موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
مُقدّمةٌ
في مطلع الألفيّة الميلاديّة الثّالثة، في الـ2 من أبريل/نيسان لعام 2005، قد تنيّح القدّيس البابا يوحنّا بُولس الثّاني، الذي إمتدت حَبريّته إلى ما يقرب من 27 عامًا. وفي الشّهر عَيْنه (أبريل/نيسان)، وبعد عشرين عامًا (2025)، تنيّح ورقد على رجاء القيامة البابا فرنسيس أيضًا. ففي صباح يوم الاثنين الموافق الـ21 من شهر أبريل/نيسان لعام 2025، وفي تمام السّاعة 7:35 بتوقيت مدينة "روما" الإيطاليّة، رحل عن عالمنا البابا فرنسيس، الذي يحتلّ التّرتيب الـ266 في قائمة باباوات الكنيسة الكاثوليكيّة.
ومِن جِهة أُخرى، على مدار حَبريّة البابا المنتقِل فرنسيس، التي دامت أكثر من 12 عامًا (2013-2025)، قد تناولتُ مرارًا وتكرارًا العديد من مضامين وأبعاد فكره. ولذا، ففي هذه المقالة، أُقدّم ملخّصًا عن بعضٍ ممّا نشرته عنه، وعن فكره، بدون القيام بعرضٍ وحصرٍ شاملَيْن عن كلّ ما كتبتُه عنه، وبدون مراعاة للتّسلسل التّاريخيّ. وليس هذا أيضًا موجزًا عن فكر قداسته في حدّ ذاته، ولا حتى في خطوطه العريضة.
أوّلًا: البابا فرنسيس و"التَّقليدُ"
يمكن الإشارة إلى أنّ التّقليد هو الإيمان الحيّ النّاجم عن الأموات الذين سبقونا ("إيمان أمواتنا الحيّ")؛ وأمَّا النّزعة التّقليديّة هي الإيمان الميّت للأحياء الحاضِرين والرّاهنين ("إيمان الأحياء الميّت"). وقد قال البابا فرنسيس في هذا الصّدد، في عظته بـ"ملعب الكومنولث" في كندا (26 يوليو/تموز 2022):
«إلى جانب كوننا أبناء تاريخ يجب أن نحافظ عليه، نحن صنّاعُ تاريخ يجب بناؤه [...] الذين سبقونا نقلوا إلينا حبًّا وقوّة وتوقًا ونارًا علينا إحياؤها. ليست مهمتنا المحافظة على الرّماد، بل علينا إحياء النار التي أشعلوها. كان أجدادنا وكبارنا يرغبون في رؤية عالم أكثر عدلًا وأكثر أخوّة وأكثر تضامنًا، وقد كافحوا من أجل أن يعطونا مستقبَلًا. الآن، علينا ألّا نخيِّب آمالهم. وعلينا أن نتولى مسؤوليّة هذا التقليد الذي قبلناه منهم، لأنّ التقليد هو إيمان أمواتنا الحيّ. من فضلكم، لا تحَولوه إلى تقليد جاف، أي إلى إيمان الأحياء الميّت، كما قال أحد المفكّرين. آباؤنا هم جذورنا وسندنا، وعلينا الآن أن نؤتي ثمرًا. نحن الفروع التي يجب أن تُزهر وأن تضع بذورًا جديدة في التاريخ».
ثانيًا: البابا فرنسيس و"المجمعُ الفاتيكانيّ الثَّاني"
لقد اُفتتِح المجمع الفاتيكانيّ الثّاني في الـ11 أكتوبر/تشرين الأول للعام 1962؛ واُختتِم في الـ8 ديسمبر/كانون الأول للعام 1965. وهو المجمع الحادي والعشرون من مجامع الكنيسة الكاثوليكيّة؛ وقد دعا إليه المتنيّح البابا يوحنّا الثّالث والعشرون وافتتحه (1958-1963)؛ وقد ختمه المتنيّح البابا بولس السّادس (1963-1978). كان الهدف منه "تحديث" الكنيسة الكاثوليكيّة، وجعلها تواكب العصر الذي نعيش فيه. وقد أصدر ستة عشر وثيقة (4 دساتير، و9 مراسيم أو قرارات، و3 بيانات أو تصريحات)؛ وهذه هي أسماؤها: نور الأمم، كلمة الله، المجمع المقدَّس، فرح ورجاء، إلى الأمم، النشاط الرسولي، المنشود للكنيسة كلها، المحبة الكاملة، الكنائس الشرقية، السيد المسيح، الدرجة الكهنوتية، كرامة الإنسان، في عصرنا، أهمية التربية.
وفي عظة البابا فرنسيس، في أثناء القدّاس الإلهيّ، بمناسبة الذّكرى السّتين لافتتاح المجمع الفاتيكانيّ الثّاني (11 تشرين الأوّل/أكتوبر 2022)، قال قداسته:
«فمن أجل إحياء محبّتها، كرّست الكنيسة، لأوّل مرّة في التاريخ، مجمعًا لتسأل نفسها وتتأمّل في طبيعتها ورسالتها. وقد عادت واكتشفت نفسها أنّها سرُّ نعمة وُلِدَ من المحبّة: عادت واكتشفت أنّها شعب الله، وجسد المسيح، وهيكل الرّوح القدس الحيّ! [...] لنكن متنبّهين: سواء التقدميّة التي تستند إلى العالم، أو المحافظة – أو الرجوع إلى الوراء - التي تتحسر على عالم مضى، كِلاهما ليسا دليلًا على المحبّة، بل على عدم الأمانة. كِلاهما مواقف أنانيّة بيلاجيّة، يقدّمان ذوقهما وخططهما على المحبّة التي ترضي الله، المحبّة البسيطة والمتواضعة والأمينة التي طلبها يسوع من بطرس [...] لنعد من جديد إلى ينابيع حبّ المجمع النقيّة. لنجد من جديد حبّ المجمع، لنجدّد حبّنا للمجمع! ونحن مغمورون في سرّ الكنيسة، الأم والعروس، لنقل نحن أيضًا، مع القدّيس يوحنا الثالث والعشرين: لتفرح أمُّنا الكنيسة! (كلمة في افتتاح المجمع، 11 تشرين الأوّل/أكتوبر 1962). ليسكن الفرح في الكنيسة. إذا لم تفرح فإنّها تنكر نفسها لأنّها تنسى المحبّة التي خلقتها. ومع ذلك، كم منّا لا يستطيع أن يعيش الإيمان بفرح، دون تذمّر ودون انتقاد؟ [...] أن نكون في وسط الشّعب، لا فوق الشّعب: هذه هي خطيئة روح التسلّط الإكليريكي السيّئة التي تقتل الخراف، ولا ترشدها ولا ترعاها، بل تقتلها. كم نحن بحاجة إلى المجمع الآن: إنّه يساعدنا على رفض تجربة الانغلاق داخل أسوار راحتنا وقناعاتنا، لكي نقتدي بأسلوب الله، الذي وصفه لنا اليوم النّبي حزقيال، قال: "فأَبحَثُ عن الضَّالَّةِ وأَرُدُّ الشَّارِدَةَ وأَجبُرُ المَكْسورَةَ وأُقَوِّي الضَّعيفَة" (راجع حزقيال 34، 16)».
