موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ١ يناير / كانون الثاني ٢٠٢١

مريم العذراء والدة الإله

بقلم :
الأب فارس سرياني - الأردن
كلّ عامٍ وأرضُنا ومَن وما عليها بخير

كلّ عامٍ وأرضُنا ومَن وما عليها بخير

 

كلّ عامٍ وأرضُنا ومَن وما عليها بخير

 

أيّها الإخوةُ والأخواتُ الأحبّاء في المسيح يسوع. كلّ عام ونحنُ جميعًا بخير، كلّ عام وأَحبَّتُنا بخير، كلُّ عامٍ والبشريةُ والخليقة بخير. نسألُ الله أن يكونَ العامُ الجديد، عامَ خيرٍ بكلّ ما يحمِل في صفحاتِ إيّامه ومِدادِ ساعتِه.

 

عندَ كُلِّ مناسبةٍ سعيدة وعند كلّ عيد مجيد، كمناسبة هذا العام الجديد الّذي فيه نحتفِل بعيد سيّدتنا مريم العذراء والدةِ الإله، نُهنّئ بعضُنا بعضًا مُتَمنّين الخيرَ بعضُنا لبعض. ولكن، هل خطر ببال أحد أن يُفكّر فيما هو الخير الّذي نقصده ونبتَغيه؟ ماهيّتُه، طبيعتُه، صفاتُه؟ هل الخيرُ يندرِجُ فقط تحتَ إطار مَنافعي ورغباتي، أم أنّ للخير مفهومًا أوسعَ وأشملَ وأعم؟

 

الخيرُ يا أحبّة هو الحَسن؛ فالله تَعالى خَلقَ كلّ شيء حَسنًا، أي أنّ جميعَ الخلائِقِ خير في ذاتِها. الخيرُ قد يكونُ حالةً معنويّة، أو مادّية أيضًا. كذلك هناك الخير الرّوحي الّذي يُريده الله لكلِّ إنسان. الخير الشّخصي هو حالة يكون فيها الإنسان في سعادة وراحة، أو هو شيء يُسبّب للإنسان نفعًا وسلامًا وانبساطًا. الخير هو ما يسعى إليه كلّ كائِن، حتّى النّباتات تسعى وراءَ ضوءِ الشّمس لأنّه خيرٌ لها. الخيرُ هو نَقيضُ الضَّرر أو الشّر، الّذي نكرُهُه لأنفسِنا على الأقل، وأحيانًا قَد نتمنّاه لغيرِنا. أمّا الخيرُ العام فهو الحَسَن الشّامل، عندما يشترك الجميع في السّعادةِ والرّاحة، وعندما ينعم الكُلّ بالنّفع والسّلام والانبساط، والرّخاء المادّي والمعنوي.

 

الخيُر الشّخصي قد يتحوّل تلقائيًّا إلى أنانيةٍ وتقوقع وانغلاق، لإنّ الإنسانَ بطبيعتِه طمّاع، تحكمُه غريزة الاستحواذِ والتّملّك. لذلك المسيح نادى دومًا بالخير العام لكلّ النّاس، على مثال الآب السّماوي الّذي يُطلِع شمسَه على الأشرارِ والأخيار، ويُنزِلُ المطرَ على الأبرار والفجّار (متّى 45:5) دون تمييزٍ أو ازدراء لفئة.

 

الخيرُ الزّمني المادّي هو خير مؤقّت، يزول مع الوقت بزوال السّبب أو التّأثير، أو بالموت النّهاية الحتميّة للكائنات في الزّمن. وهو أيضًا خيرٌ نسبي، يختلِف من شخص لآخر، فما قَد يكون خيرا لي، قد يكون ضررًا وشرًّا لك. فربّما في نظرِ الاقتصاديّين كانت جائحة كورونا خيرًا لمصانع المعقّمات والكمّامات والأدوية، ولكنّها كانَ شرًّا لباقي النّاس.

 

أمّا الخيرُ الرّوحي فهو الخيرُ الأسمى والأنقى والأبقى دونَ زوال، وهو الخيرُ المناسب لكلّ النّاس دون استثناء وبلا تمييز أو احتكار، هو السّعي للأمور الّتي في العُلى، حيث المسيح قد جلس عند يمين الله، لا في الأمورِ الّتي في الأرض، كما يَصِفُه القدّيس بولس في رسالته إلى أهل قولسّي (1:3-2).

