موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
لوقا 19. 44 - "وَلا يَترُكونَ فيكِ حَجَرًا عَلى حَجَر" مريم، هي القصر الملكي، الذي سكن فيه ملك السلام. هي هذا الهيكل الذي حلّ فيه الكلمة الأزلي، وأُعطي الى العالم مَلِكا أبديّا. في قصة دخول مريم الى الهيكل كما وردت في انجيل يعقوب، ذُكر أنّ يواكيم وحنّة قدّما مريم الى اللـه في الهيكل عندما كانت في سن الثالثة من عمرها. لا نعرف أسماء أهل مريم، جدّي الاله، إلّا من الأناجيل المنحولة، التي لا صفة قانونيّة لها في الكنيسة، ولا صفة تاريخيّة أيضا، لكنّها تتضمّن بعض العناصر الحقيقيّة والإيمانيّة التي احتضنتها الجماعات المسيحيّة عبر القرون وأدخلتها في تقليدها الإيماني واحتفالاتها الشعبية. لمن لم يقرأ النص الأصل لقصّة تقدمة مريم الى اللـه في الهيكل، يقول يعقوب في الفصل السابع من إنجيله: عندما بلغت مريم الثانية من عمرها، قال يواقيم لحنة، زوجته: "لنقُدْها إلى هيكل الله، ولنتمَّم النذر الذي نذرناه، لئلا يغضب الله ولا يقبل تقدماتنا". فقالت حنة: "لننتظر العام الثالث، خوفًا من أن تعاود إلى أبيها وأمها". فقال يواقيم: "لننتظر". وبلغت الطفلة عامها الثالث، فقال يواقيم: "نادوا عذارى العبرانيين اللواتي بلا عيب، وليحملن مصابيح ويُشعلْنها، وعلى الطفلة ألا تلتفت إلى الوراء وألا يبتعد ذهنها عن بيت الله". وصنعت العذارى كما أمر به، ودخلن الهيكل. واستقبل الكاهن الطفلة وقبَّلها وقال: "يا مريم، إن الرب عظّم اسمك في جميع الأجيال، وفي آخر الأيام، سيُظهر الله فيك خلاص أبناء إسرائيل". ووضعها على درجة المذبح الثالثة، فسكب الله نعمته عليها، فارتعشت فرحًا وهي ترقص برجليها وقد أحبّها كلّ بيت إسرائيل." (نص يعتمد على ترجمة اسكندر شديد). إنّ مريم، بدخولها الهيكل، حيث يسكن اللـه في وسط شعبه ويملك، كانت تُهيَّأ لتصبح هي الهيكل الجديد حيث سيحلّ الكلمة الأزلي ويصير بشرا ويسكن بينهم، فيروا مجد الآب فيه (يوحنا 1. 14). ولكن عندما لم يتمّ قبول باني الهيكل الجديد وساكنه، فإنّه سيبكي على المدينة بهيكلها الحجري، والتي سيحاصرها أعداؤها ويدمّرونها على من فيها، ولن يتركوا فيها حجرا على حجر، لأنها لم تعرف الربّ حين افتقدها بسلامه (لوقا 19. 41-44). كلام يسوع بحدّ ذاته هدّام، عاصف وصادم لمن يسمعونه، نظرا لمكانة الهيكل المركزيّة في حياة اليهود آنذاك، ناهيك عن أبّهة بنيانه وعظمة أحجاره التي رصفها الملك هيرودس الكبير البنّاء العظيم. كأنّ ملك زمني اليوم يستلم مملكة وعند دخوله القصر الملكيّ يقول أمام مناصريه وجمعه، إنّ كلّ ذلك سيتهدّم ولن يبقى حجر على حجر وستنقضي المملكة لأنّه سيؤسّس لجديدة أكبر وأهمّ. أليس ذلك بصادم؟ ولكن من هم أمناء له سيبقون معه. أمّا كلام يسوع هنا فهو كلام أخيريّ يقول فيه إنّه لن يدوم شيء في هذا العالم لذلك لا يمكن شيء أن يكون موضع توق أو عبادة. لا شيء يستحقّ أن يفتن فيه الانسان الى درجة الوقوف والنظر إليه كأن يتجفصن أمامه، لا بل يستحق البكاء عليه. عندما أراد تلاميذ يسوع أن يُروه أبنية الهيكل مفتونين بعظمتها، يجيبهم يسوع بجواب يحطّم فيه أصنامهم الحجرية قائلا إنه لن يبقى في هذه الأبنية حجر على حجر، إذ ستُهدم كلّها (متى 24. 1-2). إنّ فتون كهذا يجعل من صاحبه مشابها للمفتون به: جمادا، صنما، أعمى وأصم وأخرس وفاقد الحواس (مزمور 135. 16). فبكاء يسوع وحسرته على المدينة الرافضة قدومه هو دعوة صريحة ليتحرّر الانسان من التعلّقات الدنيويّة ليستقبل اللـه ويعيش للـه وحده. إن دمار الهياكل الخارجية الفاتنة هو في أساس الملك الالهي في الهيكل الداخلي. كمريم التي حلّ عليها الروح القدس وامتلأت من الحضور الالهي وصارت مسكنا له، كذلك صرنا هياكل الروح بحلوله علينا في المعمودية وامتلائنا به. هذا هو الهيكل الوحيد الذي يبنيه اللـه حجر على حجر، فيتمّ فيه اللقاء بالربّ، فالفرح ! مزمور 97. 1 - "الرَّبُّ مَلَكَ فلتَبتَهِجِ الأَرض"