ثالثًا: البابا فرنسيس و"أحدُ كلمة الله"
منذ العام 2020، في الأحد الثّالث من الزّمن العاديّ لكلّ عام، وفقًا لطقس الكنيسة اللّاتينيّة، نحتفل بـ"أحد كلمة الله". وقد أَسَّس البابا فرنسيس هذا الاحتفال، في الـ30 من سبتمبر/أيلول للعام 2019، من خلال رسالته الرّسوليّة (في شكل براءة بابويّة) "فَتحَ أَذْهانَهم". فكَتَب قداسته حيال هذا: «لذا أقرّر أن يُخَصّص يوم الأحد الثالث من الزمن العادي للاحتفال بكلمة الله، والتأمّل بها، ونشرها» (رسالة رسوليّة "فَتحَ أَذْهانَهم"، بند 3).
وعلى هذا النّحو، في هذا العام (2025)، قد احتفلنا بـ"أحد كلمة الله" السَّادس، الذي يوافق الـ26 من يناير/كانون الثّاني. ويَرمي هذا الأحد على وجه خاصّ إلى الاقتراب أكثر من "كلمة الله"، وإعادة اكتشافها، ومحبّتها، ومعرفتها، وفهمها، ومعايشتها. «عسى أن ينمّي الأحد المكرّس لكلمة الله عند شعب الله المعرفةَ الدينيّة والدؤوبة للكتاب المقدّس، كما علّم الكاتب المقدّس في العصور القديمة: "بلِ الكَلِمَةُ قَريبَةٌ مِنكَ جِدًّا، في فَمِكَ وفي قَلبِكَ لتعمَلَ بِها" (تث 30، 14)» (رسالة رسوليّة "فَتحَ أَذْهانَهم"، بند 15).
وفي هذا السّياق، يسطع القدّيس هيرُونمُس (جِيروم) كنموذجٍ لكلّ مسيحيّ في اقترابه من "كلمة الله" وقراءتها والتّأمُّل فيها؛ فهو «ليس فقط أحدَ أعظمِ عُشَّاقِ "المكتبةِ" التي تَغذَّتْ منها المسيحيّةُ عبرَ الأجيالِ، بدءًا من كنزِ الكتُبِ المقدَّسة. بل يمكن أن نطبِّقَ عليه ما كتبَه هو نفسُه عن نيبوتسيانُس: "بالقراءةِ الدؤوبةِ والتأمُّلِ المستمِرِّ جعَلَ قلبَه مكتبةَ المسيح"» (البابا فرنسيس، رسالة بابوية "حبُّ الكتاب المقدّس").
رابعًا: البابا فرنسيس و"زيارتُه الرّسوليّة" لبلدنا الحبيب مِصْر
لقد مرّت حوالي 8 أعوام على الزّيارة الرّسوليّة لقداسة البابا فرنسيس لبلدنا الحبيب "مِصْر" (28 - 29 أبريل/نيسان 2017). وقد تضمّنت زيارة البابا لمِصْر عدّة أحداث ولقاءات ومحاور، ونذكر منها:
+ الاستقبال الرّسميّ واللّقاء مع السّلطات المدنيّة، فصرّح البابا فرنسيس:
«إن مصير مِصرَ هذا وواجبها هما اللذان قد دفعا الشعب لأن يلتمس بلدًا لا ينقص فيها الخبز والحرية والعدالة الاجتماعية. إن هذه الغاية ستكون بكل تأكيد واقعا ملموسا إذ وحد الجميع إرادتهم، على قلب رجل واحد، في تحويل الكلمات إلى أفعال، والرغبات المشروعة إلى التزام، والقوانين المكتوبة إلى قوانين مُطَبَّقة، مستغلين في ذلك العبقرية الفطرية لهذا الشعب».
+ البيان المشترك لقداسة البابا فرنسيس ولقداسة البابا تواضروس الثّاني، حيث أُتفِق على ما يلي:
«نحن اليوم، البابا فرنسيس والبابا تواضروس الثاني، لكي نسعد قلب ربنا يسوع، وكذلك قلوب أبنائنا وبناتنا في الإيمان، فإننا نعلن، وبشكل متبادل، بأننا نسعى جاهدين بضمير صالح نحو عدم إعادة سر المعمودية الذي تمَّ منحه في كلٍّ من كنيستينا لأي شخص يريد الانضمام للكنيسة الأخرى. إننا نقرُّ بهذا طاعةً للكتاب المقدس ولإيمان المجامع المسكونية الثلاثة التي عُقدت في نيقية والقسطنطينية وأفسس. نسأل الله الآب أن يقودنا، في الأوقات وبالطرق التي سيختارها الروح القدس، نحو بلوغ الوحدة التامة في جسد المسيح السري».
+ في اللّقاء مع الكهنة والمكرّسين والمكرّسات بإكليريكيّة المعادي، سلّطَ البابا فرنسيس الضوءَ على بعض التّجارب التي يواجهها الشخص المكرّس: تجربة الانجراف مع التيار وليس القيادة؛ تجربة التذمّر الدائم؛ تجربة الثرثرة والحسد؛ تجربة مقارنة النفس بالآخرين؛ تجربة "التفرعن"؛ تجربة الفردانية؛ تجربة السير بلا بوصلة وبلا هدف.
وأخيرًا، السّؤال الذي ينبغي أن يُطرَح بصدقٍ وواقعيّة: بعد 8 أعوام على الزّيارة الرّسوليّة لقداسة البابا فرنسيس لبلدنا الحبيب "مِصْر"، ماذا تغيّر إيجابيًّا على أرض الواقع المصريّ والدّينيّ والطّائفيّ والكنسيّ والرّهبانيّ والإكليروسانيّ؟ وهل من جديد عمليًّا؟
خامسًا: البابا فرنسيس و"تَحَدِّي المحبّة" الكَاثوليكيّ-القِبطيّ ومُسْتَقْبَلُه
لقد شاهد وقرأ وسمع الكثيرون منّا عن الزّيارة التي قام بها الأنبا تواضروس الثّاني، بابا الإسكندريّة وبطريرك الكرازة المرقسيّة، إلى أخيه البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكيّة وخليفة القدّيس بطرس، الموافق الـ10 من مايو/أيّار للعام 2023. وقد تناول المتخصّصون والمحلّلون والصّحافيّون جوانب تاريخيّة وتعليميّة عدّة متعلّقة بهذه الزّيارة التّاريخيّة في العصر الحديث؛ منها– على سبيل المثال: لماذا هي تاريخيّة؟ وما مدى أهمّيّتها؟ وما هو محتواها؟ وما هي أبعادها؟ ويعرف الكثيرون منّا أنّ هذا اللّقاء التّاريخيّ الحديث جاء للاحتفال معًا بمرور خمسين عامًا على لقاء تاريخيّ آخر قد جمع بين قداسَة البَابَا بولس السَّادس وقداسَة البَابَا شنودَه الثّالِث في حاضرة الفاتيكان، في يوم الخميس الموافق 10 مايو/أيّار للعام 1973، وهو أوّل لقاء بين أسقف روما وبطريرك الكنيسة القبطيّة الأرثوذكسيّة منذ القرن الخامس الميلاديّ، والذي تُوِّج بدوره بالتّوقيع على "بيان مشترك" حول أمور كنسيّة وتعليميّة وعقائديّة هامّة (كـ"الإعلان-الاتفاق الكريستولوجيّ المشترك"). وكذلك أيضًا لتذكُّر عشرة أعوام على اللّقاء بين قداسة البابا فرنسيس وقداسة البابا تواضروس الثّاني، في حاضرة الفاتيكان أيضًا، في يوم الجمعة الموافق 10 مايو/أيّار للعام 2013، وقد جاء بعد أشهر قليلة من انتخابهما كقائدَين لكنيستَيهما، مُذكِّرًا بخمسينيّة اللّقاء التّاريخيّ الأوّل المذكور أعلاه.
