موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
أوّلًا: لا ينبغي انتظارُ "الإرشاد الرّسوليّ"
لقد اِختتم البابا فرنسيس اليوم، الموافق الـ26 من شهر أكتوبر/تشرين الأوّل لعام 2024، الاحتفال بجَلْسات الدّورة الثّانية للجمعيّة العامّة العاديّة السّادسة عشرة لسِينودُس الأساقفة، المنعقدة من الـ2 إلى الـ27 من أكتوبر/تشرين الأوّل لعام 2024، والتي قد عُقِدت من قَبل أولى جَلْساتها في الأسابيع الثّلاثة الأولى من أكتوبر/تشرين الأوّل الماضي (2023). وعلى خلاف ما هو معتادٌ تقريبًا بعد كلّ سينودس أساقفة، في هذه المرّة لن يُصدر البابا فرنسيس "إرشادًا رسوليًّا" ما بعد "السّينودس حول السّينودسيّة"؛ وقد اكتفى بـ"الوثيقة الخاتميّة" التي صدرت اليوم أيضًا، في الـ26 من شهر أكتوبر/تشرين الأوّل لعام 2024.
وقد قال قداسةُ البابا، في "تحيّته النّهائيّة" لختام الدّورة الثّانية من الجمعيّة العامّة العاديّة السّادسة عشرة لسينودس الأساقفة، ما يلي: «ولهذا السّبب لا أنوي نشرَ "إرشادًا رسوليًّا"، فيكفي ما وافقنا عليه. وتوجد في "الوثيقة" بالفعل مؤشّرات ملموسة جدًّا يمكن أن تكون دليلًا من أجل رسالة الكنائس، في مختلف القارات، وفي سياقات مختلفة: ولذا، أجعلها متاحةً للجميع على الفور، ولهذا السّبب قُلْتُ إنّها ينبغي أن تُنشر. وأريد، هكذا، الاعترافَ بقيمة المسيرة السّينودسيّة التي اكتملت، والتي أُسلّمها، من خلال هذه الوثيقة، إلى شعب الله المقدّس الأمين».
https://www.vatican.va/content/francesco/it/speeches/2024/october/documents/20241026-sinodo-vescovi.html
فانطلاقًا من كلمات قداسة البابا هذه، ينبغي إذًا قراءةُ ودراسة وتطبيق "الوثيقة الختاميّة" الصّادرة عن جَلْسات الدّورة الثّانية للجمعيّة العامّة العاديّة السّادسة عشرة لسِينودُس الأساقفة (2-27 أكتوبر/تشرين الأوّل 2024).
https://press.vatican.va/content/salastampa/it/bollettino/pubblico/2024/10/26/0832/01659.html
ثانيًا: عرضٌ موجزٌ للوثيقة الختاميّة
لقد جعلت "الوثيقةُ الختاميّة" روايات الأناجيل المقدّسة عن القيامة دليلًا في بنية وتطوّر محتوى الوثيقة. وقد استحضر آباءُ وأمّهات السّينودس "هبة الرّوح القدس" في عيد الفصح، طالبين منه أن يعلّمهم ما يجب عليهم فعله، والطّريق الذي ينبغي اتباعه. ومن خلال هذه "الوثيقة الختاميّة"، يُعترَف بالسّينودسيّة كبُعدٍ أساسيّ ومحوريّ للكنيسة، وفي الكنيسة، ويُقترَح "المسارات التي يجب اتّباعها، والممارسات التي يجب تنفيذها، والآفاق التي يجب استكشافها".
تتكوّن "الوثيقةُ الختاميّة" من 155 بندًا؛ فعلاوةً على "المقدّمة" (بنود 1-12) و"الخاتمة" (بنود 152-155)، قد شملت على خمسة أجزاء، وهي كما يلي:
1) قَلْبُ السّينودسيّة: مدعوّن من الرّوح القدس إلى الاهتداء (بنود 13-48)؛
2) على متن القارب معًا (بنود 49-78)؛
3) «إلقوا الشّباك» (بنود 79-108)؛
4) صيدٌ وفير (بنود 109-139)؛
5) «وأنا أرسلكم» (بنود 140-151).
ولعرض محتوى "الوثيقة الختاميّة" بإيجازٍ مفرط، يمكن القول بأنّ الجزء الأوّل من الوثيقة ("قَلْبُ السّينودسيّة") يؤكّد على أنّ الكنيسة قائمةٌ لتشهد للعالم أجمع عن الحدث الحاسم في تاريخ البشريّة: قيامة يسوع (را. بند 14). وانطلاقًا من "سرّ المعموديّة" تأتي هويّة شعب الله، أي الكنيسة التي هي "سرّ الوحدة". ففي إطار الكنيسة شعب الله المقدّس، توجد "شركة المؤمنين" (communio Fidelium)، والتي هي في الوقت عينه "شركة الكنائس" (communio Ecclesiarum)، والتي تظهر بدورها في "شركة الأساقفة" (communio Episcoporum)، استنادًا على المبدأ القديم جدًّا أنّ «الكنيسة في الأسقف والأسقف في الكنيسة» (القدّيس كبريانوس). وبحكم "الخدمة البُطرسيّة"، يكون أسقفُ روما "المبدأ والأساس الدّائمين والمرئيّين" ("نور الأمم"، 23) لوحدة الكنيسة، التي هي مدعوّة لتكون كنيسة الجميع، ومن أجل الجميع، ولتكون فقيرة مع الفقراء (را. بنود 15-20).
