موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
"كونوا قديسين، لأني أنا قدوس" (بطرس الأولى ١: ١٥)
في اليوم الأول من نوفمبر / تشرين الثاني، نحتفل مع الكنيسة جمعاء بعيد جميع القديسين. وبذلك، نحن لا نتذكّر من أُعلنوا قديسين على مرّ العصور فحسب بل إخوتنا وأخواتنا أيضًا الذين عاشوا بصمت حياتهم المسيحية بملء الإيمان والمحبة. وبدون شك يوجد بينهم العديد من أهالينا وأقاربنا وأصدقائنا ولا سيما الذين استشهدوا محبةً بالمسيح والكنيسةِ والوطن.
هم قدّيسون يتربّعون في البيت السّماويّ إلى جانب العذراء مريم والرّبّ يسوع، قدّيسون عاشوا حياة أرضيّة مرسومة بالفضائل. بالصّلاح والبِرّ عاشوا، بالشّجاعة والشّهادة تحلّوا، بالإيمان والصّلاة تسلّحوا. هم مثال أسمى للتّضحيات، فجبالًا وعرة مليئة بالشّوك تسلّقوا للوصول إلى قمّة القدّاسة، وبالنّار الهوجاء احترقوا ليصبحوا رمادًا عبيره طيّب على مذبح الرّبّ.
تخطّوا تجارب الشّيطان الفاشلة بقناعة وثبات، وتحمّلوا صعوبة العيش على أرض يتآكلها الفساد، فاكتسبوا الحياة الأبديّة. هم الذين لم تُعمَ بصائرهم بشعاع الذّهب المادّيّ الفاني، ولم تتلطّخ ألسنتهم بقذارة الكلام المجرّح، ولم تتدنّس أياديهم بالدّماء أو النّجاسة.
احتفالنا بعيد جميع القديسين يذكرنا بكلمات يسوع: "كونوا قديسين في سيرتكم كلها" (بطرس الأولى ١: ١٥)، ”أَنتُم مِلحُ الأرض… أَنتُم نور العالم… فَليُضئْ نورُكُم للناس، ليروا أعمالَكُمُ الصالِحة، فيُمَجِّدوا أَباكُمُ الذي في السماوات” (متى ٥: ١٣–١٦)، ”كونوا أَنتُم كاملين، كما أنّ أباكُمُ السماويّ كامل” (متى ٥: ٤٨). فالقداسة لا تظهر دائمًا في الأعمال الخارقة والكبيرة بل في الوفاء اليومي لمواعيد معموديتنا. والقداسة تكمن في محبة الله ومحبة إخوتنا وأخواتنا وهو حب يبقى أمينًا للتخلّي عن الذات والتكرّس الكامل للآخرين. وعلينا أنّ نفكِّر بالأمهات والآباء الذين يضحّون في سبيل عائلاتهم وتربية اولادهم على محبة الله والقريب ويتناسوا أموارًا كثيرة لزرع القداسة في بيوتهم ومجتمعهم .
هناك صلة مشتركة بين القديسين وهي السعادة التي كانت تغمرهم. لقد وجدوا سرّ السعادة الحقيقية التي تكمن في أعماق النفس ومصدرها محبة الله. لهذا نحن ندعو القديسين طوباويين. إنّ التطويبات كانت مسيرتهم وهدفهم وأرضهم الأمّ والتطويبات هي طريق الحياة التي يعلّمنا إياها الرب حتى نسير على خطاه.
إنّ التطويبات هي صورة المسيح وبالتالي صورة كل مسيحي. “طوبى للودعاء”. يسوع بذاته يقول لنا: “تَتَلمذوا لي فإنِّ وَديعٌ مُتواضِعُ القلب” (متى ١١: ٢٩). هذه هي الصورة الروحية للمسيح يسوع وهي تكشف وفرة محبته لنا. إنّ فضيلة الوداعة هي أسلوب عيش وتصرّف تُقرّبنا من يسوع ومن أحدنا إلى الآخر. إنها تسمح لنا أن نضع جانبًا كل ما يقسمنا ويبعدنا عن بعض وإلى إيجاد أساليب جديدة للتقدّم في مسيرة القداسة التي توصلنا إلى الوحدة الحقيقية مع الله ومع بعضنا.
إنّ التطويبات هي بطاقة وهوية المسيحي. إنها تبيّن بأننا أتباع يسوع. نحن مدعوون لكي نكون طوباويين وأتباع يسوع، وعلينا أن نواجه الصعاب بروح ومحبة يسوع.
طوبى لمن يبقون مثمرين بينما يواجهون الشرّ الذي يقترفه الآخرون تجاههم ويسامحون من كل قلبهم .
طوبى لمن ينظرون في عيون المهمّشين والمنبوذين والمتألمين ويظهرون بالقرب منهم لمساعدتهم وتخفيف الآمهم.
طوبى لمن يرون الله في كل شخص ويجهدون في سبيل جعل الآخرين يكتشفون المسيح .
طوبى لمن يتخلّون عن راحتهم الذاتية في سبيل مساعدة الآخرين .
طوبى لمن يصلّون ويعملون من أجل تحقيق الوحدة الكاملة بين المسيحيين. كلّ هؤلاء هم رسل رحمة الله وحنانه وبالتأكيد سيُكافأون على ذلك .
القدّيسون يفيضون على البشريّة من هالة قداستهم ألسنة نعم لامتناهية، هي خيطان مشعّة تربط السّماء بالأرض، أحبال متينة تعطي الفرصة للخاطئ أن يخلُص بمجرّد التّمسّك بها. فما علينا نحن المؤمنون الخطأة الضّعفاء سوى تسليم حياتنا للرّبّ والتّمثّل بجميع القدّيسين، وبهذا يكون هذا العيد مناسبة لخلاصنا ذاكرين دائمًا أنّ القداسة ليست حكرًا على أحد بل كلّنا مدعوّون إليها.
إنّ الدعوة إلى القداسة هي موجّهة إلى كل شخص منا ويجب أن نحصل عليها من الله بروح الإيمان . إنّ القديسين يحفّزونا بسيرتهم وبشفاعتهم لنا أمام الله ونحن بحاجة إلى بعضنا البعض إن أردنا بالحقيقة أن نكون قديسين وكاملين.
نطلب من الله نعمة قبول هذه الدعوة ، الدعوة إلى الكمال والقداسة ، بفرح وأن ننضمّ إلى تحقيقها مع بعضنا بالكامل . في هذا العيد ، عيد جميع القديسين ، نوكل كلّ نوايانا وطلباتنا إلى أمنا السماوية مريم العذراء سُلطانة القديسين والحوار الهادف إلى الوحدة الكاملة بين المسيحيين حتى نبارَك في جهودنا ونصل إلى القداسة بوحدتنا .
صلاة:
يا رب، امنحنا نعمة الاتّحاد بك لنقتدي بقدّيسيك في يوم عيدهم، هم الّذين استحقّوا ملكوتك السّماويّ، فنصل إلى مصافهم ونحيا بك ومعك بالمجد، آمين.