان فرنسيس وعبدالمعطي وعائلتاهما وشقيقهما روفائيل ‏مجتمعين يراقبون تطوّر الأحداث. وأمام تدهورها، ذهبوا إلى دير الآباء الفرنسيسكان مصطحبين معهم كبار أولادهم. أمضوا ‏الساعات الأولى من هذا النهار في الكنيسة في مناجاة الله والعذراء مريم وجميع القدّيسين. أجروا فحص ضمائرهم، اقتربوا من ‏سرّ التوبة، احتفلوا بزيّاح القربان وتناولوا جسد الربّ. ثمّ صعدوا إلى سطح الدير، ما عدا فرنسيس الذي بقي في الكنيسة ‏ساجداً أمام أيقونة مريم العذراء، الأم الحزينة.

 

وصل المعتدون من بابٍ سرّي كشف لهم عنه حسن، قيّم الدير. التقوا أوّلاً بالأب الرئيس عمّانوئيل رويز فقال لهم: "تعالوا لأُريكم كنزاً مُخبأً في الكنيسة". ولدى وصوله إلى المذبح، أشعل ‏شمعتين، ثم فتح بيت القربان وتناول القربان المقدّس الموضوع فيه ثمّ قال: "ليس لي كنزٌ آخر". فقتلوه على الفور.‏ لاحظوا حينها فرنسيس. وقد عرفه اثنان منهم كان قد أرسلهم عبدالله الحلبي، شيخ العلماء الذي كان فرنسيس منذ شهرين أقرضه ‏‏٨٠٠٠  قرشاً. عرضوا عليه من قِبَل معلّمهم أن يصير يعتنق الإسلام. أجابهم بهدوء: "يستطيع الشيخ عبدالله الحلبي أن يحتفظ بمالي. وتستطيعون أنتم أن تأخذوا حياتي. أمّا إيماني، فلا يقدر أحدٌ أن يسلبه منّي. لا ‏أستطيع أن أنكر إلهي الذي قال: ’لا تخافوا ممّن يقتل الجسد. خافوا ممّن يستطيع أن يُلقي الجسد والنفس في جهنّم. أنا ‏مسيحي". وعاد إلى صلاته. فانهالوا عليه بالضرب بقبضة الأيدي والخناجر والسيوف والفؤوس، فتبعثر لحمه في كلّ أنحاء الكنيسة.

 

 رفض أخواه أيضاً نكران المسيح وقُتِلا بطريقة أكثر وحشيّة، عبدالمعطي في باحة الكنيسة، وروفائيل، داخل الدير. ‏وهكذا، "اختلطـ دم أبناء مار مارون، من الشرق، ودم أبناء مار فرنسيس الروحيّين الآتين من الغرب، في بوتقةٍ واحدة: وهذه ‏الشهادة الواحدة والعظمى للأمانة ليسوع المسيح مسجّلةٌ على الدوام وعلى ارتفاع حسنٍ ومجيد في ذاكرة الدهور".

 

 

حصيلة الأسبوع الدموي

 

انخفض القتل تدريجيًا واستتبّ الهدوء بعد أسبوع. وكانت الحصيلة أن قُتل حوالي ٢٠,٠٠٠ شخص، من بينهم حوالي ٣٠ كاهنًا و١٠ ‏رعاة بروتستانت، واغتُصبت أكثر من ٤٠٠ إمرأة، ونُهبت سائر المنازل والحوانيت، والكنائس والأديرة والمدارس ومراكز ‏الإرسالية، ودُمّرت ١١ كنيسة و٤ أديرة، وتحوّل بين ١٥٠٠ و٣٠٠٠ بيت ومخزن إلى ركام حجارة وترابٍ قذر.‏نُصبت خيم في قلعة المدينة للذين أُنقذوا، وكانوا بأغلبيّتهم نساءً وأطفالاً مجرّدين من كلّ شيء. واضطرّت أكثريّتهم إلى البقاء في الهواء ‏الطلق، والسّماء كوّنت سقفًأ لهم ليلاً ونهاراً.

 

 

الخاتمة

 

أعلن قداسة البابا بيوس الحادي عشر تطويبهم في اليوم العاشر من تشرين الأول سنة  ١٩٢٦ بمسعى من المطران بشارة الشمالي، رئيس اساقفة دمشق الماروني. عُرِفت، وسُطِّرت وسُجلت مأساة تمّوز ١٨٦٠ في دمشق بإسم "مسكونيّة الدمّ" بامتياز لأنّ، في أثنائها، ولأوّل مرّةٍ في التاريخ، استُشهد كاثوليك وأُرثوذكس ‏وبروتستانت، من الشرق والغرب، معًا  للمسيح، كجسدٍ واحد، ببذل حياتهم. والعاشر من تمّوز، هو النهار الوحيد الذي يجمع الكنائس الكاثوليكيّة والأُرثوذكسيّة، للاحتفال بذكرى أبطال حدث ‏واحد ‏مقدِّس ومشترك.