موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
إنَّ نص عقيدة ’’الحبل بلا دنس‘‘ هو ’’في الثامن من كانون الأوّل 1854 أعلن البابا بيوس التاسع عقيدة الحبل بمريم العذراء معصومة من الخطيئة الأصليّة: نعلن، نصرّح ونحدّد أن العقيدة التي تقول أن الطوباويّة مريم العذراء، ومنذ أول لحظة تكوّنها، وبنعمة فريدة وبامتياز خاصّ من الله الضابط الكلّ، وبتطلّع الى استحقاقات يسوع المسيح، مخلّص الجنس البشري، قد حُفظت مصانة من كلّ وصمة الخطيئة الأصليّة، هي عقيدة مُلهمة من الله ولهذا يجب أو يؤمن بها المؤمنون بثبات وباستمرار‘‘.
لكن لماذا سبق واختار العذراء واصطفاها من قبل أن تولد؟ في هذا الاحتفال المريمي تضع الكنيسة أمامنا هذه المقطوعة الانجيلية للتوقف والتأمل في سر الـ ’’نعم‘‘ التي قالتها العذراء. التي من خلالها سمحت لدخول الله الملموس التاريخ، آخذًا من مريم إنسانيته ومُظهرًا فيها ألوهيته.
هذه الاجابة، هذه الـ "نعم‘‘، هي بالغة الأهمية لأنَّ فيها تكمن كل حكمة مريم. هي التي سمعت البشارة، وتساءلت عن معنى هذه البشارة المستحيلة حسب المنطق البشري!
الإجابة التي قدمتها مريم "حسب القديس لوقا" لها جزآن جوهريان: ’’ها أَنا أَمَةُ الرَّبّ‘‘جملة رائعةٌ جدًا، تعبر العذراء فيها عن هويتها الشخصية، والتي تشرح لنا لماذا قالت هذه الـ ’’نعم‘‘.
تنطلق مريم من وعيها بذاتها، فهي مجرد خادمة للرب، وهذا يمهد للجزء الثاني من الأجابة ’’فَليَكُنْ لي بِحَسَبِ قَوْلِكَ‘‘ التي هي الـ ’’نعم‘‘ الملموسة، التي ترتكز على هذا الادراك.
كان بإمكان العذراء أن تكتفي بقول: ’’فَليَكُنْ لي بِحَسَبِ قَوْلِكَ‘‘. إنّما حكمة العذراء في الاجابة كانت من تفكيرها المسبق بهويتها.
في هذه المقطوعة نسمع ما يجول في قلب العذراء ’’فداخَلَها لِهٰذا الكَلامِ ٱضطرابٌ شديدٌ وسأَلَت نَفسَها ما مَعنى هٰذا السَّلام‘‘ هذا أمرٌ نادرٌ عند الانجيلي لوقا، يستشهد بما يدور في ذهنها، ويقدمه كأنَّها تفكر بصوت عالٍ، مَن أكون لمثل هذا السلام؟!
كي أعرف ما يجب أن أفعل، وما لا أفعل. كي أستطيع إطاعة العناية الإلهية في هذا وذاك ... عليَّ أن أنطلق مِن مَن أنا أولاً.
كم من الناس تتخبط في الحياة لأنّها لا تعرف مَن تكون! كم من الناس تداوم على العيادات النفسية لتكتشف مَن هي! اليوم، نرى الكثيرين ضائعين، مشتتين لأنَّهم ببساطة لا يعرفون مَن هم! لكن هذه الصبية الصغيرة، هذه المختارة، تجيب نيابة عن كل البشر! ’’هاأَنا أَمَةُ الرَّبّ‘‘. عندما تكون هذه الاجابة إجابتي، ’’أنا خادم الرب‘‘، كل شيء في حياتي سيأخذ منحى آخر. لماذا ولدت؟ ولماذا أعيش؟ ولماذا أنا هنا؟ ومامعنى وجودي؟ كل هذه الأسئلة ستجد معناها.
كثير من المرات، أبحث عن إجوبة لتساؤلاتي هنا وهناك قبل أن أعرف مَن أنا! أحاول تفسير ما يحدث، أحاول فهم لماذا لا تسير الأمور على ما يرام؟ ولكن لا أجد النتيجة. وكأنّي أعيش على هذا النحو، مثلاً: الكتاب الذي أمامي هو للقراءة، ومكبر الصوت هو للكلام... لايمكنني استعمال مكبر الصوت للقراءة ولا الكتاب للكلام ... تمهد الـ’’نعم‘‘ للانتقال إلى المرحلة الثانية وهي الارسالية. التي هي غرض وجودنا، ’’أنا خادمة‘‘ أي ’’يجب أن أخدم‘‘. إن لم نفهم أنَّنا خدمٌ، وأنَّنا مختارون لهذا، سنستمر في استعمال الكتاب للكلام ومكبر الصوت للقراءة، ونغضب ونيأس لأن الأمور لاتسير كما خططنا. نستخدم الأشياء بطريقة خاطئة، لأننا لم نكتشف الغرض الحقيقي لها. عندما أفهم أنَّي خادم الله، تزدهر حياتي وتتلون. وتصبح سعيدة، لأني سأكفُّ عن السؤال: لماذا تحدث هذه الامور؟ سأُسأل نفسي: لمن تحدث هذه الامور؟ لأي عمل محبة؟
عندما أدرك أنَّي خادمٌ ستبرعم السعادة في قلبي، وسيتوج يومي بالفرح. عندما نقرأ بشارة العذراء نستشف الفرح الذي يفوح من المقطوعة، على نقيض مقطوعة بشارة زكريا.
قال الملاك ’’إِفرَحي‘‘ فأحست العذراء بـ’’ٱضطرابٌ شديدٌ وسأَلَت نَفسَها‘‘... هناك اضطراب لكن أيضاً طمأنينة، عندما قالت ’’فَليَكُنْ لي بِحَسَبِ قَوْلِكَ‘‘. هذه الـ’’نعم génoito‘‘ لم تكن تكبدًا لها، لم تكن ’’متل يلي بيشتغل من قفى ايدو‘‘، إنَّما قالتها وهي ممتنةٌ كأنَّها تقول: ’’واو!! اخترتني أنا لهذه المهمة، يا هناي ويا سعدي‘‘.
عندما ندرك مَن نحن، سنقول الـ ’’نعم‘‘ لأي شيء ولأي أمر يسمح به الله، وسنعيشه بفرح.
هكذا سنقول الـ’’نعم‘‘ بصدق وبسرور، كمريم! لأنّ الله أختارك واصطفاك أنت أيضًا.