 

يا أحبّة لَست بصدد إلقاء محاضرة حول الخير وفلسفته، ولكنّي أودّ أن أُوصِل لي ولكم رسالة صغيرة مع بداية هذا العام الجديد، مَفَادها أنْ عندما نتبادل التّهاني بالخير، دعونا فعلًا نتمنّى الخير بصدق لبعضِنا البعض، لكلّ النّاس، دونَ تخصيص أو حصر أو استثناءات. نتمنّى الخير حتّى لمن خالَفنا الرّأي أو الفكرَ أو النّهجَ أو الأسلوب أو...إلخ. وليسَ فقط أن نتمنّى، ولكن كما يقول القديس بولس في رسالتِه إلى أهل غلاطية: "فَمَا دَامَت لنا الفرصةُ إذًا، فَلنَصنع الخيرَ إلى جميعِ النّاس" (10:6) نفعل للنّاس، كما أمرنا الرّب، كلّ ما أردنا أن يفعلَ النّاس لنا (متّى 12:7).

 

اليوم عيدُ العذراء والدة الإله. فَفيها حلَّ الخير كلّه، ومنها جاءَنا الخيرُ كلّه، وبمريم عمّ الخير المسكونةَ قاطبة، لكلّ البشر ولجميع الأجيال. فمن العذراء الطّاهرة، وُلِد لنا المخلّص المسيحُ الرّب. وهي بحقٍّ تُدعى والدةَ الإله، لأنّها وَلَدت لنا الله الكلمة، الّذي صار جسدًا وأصبحَ بشرًا، وسكن بينَنا عمّانوئيل الله معنا. فكلُّ عام ونحن جميعًا والبشرية والخليقة بموفورِ الخيرِ والسّلام.

 

 أيُّها الأحبّاء، لَقد طَوَينَا صَفحة سنة كاملة، وَأَسدلنا السّتارَ على حَولٍ كامل، وَعَلى فَصلٍ من فصولِ العمر. عشناهُ بكلّ ما حملَ لنا، شاكرين الله، من مَسرّات ومن منغّصات. عشناه بنعمَتِه تعالى هو منبع كلّ خير، وبشفاعةِ العذراءِ والدةِ الإله، الّتي بها ومعها نستهلّ عامَنا هذا الجديد. سائلين شفاعتها القديرة، أن تسترَنا نحن الملتجئين إليها، تحت عَبَاءة حمايتها.

 

فالحمدُ لله على كلِّ شيء، والشّكرُ لله على كلِّ حالٍ وفي كلِّ حين، هو البدايةُ وهو النّهاية، هو الألفُ وهو الياء، له الأزمنةُ له الدّهور. نسألُه تعالى أن يبارِكَنا ويباركَ سنتَنا بكلِّ لحظاتِها وأوقاتِها وظروفِها. وأن يَحفَظَنا ويُنجّينا ممّا قد يكون شرًّا علينا. فعندَ الخير نحمده شاكرين، وعندَ الضّربة نستغيثُ صابرين.

 

نسألُه تعالى أن يباركَ كلَّ نسمة من نسماتِ عُمرِنا، وأن يُفيضَ علينا مواهب وثمار روحِهِ القدّوس الصّالحِ المحي. نسألُه تعالى أن يُبعِدَ عنّا كلَّ أمرٍ ضار وداءٍ مُعد. نسألُه تعالى أن يمنح قلوبَنا السّلامَ والسّكينة، وعقولَنا الرّاحةَ والطُّمأنينة، وأجسادَنا الصّحة والعافية، وأرواحَنا الطّهارةَ والنّقاء.

 

نسألُه تعالى أن يباركَ بالخير الأرض كلّها، بسمائِها وبرِّها وبحرِها وسهلِها وجَبلِها، بنبتِها وزَرعِها وكائناتِها، بأهلِها وناسِها.

 

نشكرك يا رب لأنك أحييتنا حتى هذه اللحظة، وَأَهديتنا هذا العامَ الجديد. لكي نباركَكَ فيه ونرفعَ إليكَ صلاةَ الحمدِ والشّكر والابتهال. فكلّ عامٍ والأرضُ ومَن وما عليها بخير.

 

باركي يا نفسيَ الرّب، ويا جميعَ ما في داخلي اِسمه القدّوس