ولقد تمَّ هذا اللّقاء الأخير ذو الذّكرى المزدوجة في ساحة القدّيس بطرس، في يوم الأربعاء الموافق 10 مايو/أيّار للعام 2023، يوم الاحتفال بـ"يوم الصّداقة" بين الكنيستَين القِبطيّة الأرثوذكسيّة والكَاثوليكيّة بجميع مكوّناتها. وخاطب البابا تواضروس الثّاني أخيه خليفة القدّيس بطرس والشّعب المسيحيّ بكلمات عميقة متعلّقة بالتّعاليم المسيحيّة الأصيلة وعراقة وتاريخيّة العلاقات بين الكنيستَين؛ وقام البابا فرنسيس بدوره بإلقاء كلمات أخرى عميقة للتعليق على كلمات أخيه خليفة القدّيس مرقس. وقد لاحظ الجميعُ التّناغم والتّوافق الشّديدين بين شخصيّتهما وفكرهما وحديثهما.
لا يمكن لأحد من الحاضرين لهذا اللّقاء التّاريخيّ، أو المتابعين له عبر وسائل التّواصل الاجتماعيّ، أن ينكر تاريخيّته وأهمّيّته وتأثيره. وقد علّق الكثيرون –من المسيحيّين وغير المسيحيّين– عن مدى تأثُّرهم بهذا اللّقاء الأخويّ المفعم بتعبيرات المحبّة والتّواضع والأخاء والتّقارب؛ وشهد الجميع أنّ هذا هو ما يريده السّيّد المسيح من أتْباعه وأتْباع الأديان الأخرى. ولكن، وعلى نحو آخر، راح بعضهمُ (من الكَاثوليك والأرثوذكس، ومن الإكليروس وشعب المؤمنين، ومن المتخصّصين وغير المتخصّصين) يشكّون ويشكّكون في أهمّيّة هذا اللّقاء التّاريخيّ وفاعليّته وجَدْواه؛ وأقلّ ما قِيل عنه من لدن المشكّكين هو أنّه زيارة عقيمة وغير مجدية.
إنّ المحبّة المسيحيّة بجميع أبعادها لهي "تَحَدِّي" حقيقيّ وكبير، وهي تَتَطَلَّب جَهْدًا وجِهَادًا واجتهادًا على المستوى الشّخصيّ والجماعيّ والكنسيّ. ويمكن القول– باتّضاع وواقعيّة شديدة– بأنّنا لا نزال في بداية "تَحَدِّي المحبّة" هذا، ولاسيّما ونحن في زمن يمكن أن نطلق عليه "عصر الكراهيّة"، والذي يحتاج منّا كمسيحيّين أن نكون شهود وشهداء المحبّة في عصر غاب عن أبنائه وبناته أنّنا أخوة أمام الله أبينا. لقد صدق البابا تواضروس الثّاني في كلماته العميقة هذه: «لقد اخترنا المحبّة حتّى لو كنا نسير عكس تيّار العالم الطّامع والذّاتيّ، لقد قبلنا تحدّى المحبّة التي يطلبها منّا المسيح، وسنكون مسيحيّين حقيقيّين وسيصبح العالم أكثر إنسانيّة، ليعرف العالم كلّه أنّ الله محبّة وهذه هي أسمى صفاته».
سادسًا: البابا فرنسيس و"مَنْحُ البركات" للأشخاص المثليّين جنسيًّا، وللأزواج والزّوجات غير النّظاميّين (أي الذين هم في أوضاع غير قانونيّة كنسيًّا)، بين إعلان "الثّقة المتوسِّلة" والبيان الصّحفيّ الفاتيكانيّ الجديد
في أثناء حَبريّة البابا فرنسيس، قد صدر إعلان "الثّقة المتوسِّلة" أو "الثّقة المترجّيّة"، الصّادر من قِبل "دائرة عقيدة الإيمان"، في الـ18 من ديسمبر/كانون الأوّل لعام 2023. وبعد ذلك، صدر أيضًا البيان الصّحفيّ الفاتيكانيّ عن "دائرة عقيدة الإيمان" (4 يناير/ كانون الثّاني لعام 2024).
إنَّ "التّصريح" أو "الإعلان" الصادر عن دائرة عقيدة الإيمان تحت عنوان "الثّقة المتوسِّلة" أو "الثّقة المترجّيّة"، في الـ18 من ديسمبر/كانون الأوّل لعام 2023، موضوعه المحوريّ هو قضيّة "البركات". وبكلمات أوضح، هو يقدّم شرحًا متّسعًا وموسّعًا عن هذه البركات ببعديها "التّنازليّ" (من لدن الله)، و"التّصاعديّ" (من قِبل البشر)؛ وتتعمّق الوثيقة الفاتيكانيّة (التي وافق عليها البابا فرنسيس) في أمر "البركات الرّعويّة" على نحو خاصّ. ومن ثَمَّ وجب التّميز بين البركات "اللّيتورجيّة-الطّقسيّة" من ناحية، والبركات المتعلّقة "بالتّقويّات الشّعبيّة" من ناحية أخرى.
وجدير بالذّكر أنّ البيان الصّحفيّ الصّادر عن "دائرة عقيدة الإيمان" (4 يناير/ كانون الثّاني لعام 2024) حول ردات الفعل الخاصّة بالوثيقة الصّادرة عن الدّائرة عينها تحت عنوان "الثّقة المتوسِّلة" أو "الثّقة المترجّيّة"، في الـ18 من ديسمبر/كانون الأوّل 2023، والتي يكمن موضوعها المحوريّ في قضيّة "البركات"، يتكوّن من ست فقرات، وهي تُلخَّص في بضعة نقاط هامّة: التّعليم الرّسميّ الكاثوليكيّ بشأن "الأفعال الجنسيّة المثليّة"؛ البعد العمليّ المتعلّق باحتماليّة منح البركة للأشخاص المثليّين جنسيًّا، وللأزواج والزّوجات غير النّظاميّين (أي الذين هم في أوضاع غير قانونيّة كنسيًّا)؛ الوضعُ الحسّاس لبعض الدّول بشأن مواقفهم حيال "المثليّة الجنسيّة"؛ الأمر الجديد الحقيقيّ الذي جاءت به وثيقة "الثّقة المتوسِّلة"؛ ما هي هذه "البركات الرّعويّة" بشكل عمليّ وملموس؟؛ دورُ التّعليم المسيحيّ في توضيح قضيّة "البركات الرّعويّة".