ومِن ثمّ، تتناول "الوثيقةُ الختاميّة" الجذور الأسراريّة لشعب الله (را. بنود 21-27)، ومعنى السّينودسيّة وأبعادها في الشّرق والغرب (را. بنود 28-33). وتعلن أنّه «في مريم العذراء، أم المسيح والكنيسة والبشريّة، نرى سمات الكنيسة السّينودسيّة، الإرساليّة، والرّحيمة، تتألّق بكامل نورها» (بند 29). وتعبّر السّينودسيّةُ بدورها عن ثلاثة جوانب متميّزة في حياة الكنيسة، كما شرحتها وثيقةُ "اللّجنة الثِّيولوجيّة العالميّة" في عام 2018:
1) "الأسلوب الخاصّ الذي يميّز حياة الكَنيسة ورسالتها، مُعبِّرًا عن طبيعتها المتمثّلة في السّير معًا والاجتماع معًا في جماعة شعب الله"؛
2) الهيكليّة والبنية والمسارات الكنسيّة التي تعبّر عن الطّبيعة السّينودسيّة للكنيسة على المستوى المؤسسيّ، على مختلف مستويات تحقيقها: محليًّا وإقليميًّا وعالميًّا؛
3) الاحتفالات بالسّينودُسات الكنسية من قِبل السّلطة المختصّة، ووفقًا للنّظام الكنسيّ (راز بند 30).
وفي نهاية الجزء الأوّل، تشير "الوثيقةُ الختاميّة" إلى "الوحدة كتناغمٍ" في الرّوح القدس (را. بنود 34-42)، وإلى "الرّوحانيّة السّينودسيّة" (را. بنود 43-46)، وإلى "السّينودسيّة كنبوة اجتماعيّة" (را. بنود 47-48).
تطالب "الوثيقةُ الختاميّة"، في الجزء الثّاني ("على متن القارب معًا")، بتحويلٍ واهتداءٍ وتجديدٍ في العلاقات، إذ إنّ العلاقات هي التي "تدعم حيويّة الكنيسة، وتحيي بنياتها" (را. بند 49-52)، في تعدّديّة السّياقات المتنوّعة (را. بنود 53-56)، مع الأخذ بعين الاعتبار مواهب ودعوات وخدمات الجميع من أجل رسالة الكنيسة (را. بنود 57-67)، حيث يسطع سرُّ السّيامة المقدّسة (الأساقفة، والكهنة، والشّمامسة) في خدمة الوئام والرّسالة، وكذلك ضرورة منح المؤمنين العلمانيّين، رجالًا ونساءً، فُرصًا أكبر للمشاركة، من خلال استكشاف المزيد من أشكال الخدمة استجابةً للاحتياجات الرّعويّة لعصرنا (را. 68-78).
تحثّ "الوثيقةُ الختاميّة"، في الجزء الثّالث («إلقوا الشّباك»)، إلى تحويل وتجديد المسارات والممارسات الكنسية (را. 79-80)، وإلى أهمّيّة "التّمييز الكنسيّ" من أجل الرّسالة (را. 81-86)، وإلى تنظيم "عمليّات صُنع القرار" في الكنيسة التي تريد أن تكون سينودسيّة بطريقة عمليّة، عبر الشّفافيّة وإعداد التّقارير والتّقييم (را. 87-108).
وأمّا في الجزء الرّابع ("صيدٌ وفير")، فتشير "الوثيقةُ الختاميّة" إلى تحويل وتجديد الرّاوبط بيننا، إذ إنّ الكنيسة السّينودسيّة هي مكوّنة من روابط متحدّة في شركةٍ ومساحات معيّنة من جرّاء تنوّع الشّعوب والثّقافات كلّها. فعلينا ككنيسة أن نُنمّي بطرقٍ جديدة تبادل المواهب، وتشابك الرّوابط التي توحّدنا، "بدعمٍ من خدمة الأساقفة في الشّركة مع بعضهم البعض ومع أسقف روما" (را. 109-139). وأخيرًا، في الجزء الخامس («وأنا أرسلكم»)، ترمي "الوثيقةُ الختاميّة" إلى تكوين شعبٍ من التّلاميذ المبشّرين والتّلميذات المبشّرات، الذين يحتاجون بدورهم إلى تكوينٍ مُلاَئِم ومستمرّ (را. 140-151).
وكخُلاصةٍ (را. 152-155)، يؤكّد آباءُ وأمّهات "السّينودس حول السّينودسيّة"، ولا سيّما في البند 154 من "الوثيقة الختاميّة"، على أنّ «المعنى النّهائيّ للسّينودسيّة هو الشّهادة التي دُعِيت الكنيسةُ إلى تقديمها لله، الآب والابن والرّوح القدس، تناغم المحبّة الذي يفيض خارج ذاته ليُعطِي ذاته للعالم. ومن خلال السّير بأسلوب سينودسيّ، في تشابك دعواتنا ومواهبنا وخدماتنا، وفي الخروج للقاء الجميع لنحمل فرح الإنجيل، يمكننا أن نعيش الشّركة التي تُخلِّص: مع الله، ومع البشريّة جمعاء، ومع الخليقة كلّها».