موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ٢٣ ديسمبر / كانون الأول ٢٠٢٤

حتى وإن لم تراه، فهو يعمل

بقلم :
الأب داني قريو السالسي - إيطاليا
حتى وإن لم تراه، فهو يعمل

حتى وإن لم تراه، فهو يعمل

 

تقدم لنا الكنيسة اليوم في هذا الأحد الرابع من زمن المجيء، مقطوعة إنجيلية بحسب القديس لوقا، تظهر حقيقة أنَّه إن كان الله لا يُرى، فإن هذا لا يستبعد إمكانية عمله وتجليه من خلال البشر. وهذا ما جسدته العذراء مريم، فقد كانت أول إنسان يصبح مسكناً حياً لله (بيت قربان متنقل).

 

كانت مريم قد تلقت للتو خبر حملها، وبدلاً من أن تسترخي مستريحة على أريكتها، مستدعية الملائكة لتخدمها وتبجلها، كما نفعل نحن بعض المرات عندما يُنعم علينا الرب ببعض النِعم ونتباهى بهذه العطايا وكأنها استحقاق منا، قررت مريم أن تبدأ رحلتها، تبدأ مغامرةَ حب جديدة لتخدم نسيبتها أليصابات التي حملت هي أيضًا بطريقة عجيبة. وفي تلكَ الأَيَّام قامَت مَريمُ فمَضَت مُسرِعَةً إِلى الجَبَل إِلى مَدينةٍ في يَهوذا. تنطلق مسرعةً إلى دار العجزة، ذهبت لا كي تتباهى، بل كي تخدم وتعين هذين المسنين الذين ظنّا أنهما لن ينجبا نسلًا قط. ولأن العذراء انطلقت لتخدم بتواضعٍ وكلّها حماس، أدركت أليصابات للحال أنّ الطاقة التي تشع من هذه الصبية ’’مريم‘‘ لم تكن طاقتها. لم ترَ  أليصابات الله، ولكن من خلال العذراء مريم شعرت به، اختبرت حضور الله. فللحال بدأت هي تغني والجنين في بطنه يتراقص. ودَخَلَت بَيتَ زَكَرِيَّا، فَسَلَّمَت على أليصابات. ٤١فلَمَّا سَمِعَت أليصابات سَلامَ مَريَم، اِرتَكَضَ الجَنينُ في بَطنِها.

 

هذا يعني أنّه في كلِّ مرة أنطلق بحب، أنطلق لأخدم، يمكنني أن أكون مسكنًا متنقلاً لله، أن أكون اشعاع حبّهِ. ما إن وطئت مريم البيت حتى انتشر الفرح وغمر ساكنيه. عندما أمتلئ من ’’الله المحبة‘‘، سأفيض بالفرح والحب على كل من ألتقي به، وفي كل مكان أحط فيه.

 

ما أجملها من دعوةٍ لكل إنسان أن يكون مسكنًا متنقلًا يعبر من خلاله الله إلى الآخرين. هكذا نولّد ’’الحب‘‘ وتتحقق من جديد المعجزة التي حدثت منذ 2000 سنة في مغارة بيت لحم.

 

كل مرة أقول فيها ’’نعم‘‘ لعمل محبة أصبح كالعذراء مريم ’’بيت قربان‘‘، أصبح مصدر فرح وغبطة للآخرين. كم يحتاج عالمنا اليوم لحاملي الفرح، لزارعي المحبة. حتى ولو لم يرَ زكريا وأليصابات الله وجهًا لوجه، فإنهما اختبراه من خلال العذراء. لنكن اليوم، أنا وأنت، مستعدين لنقول "نعم" كي يعبر الله من خلالنا ويُغير حياة من نلتقي بهم.