إنّ كليهما (وثيقة "الثّقة المتوسِّلة" و"البيان الصّحفيّ") يؤكّدان على عدم مباركة "الخطيئة"، وعلى عدم الاعتراف، وعدم إضفاء أيّة صيغة شريعيّة أو قانونيّة (الشّرعنة والقوننة)، للزيجات والاتّحادات والعلاقات والمعاشرات والممارسات الجنسيّة المثليّة، وللزيجات غير السّرائريّة (الأسراريّة) والنّظاميّة والمستمرّة. ومن جهة أخرى، يؤكّدان على عدم رفض الكنيسة للأشخاص ذي الميول الجنسيّة المثليّة، وللأزواج والزّوجات غير النّظاميّين، لتمييزها بين الشّخص من ناحية، وحالته وأوضاعه من ناحية أخرى، وإن كانت تقبل "الشّخص" على مثال معلّمها الإلهيّ (السّيد المسيح) لا يمكنها بأيّ حال من الأحوال قبول "الخطيئة" أو مباركتها.
سابعًا: البابا فرنسيس و«مفهوم "الأخوّة"»
في عام 2020، نشرتُ على "موقع أبونا" مقالات ثلاث حول «مفهوم "الأخوّة" عند البابا فرنسيس». وكانت لهذه المقالات سياقات ثلاثة:
+ في المقال الأوّل، تعرّضتُ للمقابلات العامّة للبابا فرنسيس حول تعليم في "شفاءِ العالم" (بدايةً من 5 أغسطس/آب حتّى 30 سبتمبر/أيلول 2020)، وقد ربط فيها قداسته بين "جائحة فيروس كورونا" و"مبادئ تعليم الكنيسة الاجتماعيّ" (مبدأ كرامة الإنسان، ومبدأ الخير العام، ومبدأ خيار تفضيل الفقراء، ومبدأ شموليّة خيرات الأرض، ومبدأ التّضامن، ومبدأ التّعاون والإمداديّة، ومبدأ الاهتمام ببيتنا المشترك)؛
+ وفي المقال الثّاني، تناولتُ مفهوم "الأخوّة المنفتحة" كما جاءت في «وثيقة "الأخوّة الإنسانيّة" من أجل السّلام العالمي والعيش المشترك»، التي وقّع عليها قداسة البابا فرنسيس وشيخ الأزهَر أحمد الطيب، بالعاصمة الإماراتيّة أبوظبي (فبراير 2019)، وفي «الرّسالة العامّة "جميعنا إخوة"» للبابا فرنسيس (3 أكتوبر 2020). ولكن، وقبل معالجة هذه المسألة، تعرّضتُ –بشكل موجز– للعلاقة الأخويّة المنفتحة التي تربط بين البابا فرنسيس والإمام أحمد الطيب، وأيضًا لما تعتقده وتعلّمه الكنيسةُ الكاثوليكيّة بشأن المسلمين، والإسلام، و"إله الإسلام".
+ وفي المقال الثّالث، تناولتُ مسألة "الأخوّة المنفتحة العالميّة الشّاملة" كما ينادي بها البابا فرنسيس، في رسالته العامّة "جميعنا إخوة" (3 أكتوبر 2020). وفي عرض هذه المسألة في فكر قداسة البابا، اقتصرتُ على الخطوط العريضة فقط.
ومن جهة أخرى، لقد قدّم البابا فرنسيس ذاته، أثناء "صلاة التّبشير الملائكي"، في يوم الأحد الموافق 4 تشرين الأول/أكتوبر 2020، مفتاح قراءة الرّسالة العامّة "جميعنا إخوة": "الإيكولوجيّا المتكاملة" (أي الاقتران بين البعد الإنسانيّ-الاجتماعيّ والبعد البيئيّ). فقال قداسة البابا حينئذ: «تُظهر علاماتُ الأزمنة بوضوح أنّ الأخوّة البشريّة والعناية بالخليقة يشكّلان الطريق الأوحد نحو التنمية المتكاملة والسلام؛ الطريق الذي سبق وأشار إليه الباباوات القديسون يوحنا الثالث والعشرون وبولس السادس ويوحنا بولس الثاني».
ثامنًا: البابا فرنسيس و"القدّيس يوسف" و"السَّنة اليوسفيّة"
لم يكفّ البابا فرنسيس، منذ بداية تعليمه الحبريّ الرسميّ، عن إلقاء الضوء –بشكل أكثر حيويّة– على الدور الواضح والصريح الذي لعبه نجَّار الناصرة؛ فحضَّ المؤمنين على مزيد من الإكرام لهذا القدّيس اللامع. وفي مطلع خدمته البطرسيّة (بعد بضعة أشهر من اختياره كبابا للكنيسة)، اهتَمَّ بإدخال اسم القدّيس يوسف في الصلوات الإفخارستيّة الثانية والثالثة والرابعة الخاصّة بالقداس اللّاتينيّ، بواسطة مرسوم متعلّق باللّيتورجيا قد صدر عن "مجمع العبادة الإلهيّة ونظام الأسرار". وقد كان هذا القرار مَرْغُوبًا ومُفكَّرًا فيه من قِبل البابا بِنِديكْتُس السّادس عشر قبل استقالته، فصادق عليه البابا فرنسيس وأكّده.
وليس هذا فحسب، ففي يوم 8 ديسمبر/كانون الأول لعام 2020، في السَّنة الثامنة من حبريّته، تناول البابا فرنسيس شخصيّة القدّيس يوسف وحياته ورسالته بنوع من الإسهاب، في رسالته الرسوليّة "بقلب أبويٍّ". فبعد أن ربط بشكل وثيق بين حياة نجَّار الناصرة المستترة وحياة العديد من مجهولي الهويّة والمخفيّين (أكانوا مسيحيّين أو غير مسيحيّين)، وهم ليسوا قليلين في عصرنا هذا الذي نواجه فيه الكثير من الصعوبات والعقبات والمعانات في أنحاء العالم، ولا سيّما بسبب جائحة فيروس كورونا الحاليّة، أكّد قداسته مجدّدًا على الحبّ الأبويّ فائق الوصف وغير المشروط من قِبَل نجَّار الناصرة تجاه يسوع المسيح، وهو ما جعله أبًّا صالحًا للطفل الإلهيّ، وملجأ آمنًا وسريًّا للمسيحيّين أيضًا.
وعلاوةً على ذلك، صرّح قداسة البابا، في يوم 8 ديسمبر/كانون الأول2020 (أثناء الاحتفال بعيد الحبل بلا دنس للقدّيسة مريم العذراء)، بأنّه من الملائم إعلان سَنة طقسيّة يوبيليّة لإكرام القدّيس يوسف، بمناسبة الذكرى الـ 150 لإعلان البابا بيوس التاسع له شفيعًا للكنيسة الجامعة. وهذه "السَّنة اليوسفيّة" قد خُتِمت رسميًّا في يوم 8 ديسمبر/كانون الأول 2021. وفي سياق هذه السَّنة، أشار البابا فرنسيس، في رسالته الرسوليّة "بقلب أبويٍّ"، إلى نجَّار الناصرة بهذه الكلمات التي أوجز فيها أبرز ملامح شخصيّة هذا القدّيس الأب:
«بقلب أبويٍّ: هكذا أحبّ يوسفُ يسوعَ الذي سمّته الأناجيلُ الأربعة "ابن يوسف". إن الإنجيليَّين اللذَين سلّطا الضوء على شخصيّته، متّى ولوقا، لا يخبران إلاّ القليل، ولكنه يكفي لتوضيح أيّ نوع من الأب كان، والمهمّة التي أوكلتها إليه العنايةُ الإلهية [...] رأى يوسفُ يسوعَ ينمو يومًا بعد يوم "في الحِكمَةِ والقامَةِ والحُظْوَةِ عِندَ اللهِ والنَّاس" (لو 2، 52). وكما فعل الربّ مع إسرائيل، هكذا صنع يوسفُ مع يسوع: درّجه وحَمَله على ذِراعه [...] كُان لَه كمَن يَرفَعُ الرَّضيعَ إِلى وَجنَتَيه وانحَنَى علَيه وأَطعَمه (را. هو 11، 3-4). ورأى يسوعُ في يوسف رأفة الآب».
