موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ١٢ مايو / أيار ٢٠١٥

ورديتي فرض عليكم

بقلم :
الأخت برونا عودة - الأردن
ورديتي فرض عليكم

ورديتي فرض عليكم

 

إخوتي بالرب يسوع.. تحتفل الكنيسة وإياكم في السابع من تشرين الأوّل من كل عام بعيد سيدة الوردية المقدسة، ولكن في الحقيقه لكلٍ منّا طريقته الخاصة في تكريمه اليومي لمريم العذراء سيدة الوردية. كُلما نحيّيها نُعّيدُها، إذ تنساب السبحة الوردية بين أنامل شيوخنا وجداتنا وأمهاتنا وأطفالنا، وبهِ نعلم أنها الصلاة الأقرب والأحب على قلوبهم، إذ يجيدون من خلالها تبادل النظرات بينهم وبين العذراء أمهم لترد على سلاماتهم المريمية بالسلام الداخلي.

 

نرى السبحة بين يدي الكاهن والراهبة، تنساب بسلاسة يذكرون فيها نّياتهم، وأبناء رعيتهم وهمومهم، مشاريعهم الروحية والزمنية. من يريد أن يكون تلميذاً حقيقياً لمريم، وابناً حقاً لمريم عليه أن يجعل من الوردية فرضٌ عليه ولا يهمله.. عندها لا تهمله العذراء. لأن الوردية هي قمة الصلوات بعد القداس الإلهي، وأكبر نعمه نالتها رهبانية الوردية هي صلاة السبحة الوردية، وقد طلبت "العذراء مريم من القديسة ماري ألفونسين المواظبة على صلاة الوردية ليلاً ونهاراً، لأنها سوف تنزع من الأرض كل شر وبلية".

 

بالوردية نستمطر نعم السماء، وكل من يريد أن يوطد علاقته بسكان السماء عليه بالورديّة، وإذا أردتَ أن تكون قوياً لتشهد للمسيح بإيمانك الذي تحياه من خلال تأملك بأسرار الفرح والحزن وأسرار المجد والنور، عليك بالوردية. بالوردّية نتّعرف على نواقصنا ونعمل على نزعها ونتخلى عنها، ونتمرّس بالفضائل ونقبل الواقع ونواجهه. بالوردية تتقّدس كلماتنا وتتهذب نظراتنا وحواسنا بحيث تكون كلها مصلّية. بصلاة الوردية نستدعي الروح القدس ونستلهم مواهبه لتفعل فينا فتحركنا وتحيي فينا مفاعيل الأسرار.

 

بالوردية نكتشف ذواتنا وتفوع نواقصنا، ولكن إذا فكّرنا بنواقصنا من دون صلاة الوردية تبقى كما هي ولا تتغير، وبقدر ما نقبل الوردية كالطفل بقدر ما تعطي مفعول. إذا أدمعت عيوننا وشعرنا بخيبة الأمل والوحده والفراغ والغربة، علينا بالوردية. إذا راودتنا الشكوك والعواطف والأفكار غير الحقيقية وأعطيناها بعد غير حقيقي لا يمت للواقع بصله، ما علينا إلا بالوردية. عندما نفقد ثقتنا بأنفسنا ولا ندرك قيمتنا، وعندما يجعل منّا الآخرون نكره لا فائدة منها علينا بالوردية. إذا نسينا الآخرون وأهملونا ولم يلتفتوا إلينا، لا بأس فطوبى للمنسيين، ولنعِش الطوبى عيلنا أن نذكرهم في صلاة الوردية، عندها كل السماء تفكر فينا. إذا شعرنا بالضياع والتجربة والإضطراب وضعف الهمة والعزيمة، لنترك السلامات المريمية تنهضنا وتقوينا وتعود بنا إلى الحظيرة.

 

كثيراً ما نصنع آلهه من صنع أيدينا، فمثلاً نجعل شهوة العين والجسد والقلب والفكر تغزونا فنفقد هويتنا بالمسيح ولا نعود نحدّد مواقفنا منه، لذا علينا أن نعيد النظر بما صنعت أيدينا بصلاة الوردية. نلتقي في دروبنا ومحطات حياتنا بأشخاص من الصعب التعامل والعيش معهم، لقساوة قلوبهم وضيق أفقهم وتحجر فكرهم وعدم إنفتاحهم لإلهامات الروح القدس ليفعل فيهم، وهل من دواء يلين قلوبهم القاسية ويوسع أفاقهم، ويردهم إلى بيت الآب السماوي ليتعلموا منه الرحمه غير صلاة الوردية. عندما نخطأ، نسقط في بئر عميقة، نتذمر، نتعب، نشكو... نحنُ بحاجة إلى وسيلة إنقاذ، حبلة تصعدنا من هذه البئر العميقة، بحاجة إلى وسيلة إنقاذ لا تستند على تدبيرنا العقلي، بحاجة إلى الإيمان لأنه يقود إلى الرجاء، والرجاء يقودنا إلى المحبة، وحيث المحبة هناك الله، وحيث الله لسنا نحنُ بحاجة لشيء، هكذا عاشت القديسة الأم ماري ألفونسين من خلال إتكالها على الله بصلاة الوردية كوسيلة إنقاذ.

 

إذا اردنا أن نعطي كما اعطى يسوع، بسخاء جديد ومحبة جديدة ورحمة جديدة علينا ألا نهمل الوردية. جميعنا خطأة ونسير على منوال السقوط والنهوض والتساوي يجعل المكانة محفوظة، والوردية تعطينا إنطلاقه ثقة لنعطي الآخرين دفعه للنهوض. لنتذكر دائماً أنه إذا أردنا أن نعبر من هذه الأرض إلى حيث يدعونا الله الآب، هناك حيثُ هو جالس في الملكوت علينا أن نكون ودعاء واثقي الإيمان حنونين وصالحين، أذكياء ولطفاء، أُمناء وعقلاء، فاعلين وأقوياء، حكماء وحلماء، قنوعين، مخلصين وصبورين، شهوداً نشيطين، رسل نور، محبة وسلام، تائبين ومواظبين، ملتزمين ومنيرين، أتقياء ومبشرين، نقبل أن نكون تلاميذ كي نكون معلمين صالحين، راضين بما قسمته لنا السماء، وراجين الأفضل والأكمل، مسؤولين منصفين، مفكرين أسخياء، خدومين ومعطائين، متجددين وناضجين، صامتين صمت الصلاة، ناطقين بالحق، وأخيراً وليس آخراً سعداء.

 

ما علينا إلا بالوردية فهي الباب الذي ندخل منه إلى قدس أقداسنا، والطريق للتواصل مع الآخرين ومن أجلهم، والسلم الذي يقودنا إلى السماء. أتمنى ألا تغيب صلاة الوردية من قلوبنا وبيوتنا وساحاتنا ومن بين أيدينا. لتحفظنا سيدة الوردية بحمى ثوبها المقدس.