موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ١٦ مارس / آذار ٢٠٢١

إهداءٌ لكلّ امرأة وأمّ

بقلم :
د. أشرف ناجح عبد الملاك - كولومبيا
شكرٌ عميقٌ لكلّ امرأة

شكرٌ عميقٌ لكلّ امرأة

 

بمناسبة "يوم المرأة العالميّ" (8 مارس) و"عيد الأمّ" المصريّ (21 مارس)، ندوّن هذه الكلمات كإهداء لكلّ امرأة كأمّ، ولكلّ أمّ كامرأة. ففي اعتقادنا أنّه كما أنّ كلّ أمّ هي امرأة (أنثى) فهكذا كلّ امرأة (أنثى) هي أمّ، حتّى وإن لم تتزوّج ولم تنجب، وحتّى وإن كانت عاقرًا. فالمرأة هي خليفة "حَوَّاء"، "أُمّ كُلِّ حَيّ" (تك 3/ 20)؛ فهي حياة تنبض حياة، ومنفتحة ومستعدّة دائمًا أن تقبل الحياة وتلدها، إن وجدت المناخ المناسب.  

 

1. الأمُّ في محبّتها ورجائها وإيمانها...

 

الأمّ هي الكائن الحي على الكرة الأرضيّة الذي يعطي ذاته،

وليس إلّا ذاته؛

ويحبّ من ذاته،

ولكن ليس من أجل ذاته.

إنّ الأمّ– كلّ امرأة– محبّتها سماويّة فائقة الطبيعة،

ورجاؤها صادق نقي،

وإيمانها متجرّد عاري.

 

2. إيماني وإيمان أمي...

 

إيماني عبارة عن أفكار جميلة وكلمات رنانة، أمّا إيمان أمّي فهو نيّات صادقة وأفعال متضعة؛

إيماني كلمات صامتة، أمّا إيمان أمّي فهو صمت متكلّم؛

إيماني يرضي أهل العقول الفضوليّة، أمّا إيمان أمّي فهو يهدي أصحاب القلوب الحائرة؛

إيماني يحرّك الرؤوس، أمّا إيمان أمّي فهو ينقل الجبال؛

إنَّ إيماني وُلد بفضل إيمان أمّي، ولكن إيمان أمّي يحتاج إلى إيماني.

فقد قال القِدّيس بوُلس في رسالته الثّانية إلى طيموتاوس: «وأَذكُرُ ما بِكَ مِن إِيمانٍ بِلا رِياء، كانَ يَعمُرُ قَبْلاً قَلْبَ جَدَّتَكَ لُئيِس وأُمِّكَ أَوْنِقَة، وأَنا مُوقِنٌ أَنَّه يَعمُرُ قَلْبَكَ أَيضًا».

 

3. "جدليّةُ" إيماني وإيمان أمّي...

 

هذه الخواطر الموجزة لا تبغي إظهار "أفضليّة" إيمان على إيمان، فإيماني وإيمان أمّي يُطلق عليهما في النهاية "إيمان"؛ وإنّما المقصود هو إظهار "جدليّة" إيماني وإيمان أمّي. فبكلمات بسيطة، إيماني وُلد بفضل إيمان أمّي، ولكنني في مسيرة حياتي الروحيّة أكتشف يوميًّا أنّ إيمان أمّي –رغم عظمته– هو في حاجة مستمرّة لتعميقه بإعمال العقل. فالإيمان الحقيقي والأصيل لا يمكنه أن يستغني عن العقل، لئلا يقع في خطر أن يصبح غير إنسانيّ ومجرّد تعصُّب أعمى.

 

وعندما يتعلّق الأمر بالإيمان غالبًا ما يعتقد الكثيرون أنّهم يجب أن يلغوا عقولهم؛ ولكن هذا أمر غير صحيح. وربّما قد حاول بعضهم شرح معضلة الإيمان والعقل من خلال الحديث عن ثلاث مراحل: الإيمان، ثم إعمال العقل، ثم من جديد الإيمان العميق. ولكن هذا -مع كونه ممكنًا– يؤكّد على الأمر الذي وصفناه للتو بأنّه غير صحيح، لأنّه يشير إلى نفس النتيجة: إمّا الإيمان وإمّا العقل. فربّما الأصح والأدق هو القول بأنّ الإيمان ليس ضدّ العقل، إنّما يفوقه ويتجاوزه؛ فالإيمان يطلب من العقل دائمًا أن ينفتح ويتسع، لا أن يُلغى ويُمحى.

 

وبإيجاز شديد، يمكننا القول بـأنّه ينبغي على الإيمان أن يكون عاقلًا ومعقولًا، وعلى العقل أن يكون منفتحًا ومؤمنًا. إنّ «الإيمان والعقل هما بمثابة الجناحين اللذين يمكّنان العقل البشري من الارتقاء إلى تأمل الحقيقة [...] العلاقة العميقة بين المعرفة بالإيمان والمعرفة بالعقل يعبّر عنها الكتاب المقدّس بكلمات غايةٍ في الوضوح [...] فالإيمان يطلب أن يُدركَ موضوعه عن طريق العقل، والعقل، في ذروة بحثه، يرضى بضرورة محتوى الإيمان» (البابا يوحنا بولس الثاني، رسالة جامعة في الإيمان والعقل). فيا ليتنا ننعم بالإيمان المستنير والعقل المنفتح!

 

4. شكرٌ عميقٌ لكلّ امرأة...

 

«شكراً لكِ أيتها المرأة-الأمّ، يا من تقبلين في حشاك الكائن البشري بالفرح وآلام خبرة فريدة بها تصيرين بسمة الله للولد الآتي إلى العالم، تقودين خطواته الأولى وتساعدينه على النمو وتكونين له المَعْلَمَ الهادي على طريق الحياة.

 

شكراً لكِ أيتها المرأة-الزوجة يا من تربطين بوثاق لا ينقض مصيرك بمصير رجل، في علاقة عطاء متبادل لخير الوحدة والحياة.

 

شكراً لكِ أيتها المرأة-الفتاة والمرأة-الأخت يا من تحملين إلى البيت العائلي، ومن ثمّ إلى مجمّع الحياة الاجتماعية ثروات إحساسك وحدسك وسخائك وجَلَدك.

 

شكراً لكِ أيتها المرأة-العاملة، المنخرطة في جميع قطاعات الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والفنيّة والسياسية، من أجل مساهمتك التي لا بديل منها في تطور ثقافة من شأنها أن تقرن العقل بالعاطفة، وفي نظرة للحياة منفتحة أبداً على معنى "السرّ"، وفي إنشاء بنيات اقتصادية وسياسية أغنى بالإنسانية.

 

شكراً لكِ أيتها المرأة-المكرّسة، يا من على غرار العظيمة بين النساء، أم المسيح، الكلمة المتجسد، تنفتحين بطواعية وأمانة على حب الله، وهكذا تساعدين الكنيسة والبشرية كلها على أن تجيب الله "بنعم العروس" التي تعبّر تعبيراً عن الاتحاد الذي يريد أن يقيمه مع خليقته.

 

شكراً لكِ أيتها المرأة، لا لشيء سوى أنك امرأة! تُغنين بشعورك بأنوثتك فهم العالم وتسهمين في قيام علاقات بشرية على الحق كله» (رسالة البابا يوحـنَّا بولس الثاني إلى النّساء).