تاسعًا: البابا فرنسيس و"السِّينودُسُ حول السِّينودُسيَّة" الذي لم ينته بعدُ
في شهر أكتوبر/تشرين الأوّل للعام 2024، بمدينة روما العريقة، اُحتُفِل بجَلْسات الدّورة الثّانية للجمعيّة العامّة العاديّة السّادسة عشرة لسِينودُس الأساقفة، والتي قد عُقِدت من قَبل أولى جَلْساتها في الأسابيع الثّلاثة الأولى من أكتوبر/تشرين الأوّل الماضي (2023). وجميعُ المؤمنين الكاثوليك في أرجاء المعمورة علي دراية بانعقاد "السِّينودُس حول السِّينودُسيَّة" (2021-2024)، ولديهم –نوعًا ما– معرفة كافية بالموضوعات الأساسيّة التي كانت موضع البحث والنّقاش والحوار في هذا السِّينودُس.
في مقالٍ سابق، نُشِر في "مجلة الصّلاح" التّابعة لبطريركيّة الكَنيسة القبطيَّة الكاثوليكيَّة، كتبتُ هذه الكلمات في ما يتعلّق "بالسِّينودُس حول السِّينودُسيَّة": «جديرٌ بالذّكر أنّه خلال حبريّة البابا فرنسيس، قد عُقِدت سِّينودُسات ثلاثة: الأوّل حول "التّبشير" أو "إعلان الإنجيل"، في عام 2012؛ والثّاني حول "الأسرة في عالم اليوم"، في عام 2015؛ والثّالث حول "الشّباب وتمييز الدّعوة"، في عام 2018. وأمَّا السِّينودُس الحالي، فهو حول موضوع مُعقّد وشائك: "السِّينودُسيَّة" ("السَّيْر معًا").
إنّه لمِن الخَطَأ الجسيم اختزال وحصر وتحجيم هذا السِّينودُس في مجرّد الحديث حول بضعة قضايا مثيرة للجدل: كالمثليّة الجنسيّة، أو الرّسامة الكهنوتيّة للنساء، أو إمكانيّة تناول المنفصلين المتزوّجين مرَّة أخرى، أو الانتهاكات والاعتداءات الجنسيّة، أو نمط إدارة الكنيسة كمُؤسَّسة، وإلى آخره من إشكاليّات فرديّة وفرعيّة. كَلاَّ، إنّ القضيّة الجوهريّة والمحوريّة لهذا السِّينودُس هي التّالية: "مَن" هي كنيسة السّيّد المسيح اليوم؟ (تساؤل حول "هويّتها")، و"ماذا" عليها أن تفعل في هذه الحقبة المعاصرة من التّاريخ؟ (تساؤل حول "رسالتها"). إنّها القضيّة عينها التي اسْتَحْوَذَت على عقول وقلوب آباء المجمع الفاتيكانيّ الثَّاني المكرّمين، منذ أكثر من نصف قرن. أجل، إنّها قضيّةٌ إكْليزيولجيّة من الدّرجة الأولى؛ فالأمر يتعلّق بفهم كيف يرى المسيحُ كنيستَه "اليوم"، حتّى تكون كنيسةً عَصْريّة» ("مجلة الصّلاح"، عدد سبتمبر-أكتوبر 2023، 13-14).
أمَّا مُفاجَأةُ البابا فرنسيس في خِتام "السّينودُس حول السّينودُسيّة"، فكان إعلانه حول أنّه لا ينبغي انتظارُ "الإرشاد الرّسوليّ". فعلى خلاف ما هو معتادٌ تقريبًا بعد كلّ سينودس أساقفة، في هذه المرّة لم يُصدر البابا فرنسيس "إرشادًا رسوليًّا" ما بعد "السّينودس حول السّينودسيّة"؛ وقد اكتفى بـ"الوثيقة الختاميّة" التي صدرت في الـ26 من شهر أكتوبر/تشرين الأوّل لعام 2024.
وقد قال قداسةُ البابا، في "تحيّته النّهائيّة" لختام الدّورة الثّانية من الجمعيّة العامّة العاديّة السّادسة عشرة لسينودس الأساقفة، ما يلي: «ولهذا السّبب لا أنوي نشرَ "إرشادًا رسوليًّا"، فيكفي ما وافقنا عليه. وتوجد في "الوثيقة" بالفعل مؤشّرات ملموسة جدًّا يمكن أن تكون دليلًا من أجل رسالة الكنائس، في مختلف القارات، وفي سياقات مختلفة: ولذا، أجعلها متاحةً للجميع على الفور، ولهذا السّبب قُلْتُ إنّها ينبغي أن تُنشر. وأريد، هكذا، الاعترافَ بقيمة المسيرة السّينودسيّة التي اكتملت، والتي أُسلّمها، من خلال هذه الوثيقة، إلى شعب الله المقدّس الأمين».
وعلينا أن نلاحظ أيضًا أنَّ "السّينودُس حول السّينودُسيّة" لم ينته بعدُ. لقد ظنّ كثيرون أنّ "السّينودُس حول السّينودُسيّة" قد اختتم أعماله، يوم الـ26 من شهر أكتوبر/تشرين الأوّل لعام 2024، بالاحتفال بجَلْسات الدّورة الثّانية للجمعيّة العامّة العاديّة السّادسة عشرة لسِينودُس الأساقفة، المنعقدة من الـ2 إلى الـ27 من أكتوبر/تشرين الأوّل لعام 2024. ولكنّ الكاردينال "ماريو غِرش"، أمين عام "السّينودُس حول السّينودُسيّة"، قد أرسل في الـ15 من شهر مارس/أذار لعام 2025، خطابًا أو رسالةً إلى جميع أساقفة العالم، بموافقة البابا فرنسيس من داخل مستشفى "جيميلّي" بروما (11/ 3/ 2025). وقد أكّد قداسة البابا بدوره على عمليّة مرافقة "السّينودُس حول السّينودُسيّة" في مرحلة "التّطبيق" أو "التّنفيذ"، لمساعدة الكنائس في جميع أنحاء العالم على السّير بأسلوب سينودسيّ.
وقد صرّح الكاردينال "غِرش" أنّه في عام 2028 المقبل، سوف تكون "الجمعيّةُ الكنسيّة" مناسبةً لجمع كل الثّمار التي نضجت على مستوى الكنيسة طوال مسيرة "السّينودُس"، إذ إنّ لكلّ سينودُس ثلاث مراحل: المرحلة التّحضيريّة، والمرحلة الاحتفاليّة، والمرحلة التّطبيقيّة أو التّنفيذيّة.
