موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
نظر يسوع إلى الجموع التي إلتفت حوله، فذاك أراد أن يسمع كلامه الآسِر، وذاك أراد أن يرى بأم عينيه معجزاته التي سمع عنها، وتلك أرادت منه أن يشفي ابنها او ربما يشفيها هي بالذات، كما أن هنالك قوما سمعوا كلامه ورأوا معجزاته ومع ذلك أتوا طلبا للمزيد، وهناك تلاميذه الذين تبعوه أينما ذهب تاركين خلفهم مال وبيوت وأهل وزوجة وأحباء، تبعوه دون يقين إن كان سيعوضهم ويغنيهم عن كل ما تركوه.. وفي لحظة ما، نظر يسوع إليهم، وكما يقول الانجيل المقدس فقد قال: "إني أشفق على الجمع" مرقس 8: 2. اليوم، إن نظرنا بأعين يسوع حولنا، على الجموع المنتشرة في كل مكان، يا هل ترى أيها يستحق الشفقة أكثر..؟ فهناك جماعات مضطهدة في وطنها، في عقر دارها فاقدة الأمان والأمن وحتى أساسيات الحياة وأبسط الحقوق من مأكل ومشرب صحي وعلم وحتى عمل. وهناك جماعات عانت بسبب إيمانها ومعتقداتها وقد تفقد حياتها بسبب تلك العقيدة وذلك الايمان، مهما كان. أما هناك، تلك الجماعات التي هرعت هاربة باحثة عن الأمان والسلام، لتحمي نفسها وعائلتها، فأتت إلى بلد غريب، بلا مال، بلا عزوة، وبلا مستقبل، ولكن مع قليل من الأمل، ولا نُنكر أنها صُدِمت بالواقع التي أتت إليه، طبيعة معيشة أدنى بكثير مما كانت تعيشه أيام مجدها الأرضي، حالة مادية ونفسية واجتماعية سيئة، وضع معيشي صعب عليهم أن يتقبلوه.. فأصبحوا فريسة للإكتئاب والامراض المزمنة والنظرة السوداوية للحياة.. إضافة لهجمات الغربة التي نهشتهم وأدماهم حنينهم لوطنهم وحيِّهم. في الجهة المقابلة.. جماعات عانت بسبب ما تعانيه تلك الجماعات، فنزوح "لاجئين" لبلد بسيط فقير بموارده، أثقل كاهل شعب ذلك البلد، شعروا بالخطر ربما، شعروا بنقص الموارد، ازدحام الطرقات والمدارس والمستشفيات، شحّت فرص العمل، ارتفعت الاسعار بكل المجالات، بين كل هذه الصراعات، أيضا صراع طبيعة هذا الشعب المضياف والكريم الذي كان يردد لضيفه دائما: "صدر البيت الك والعتبة النا".. وقع بين تلك الصراعات كلها، فتلك تفوز احيانا وتلك تفوز احيانا، فتذبذت واختلفت المواقف أحيانا في داخل الفرد نفسه. لنركِّز نظرنا أكثر، من ما هو عام لما هو اكثر خصوصية، فهناك الفرد، الشخص البسيط، الذي تحولت حياته لمجموعة معارك، معارك شخصية، داخلية وخارجية، مع ذاته ومع غيره، فهناك مع يصارع مرض ما، ومن يصارع لتأمين لقمة شريفة ووضع معيشي محترم، ومن يصارع خطيئة، نعم خطيئة، نقع فيها، نتوب، ثم نعود ونقع، وندخل في ذلك الصراع مجددا ومجددا. كما ويوجد أشخاص يعانون بسبب خط حياة اختاروه لأنفسهم، لأنه فقط مختلف عن المألوف ومختلف عن خط اختاره الآخرين، يفقدون احترام الناس لهم ويكسبون عدائهم وسخريتهم وحربهم أيضا.. أم نُشفق على الإنسانية جمعاء.. وما يحدث لها بسبب أبنائها "الإنسيين".. هل نشفق على الطبيعة الأم وكيف نقتلها كل يوم بتصرفاتنا وصناعاتنا الأنانية.. وأيضا كوكبنا الأرض يستحق الشفقة وكيف حولناه من كوكب مثالي بين جميع كواكب المجموعة الشمسية إلى كوكب يتجه نحو الانهيار من تصحر وانحباس حراري وتدمير موارده التي منحنا إياها الله بالمجان.. شعور الشفقة مؤلم.. وأشعر بأنني أريد الاعتذار من كل تلك الجماعات، المتألمة، المّهجرة، ومن كل فرد يصارع ويعاني من اجل أن يعيش حياة كريمة وبحسب ما يبغي، أعتذر للأرض وللشمس ولأمي الطبيعة، اعتذر للإنسانية، أعتذر لهم جميعا عن كل خطأ حدث بقصد وبدون قصد.. يحدث أحيانا أن تحدث اخطاء، بحق كل هؤلاء وبحق أنفسنا، ثم نندم ونقع في فخ التبرير، ونقوم ثم نخطأ مجددا، تلك هي الحياة، ولولا تسامحنا مع بعضنا ومع انفسنا لما استطعنا الإستمرار، ولولا تسامح الرب معنا لما عشنا لنصحح أخطاءنا. ننتقد الآخر ولكننا في نفس الوقت نمد يد العون والأمل له، نطبطب عليه لمواساته كمان نطبطب على أنفسنا وننهض بعد سقطتنا. وها إني أرى يسوع ينظر إلينا بتلك نظرات الشفقة، وأشعر أن فرجه قريب، وسيكون عاما وخاصا لكل واحد منا، كما كثّر تلك الخبزات والسمكات وأشبع تلك النفوس الجائعة، أشبعها روحيا وداخليا كذلك جسديا، سيتصرف في الوقت المناسب، ولكنه يحتاج منا أن نّقدِّم له شيء بسيط، كتلك الخمس خبزات والسمكتين، وهو سوف يكثرها ويُشبع الجموع.. ينتظر ما خطوة نحوه تُظهر له رغبتنا الحقيقة بالمساعدة والشفاء.. كتلك المبادرات التي نراها حولها لإنقاذ غيرنا وكوكبنا وإنسانيتنا والتي بالآخر تنقذنا نحن شخصيا.. وأينما نظرت حولي وحولك، ستجد أن هناك يد تمتد بهم ويد الرب وبركته تمتد معهم ليزيدهم ويُباركهم ويُشبع الجموع.. آمين