عاشرًا: البابا فرنسيس و"العَلْمَانِيون"
في افتتاح الجلسة العامّة الأوّلى من الدّورة الثّانية لـ"السِّينودُس حول السِّينودُسيَّة" (2 أكتوبر/تشرين الأوّل 2024)، حذّر البابا فرنسيس من خطر "كسر الشّركة والوحدة" من خلال وضع الهيراركيّة (التّسلسل الهرميّ للسلطة الكَنسيّة) من جهة والمؤمنين العلمانيّين من جهة أخرى في حالة تضادّ وتناقض ومعارضة؛ فقال قداسته: «لا يتعلّق الأمر –بالطّبع– باستبدال أحدهما بالآخر، متحمّسين للصرخة: الآن حان دورنا! كَلاَّ، هذا ليس صحيحًا: "الآن حان دورنا كعلمانيّين"، "الآن حال دورنا ككهنة"، لا، هذا ليس صحيحًا. وبدلًا من ذلك، مطلوب منّا أن نتدرّب معًا في فنٍّ سيمفونيّ، في مقطعٍ [موسيقيّ] يوحّدنا جميعًا في خدمة رحمة الله، وفقًا للخدمات والمواهب المتنوّعة، والتي على الأسقف تقع مهمّة الاعتراف بها وتعزيزها».
وقد أكّد البابا فرنسيس مرارًا وتكرارًا أنّه، انطلاقًا من كون "الرّوح القُدس" الشّخص الفاعل الرّئيسيّ والبَطَل والمُخرِج في الكنيسة، نكون «كلّنا شخصيّات رئيسيّة، لا يمكن أن نعتبر أحدًا شخصيّة ثانويّة. يجب أن نفهم ذلك جيّدًا: كلّنا شخصيّات رئيسيّة. ليس البابا، والكاردينال النّائب العامّ، والأساقفة المساعدون شخصيّات أكبر من غيرهم. لا: نحن جميعًا شخصيّات رئيسيّة، ولا يمكن اعتبار أيّ واحد شخصيّة ثانويّة أو مضافة».
حادي عشر: البابا فرنسيس و"رسالته العامّة الرّابعة والأخيرة": «لقد أحَبَّنا»
لقد أصدر البابا فرنسيس، في الـ24 من أكتوبر/تشرين الأوّل لعام 2024، في السَّنة الثَّانية عشرة من حبريَّته، الرّسالةَ العامّة الرّابعة والأخيرة بعنوان «لقد أحَبَّنا». وجديرٌ بالذّكر أنّ الرّسائل العامّة الثّالثة التي صدرت قبل هذه الرّسالة العامّة الأخيرة كانت كالتّالي:
+ الرّسالةُ العامّة الأولى «نورُ الإيمان» (2013)؛ وكان موضوعها هو قضيّة "الإيمان" كمعنى ونور في عصرنا الحالي، مع التّأكيد على أنّ "الإيمان يثري الوجود الإنساني في كل أبعاده".
+ الرّسالةُ العامّة الثّانية «كُنْ مُسَبَّحًا» (2015)؛ وكانت تدور حول "العناية بالبيت المشترك". وقد شجّع البابا فرنسيس جميعَ الأديان، ومن بينها المسيحيّة والإسلام، إلى الحوار فيما بينها في ما يتعلّق بـ"الإيكولوجيّة المتكاملة الشّاملة" و"الأزمة الإيكولوجيّة"؛ وطالب بالتّجاوب مع المشاكل البيئيّة، والتّعاون مع العلوم والحركات الإيكولوجيّة في البحث عن حلول لها، وكذلك على تربيّة وروحانيّة إيكولوجيتيْن أيضًا. ولذلك أُطلِق عليها وثيقة البابا "الخضراء".
+ الرّسالةُ العامّة الثّالثة «جميعُنا-كلُّنا إخوة» (2020)؛ وقد تناولت مفهوم "الأخوّة المنفتحة" و"الأخوّة العالميّة الشّاملة"، في رباطٍ وطيدٍ بـ«وثيقة "الأخوّة الإنسانيّة" من أجل السّلام العالمي والعيش المشترك»، الّتي وقّع عليها قداسة البابا فرنسيس وشيخ الأزهَر أحمد الطيب، في العاصمة الإماراتيّة أبوظبي، في فبراير 2019.
وجاءت الرّسالةُ العامّة الرّابعة والأخيرة للبابا فرنسيس تحت عنوان «لقد أحَبَّنا»؛ وهي عبارة مأخوذة من رسالة القدّيس بولس إلى أهل رومية (8/ 37)، وتشير بدورها إلى محبّة السّيّد المسيح لنا نحن أصدقاءه (يوحنّا 15/ 15). وتدور هذه الرّسالة العامّة الأخيرة حول "الحبّ الإنسانيّ والحبّ الإلهيّ في قلب يسوع المسيح"؛ وتشمل على خمسة أجزاء أو فصول: أهمّيّة القلب؛ أعمالُ وكلماتُ محبّة؛ هذا هو القلب الذي أحبَّ كثيرًا؛ الحبُّ الذي يعطيك لتشرب؛ الحبُّ بالحبّ.
ثاني عشر: البابا فرنسيس و"يُوبِيلُ الرّجاء" (عام 2025)
كما يعرف جميعُنا، قد أعلن البابا فرنسيس أنّ عام 2025 سيكون يُوبِيلًا عاديًّا، الذي يحلّ كلّ خمس وعشرين سنة بإعلانٍ من بابا الكنيسة الكاثوليكيّة، طِبْقًا للتّقليد القديم؛ وكذلك أيضًا لمرور 1700 عامًا على انعقاد مجمع "نيقيا" المسكونيّ، الذي رفض التّعاليم الأريوسيّة (نسبة للكاهن السّكندريّ "آريوس")؛ وقد أكّد هذا المجمعُ على أُلوهيّة السّيّد المسيح الكاملة والتّامّة. وأعلن البابا، في مرسوم الدّعوة إلى اليُوبِيل العاديّ بعنوان "الرَّجاء لا يُخَيِّب"، أنّه في يوم الـ24 من ديسمبر/كانون الأوّل لعام 2024 يُفتَتَح رسميًّا الباب المقدّس لبازيليكا القدّيس بطرس بالفاتيكان، ومعه سنة اليُوبِيل المقدّسة، والتي ستنتهي بدورها في يوم الأحد الـ28 من ديسمبر/كانون الأوّل لعام 2025. وسيُختَتَم اليُوبِيل العاديّ بإغلاق الباب المقدّس لبازيليكا القدّيس بطرس في الـ6 من يناير/كانون الثّاني لعام 2026، في عيد ظهور الرّبّ يسوع (راجع: "الرَّجاءُ لا يُخَيِّبُ"، بند 6).
وفي مرسوم الدّعوة إلى اليُوبِيل العاديّ ("الرَّجاء لا يُخَيِّب")، وانطلاقًا من نصوص العهد الجديد (لا سيّما: روم 5/ 5؛ 12/ 12؛ 1 طيم 1/ 1)، أعلن البابا فرنسيس أنّ "الرّجاء هو أيضًا الرّسالة المركزيّة لليوبيل القادم" (2025م)؛ وطالب بأن يكون اليُوبِيل "فرصةً للجميع لإحياء الرّجاء فيهم" (راجع: "الرَّجاءُ لا يُخَيِّبُ"، بند 1). وبين تصريحات وتأكيدات البابا المهمّة في هذا المرسوم، جاء ما يلي:
«الرّجاء يولد من المحبّة ويقوم على المحبّة المتدفّقة من قلب يسوع المطعون على الصّليب» ("الرَّجاءُ لا يُخَيِّبُ"، بند 3)؛ «الصّبر، وهو أيضًا ثمرة الرّوح القدس، يحيي الرّجاء ويثبِّته كفضيلة وأسلوب حياة. لذلك، لنتعلَّم أن نطلب مرارًا نعمة الصّبر، الّذي هو ابن الرّجاء وهو في الوقت نفسه سنده» ("الرَّجاءُ لا يُخَيِّبُ"، بند 4)؛ «وليس من قبيل الصّدفة أن يكون الحجّ عنصرًا أساسيًّا في كلّ يوبيل. الانطلاق في مسيرة هو أمرٌ نموذجيّ للذين يبحثون عن معنى الحياة. فالحجّ سيرًا على الأقدام يشجّع بشكل كبير على أن نكتشف من جديد قيمة الصّمت والتّعب وما هو الأهمّ في الحياة» ("الرَّجاءُ لا يُخَيِّبُ"، بند 5)؛ «ومن المحزن أن نرى شبابًا بلا رجاء [...] لهذا السّبب، اليوبيل للكنيسة هو فرصة انطلاق تجاههم: بمحبّة متجدّدة، لنهتمّ بالشّباب، والطّلاب، والخُطَّاب، والأجيال الشّابّة! القرب من الشّباب، فرح ورجاء الكنيسة والعالم!» ("الرَّجاءُ لا يُخَيِّبُ"، بند 12).
ثالث عشر: البابا فرنسيس و"محبّته لكَنيسة المسيح، وإيمانه ورجاؤه بها"
في أحد كُتبه الأخيرة، ترك لنا البابا فرنسيس هذه الكَلمات المعبّرة للغاية عن حياته وحَبريّته وخدمته، ولا سيّما عن محبّته وإيمانه ورجائه حيال كَنيسة المسيح، وأُمنيّاته بشأن الكنيسة والبابويّة: «الكنيسةُ لها دائمًا مستقبلٌ. إنّه لأمر مُذهل: فالكنيسة لها جذورٌ في الماضي، في المسيح الحي، الحي في زمنه، وفي قيامته؛ ولها جذورٌ في المستقبل، [أي] وعد المسيح الذي سيبقى معنا حتى انقضاء الأزمنة. إنَّ مستقبلَ الكنيسة يكمن في هذا الوعد [...] الكنيسةُ ستمضي قدمًا، وأنا مجرّد خُطوة في تاريخها. وسوف تنضج البابويّة أيضًا؛ وأتمنى أن تنضج [البابويّة] من خلال النّظر إلى الوراء أيضًا، وأن تتّخذ على نحوٍ متزايد الدورَ الذي لعبته في الألفيّة الأُولى [...] أحلم ببابويّة تعتمد بشكل متزايد على الخدمة والشّركة [...] يجب على الكنيسة أن تنمو في الإبداع، وفي فهم التّحديّات المعاصرة، [وأن تنمو في] الانفتاح على الحوار، وعدم الانغلاق على الذّات في الخوف. فالكنيسة المنغلقة والمرتعبة، هي كنيسة مائتة. يجب أن يكون لدينا الثّقة في الرُّوح [القُدُس]، الذي هو المحرّك والمرشد للكنيسة، والذي يصدر الضّجيج دائمًا [...] بالنّسبة لنا كمسيحيّين، إنَّ المستقبلَ له اسمٌ، وهذا الاسم هو الرّجاء».
رابع عشر: البابا فرنسيس و"موضوعاتٌ مسيحيّة وروحيّة" أُخرى
+ "السّرُّ الفِصحيّ" و"الرّجاء المسيحيّ"
يؤكّد البابا فرنسيس على أهمّيّة "السّرّ الفِصحيّ"، رابطًا إياه بالرّجاء المسيحيّ، فيقول: «موت وقيامة يسوع يشكلان قلب رجائنا. فبدون الإيمان بموت وقيامة يسوع يصبح رجائنا ضعيفًا، بل ولن يعد رجاء، ففي الحقيقة، إن موت وقيامة يسوع من بين الأموات يشكلان قلب رجائنا [...] القيامة هي ذاتها التي تفتحنا على الرجاء الأكبر، لأنها تفتح حياتنا، وحياة العالم، على مستقبل الله الأبدي، على السعادة التامة، على اليقين بأنه يمكن هزيمة الشر والخطيئة والموت. إن الإيمان بالمسيح القائم، وبالقيامة، يعني عيش الواقع اليومي بثقة أكبر، ومواجهة ما يعترضنا بشجاعة وبالتزام. إن قيامة المسيح تضيء بنور جديد هذا الواقع اليومي. إن قيامة المسيح هي قوتنا!» ("المقابلةُ العامّة"، يوم الأربعاء الموافق 3 أبريل/نيسان 2013).
+ ما بين "أسلوب يسوع" و"أسلوب التّلميذ والكنيسة"
انطلاقًا من منطق "اتّباع" يسوع و"الاقتداء به"، يربط البابا فرنسيس –على حقٍّ– بين أسلوب يسوع وسلوكه من ناحية، وما ينبغي أنْ يكون عليه أسلوب التّلميذ والكنيسة وسلوكهما من ناحية أخرى؛ فيقول: «في الواقع، أشخاص كثيرون من هذه الجموع ربّما تبعوا يسوع لأنّهم كانوا يأملون أن يكون قائدًا يحرّرهم من أعدائهم، وشخصًا سيستولي على السّلطة وسيتقاسمها معهم، أو كونه شخصًا يصنع المعجزات، سيحلّ مشاكل الجوع والمرض. في الواقع، يمكن أن نسير وراء الرّبّ يسوع لأسباب مختلفة، وبعضها، يجب أن نعترف بذلك، دنيويّ: وراء مظهر دينيّ مثاليّ، يمكن أن نُخفي رغبتنا في إرضاء احتياجاتنا، أو بحثنا عن مكانة شخصيّة، ورغبتنا في أن يكون لنا دور مهمّ، وأن نسيطر على الأمور، أو نطمع في أن نحتلّ بعض المساحات، ونحصل على امتيازات، ونطمح في أن نتلقّى التقدير، وأمور أخرى أيضًا. هذا يحدث اليوم بين المسيحيّين. لكنّ هذا ليس أسلوب يسوع، ولا يمكن أن يكون أسلوب التّلميذ والكنيسة. إذا تبع أحدٌ ما يسوع بهذه المصالح الشّخصيّة، فقد سلك الطريق الخطأ.
يطلب الرّبّ يسوع سلوكًا آخر. أن نتبعه هذا لا يعني أن ندخل في بلاط ملوكي، أو أن نشارك في موكب ظفر، ولا حتّى أن نحصل على تأمين على الحياة. عكس ذلك، أن نتبعه يعني أيضًا أن "نَحمِلَ الصَليب" (لوقا 14، 27): مثله، ونحمل أثقالنا وأثقال الآخرين، ونجعل من الحياة عطيّة، لا مُلكًا، ونبذلها فنقتدي بالمحبّة السخية والرّحيمة التي يحبّنا هو بها. إنّها خيارات تُلزم الحياة كلّها. لهذا يريد يسوع ألّا يفضِّل التلميذ أيّ شيء على هذه المحبّة، ولا حتّى أعزّ المشاعر وأكبر الخيرات. لكي نفعل هذا الأمر، يجب أن ننظر إليه أكثر من نظرنا إلى أنفسنا، وأن نتعلّم المحبّة، ونستقيها من المصلوب. هناك نرى تلك المحبّة التي تبذل نفسها حتّى النّهاية، بلا قياس وبلا حدود. مقياس المحبّة هو أن نحب بلا قياس».
+ المفكّر الكاثوليكيّ العبقريّ "بليز باسكال"
في الـ19 من شهر حزيران/يونيو لعام 2023، أصدر البابا فرنسيس "رسالة رسوليّة" بعنوان "عظمة الإنسان وشقاؤه"، بمناسبة الذّكرى المئويّة الرّابعة لولادة المفكّر الكاثوليكيّ العبقريّ "بليز باسكال" (19 حزيران/يونيو 1623 – 19 آب/أغسطس 1662). وقد مات وهو في التّاسعة والثّلاثين من عمره فقط؛ فحياته كانت قصيرة ومثمرة للغاية. وعلاوة على بَرَاعَته في مجالات الرّيّاضيّات والهندسة والفيزياء والفلسفة، هو مفكّر مسيحيّ من طراز فريد. ولعلّ من أشهر كُتب بسكال كتابه "أفكار"؛ وهو عبارة عن أبولوجيا (دفاع) عن المسيحيّة بطريقة منطقيّة وعقليّة.
+ ماهيّة "الحَسَد"
لقد وَصَف قداسةُ البابا فرنسيس ماهيّة "الحَسَد"، شارحًا عبارة "المَحبَّة لا تَحسُدُ" الموجودة في النشيد المُسَمّى "نشيد المحبّة"، الذي كتبه القدّيس بولس (1 كو 13/ 1-13)، على هذا النحو:
«يتم بالتالي رفض ذاك الموقف الذي يخالف المحبّة، الذي يعبّر عنه في المصطلح zelos (الغيرة أو الحسد). ممّا يعني أنّه في الحبّ لا مجال للشعور بالاستياء بسبب الخير المتأتّي للآخر (را. رسل 7، 9؛ 17، 5). الحسد هو الحزن للخير الذي يحصل عليه الآخرون مما يدلّ على أننا لسنا مهتمين بسعادة الآخرين، لأنّنا نركّز بشكل حصري على المصلحة الذّاتيّة. في حين أن الحبّ يُخرجنا من ذواتنا، ويقودنا الحسد إلى التركيز على الـ "أنا". الحبُّ الحقيقيّ يقدّر نجاحات الآخرين، ولا يعتبرها كأنها تهديد، ويتحرّر من طعم الحسد المرّ. يقبل أنّ يكون لكلّ شخص مواهب مختلفة وطرق متعدّدة في الحياة. ويحرص بالتّالي على اكتشاف طريقه الخاصّ ليكون سعيدًا، تاركًا الآخرين يجدونها هم أيضًا. في نهاية المطاف إنها مسألة تتميم ما تتطلّبه الوصيتان الأخيرتان من وصايا الله: "لا تَشتَهِ بَيتَ قَريبِكَ: لا تَشتَهِ امرَأَةَ قَريِبكَ ولا خادِمَه ولا خادِمَتَه ولا ثَورَه ولا حِمارَه ولا شَيئاً مِمَّا لِقَريبِكَ" (خر. 20، 17). يقودنا الحبّ إلى تقديرٍ صادق لكل كائن بشريّ، معترفين بحقّه في السعادة. أنا أحبّ هذا الشّخص، فأنظر إليه بنظرة الله الآب، الَّذي يُغْنِينَا بكُلِّ شَيءٍ "لِنَنْعَمَ بِهِ" (1 طيم 6، 17)، وبالتّالي أقبل في داخلي أنّه بإمكانه أن ينعم بلحظات سعيدة» (البابا فرنسيس، الإرشاد الرسوليّ ما بعد السينودس "فرح الحبّ"، بندان 95-96).
+ "الفرح والضّحك والفكاهة"
لعلّه من المفيد أن نتذكّر بضعة كلمات للبابا فرنسيس حول قضيّة "الفرح والضّحك والفكاهة"، إذ إنّه قال عندما تحدّث عن القدّيسة "تريزا الأفيليّة" (القرن الـ16): «القداسةُ الحقيقيّة هي فرحٌ، لأنّ "القدّيس الحزين هو من أحزن القدّيسين". إنّ القدّيسين، قبل أن يكونوا أبطالًا مجاهدين، هم ثمرة نعمة الله للبشر. فيُظهِر لنا كلُّ قدّيس سمةً من سمات وجه الله المتعدّد الجوانب».
والتّساؤل الأصعب والمهمّ: هل يمكننا أن نقول مَزْحَةً بَريئَة عن الله أيضًا؟ وإليكم جواب البابا فرنسيس عندما تقابل مع فناني عالم الفكاهة: «هل يمكننا أن نمزح حول [نضحك حول: laugh at] الله أيضًا؟ بالطّبع، وهذا ليس تجديفًا. ويمكننا أن نمزح، تمامًا كما نلعب ونمزح مع الأشخاص الذين نحبّهم. التّقليد الحكميّ والأدبيّ اليهوديّ رائدٌ في هذا! ويمكن القيام بذلك، ولكن دون الإساءة إلى المشاعر الدّينيّة للمؤمنين، ولا سيّما الفقراء». وعلينا ملاحظة أنّ تعبير "نمزح حول" أو "نضحك حول" (laugh at) الله، يعني أن نقول مَزْحَةً أو دُعابةً أو كلامًا مضحكًا بشأن الله وعنه. ولا يقصد قداسةُ البابا فرنسيس إطلاقًا السّماح بالإساءة إلى الله بأيّ شكل من الأشكال.
خامس عشر: البابا فرنسيس والعذراء مريم "أُمّ إيماننا"
إنَّه لأمر معروف ذاك الخاصّ بمحبّة البابا فرنسيس للعذراء مريم، والتّعلُّق الشّديد بها؛ ولعلّ وصيّته بأن يُدفَن في بازيليكا "سانت ماريّا ماجّوري" بمدينة "روما" الإيطاليّة، لأكبر دليل على ذلك. فكانت قناعته الشّخصيّة والمستديمة هي ما يلي: «أنا أُؤمن بمريم، أُمّي، التي تحبّني، ولن تتركني وحدي أبدًا». وإليكم إحدى طلباته إلى العذراء مريم "أُمّ إيماننا":
«لنتوجه بالصلاة إلى مريم، أم الكنيسة وأم إيماننا:
أيتها الأم، ساعدي إيماننا!
افتحي إصغاءنا للكلمة، كي نتعرف على صوت الله وعلى دعوته.
ايقظي فينا الرغبة في اتباع خطواته، خارجين من أرضنا ومحتضنين وعدَه.
ساعدينا في أن نسلم أنفسنا لتلمسنا محبته، وكي نتمكن من أن نلمسه بالإيمان.
ساعدينا في أن نثق فيه كليًّا، وفي الإيمان بمحبته، لا سيما في أوقات الشقاء والصليب،
عندما يكون إيماننا مدعو للنضج.
أبذري في إيماننا فرحة القائم من بين الأموات.
ذكِّرينا بأن مَن يؤمن ليس وحيدا البتة.
علمينا أن ننظر بأعين يسوع، حتى يكون هو نور طريقنا. حتى ينمو نور الإيمان هذا فينا دائما،
إلى أن يأتي ذاك اليوم الذي لا يعرف غروبا،
والذي هو المسيح ذاته، ابنك، وربنا!» (الرّسالة العامّة "نورُ الإيمان"، بند 60).