موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
عُرف عن بعض الكائنات الحية أسلوب دفاع تتبعه لحماية ذاتها وتحصين محيطها من خلال تلويث هذا المحيط إلى الحد الذي يجعل الاقتراب منه مُنفرا ومثيرا للاشمئزاز وذلك من خلال بث السموم أو الرائحة الكريهة من حوله. وكون الإنسان يُعد كائنا عاقلا ومفكرا فإن إحدى الصفات التي تميزه هي القدرة على المحاكاة والتعلم، وبرغم جواز الاستغناء عن معلم في بعض الأحيان والقيام بالتعلم الذاتي القائم على المحاكاة والمشاهدة والتكرار، إلا أن دور المعلم لضمان جودة التعليم والمخرجات يبقى ضروريا.
ومن هفوات الإنسان العاقل أو سقطاته، أنه حاكى هذا الفعل الذي هو بالأصل للكائنات غير العاقلة –بث السموم والرائحة الكريحة- لكن في غير موضعه، فعوضا عن أن يكون هذا الاسلوب للدفاع عن الذات وحفظ البقاء، بات اسلوبا للفت النظر والتسويق غير الشريف، فما كان من بعض هؤلاء إلا أن صاغ العناوين المسمومة وكتب الأفكار التي تفوح منها رائحة كريهة نتنة، تجعل الاقتراب منعا يثير الغثيان. لأن التجاهل لا يُفهم من قبل البعض، بات الكلام واجبا.
الغاية من هذا الطرح هو تعرية المغالطات المنطقية والتجاوزات الأدبية والأخلاقية في المقال المكتوب فقط، وليس لكاتب المقال إلا الاحترام والتقدير الإنساني الذي هو واجب على جميع البشر تجاه كل البشر، فالرأي بالرأي والفكرة بالفكرة. خاصة إن كانت هذه المغالطات والتشوهات اللفظية والسلوكية قد ارتكبت بحسب ما نرى عن قصد ووعي وسابق اصرار، مما يجعلها تتخطى حاجز الخطأ إلى حدود الإساءة.
نبدأ مع العنوان الذي ليس له علاقة بالمضمون، لغايات لفت النظر والتسويق أو بالأصح التشهير، حيث جاء العنوان متسائلا إن كانت المدارس المسيحية تساهم في تفكيك العائلة، والمضمون جاء يناقش قضية أخرى، هي أين يبقى الأبناء(الطلبة) الذين يعطلون يوم الأحد أثناء عمل الأهل؟ فكيف استقام المعنى بين العنوان والمضمون؟ وبأي قياس استقام؟ ومم ثم إن كان المقال يبحث عن إجابة أو حل لهذه المشكلة التي هي فعليا أين يبقى الأبناء خلال نصف يوم من الاسبوع ولمرة واحدة اسبوعيا، خلال عمل الأهل؟ ألم يكن الأجدر إن كان الهم حقيقيا والطرح صادقا والسعى جادا أن يتساءل أين يبقى الأبناء وبشكل خاص الأطفال أثناء عمل الأم وانشغال الأب؟ أليس عاملات المنازل والمربيات من مختلف الجنسيات يقمن بهذا؟ الا يرى في هذا تفكيكا للأسرة؟ الا يرى في الألعاب الإلكترونية التي يمضي الأبناء فيها جل يومهم والتي باتت متاحة على ما فيها من الفاظ ومشاهد لا تناسب أعمار مستخدميها ودون حسيب أو رقيب رسمي، تفكيكا للعائلة؟ هذه الألعاب التي تخطف نباهة العقل وصحة الجسد، الا تفكك المجتمع ليس فقط العائلة ألم يكن التساؤل عن أثر الوضع المادي على تفكك العائلة أجدر بالطرح؟ ألم يكن السؤال عن انشغال الأباء والأمهات في المقاهي والصالونات وأثره على التفكك الأسرى أجدر بالطرح؟ وغير ذلك الكثير من التحديات الحقيقية والمشكلات الفعلية التي تفكك وتهدد العائلة وليست المدرسة المسيحية التي تربي وتعلم وتنشئ وتقدم المثال والقدوة للأبناء.
للأسف أن كل محاولة لافتراض حسن النية أو الاساءة غير المقصودة باءت بالفشل، فالمقال وما تبعه من نقاش يؤكد أن الاساءة مقصودة وتبغي اثارة اللغط وتشويه الصورة، ومن الأمثلة على ذلك أن المقال يذهب إلى انه تم التواصل مع المرجعيات الكنسية للتأكد من الاساس الديني والارتباط اللاهوتي والعقائدي لعطلة يوم الأحد، وبأن الاجابة جاء حاسمة بأن ليس لها هذا الجانب. والسؤال هنا، من قال أصلا أن لها هذا الأساس؟ لماذا هذا الإصرار على زج الدين والعقيدة في شأن ليس شأنها؟ ما الغاية من بذل هذا الجهد لإزالة شبهة عن موضوع لا شبهة فيه؟
هل ترى في هذا التشوية أمرا مقصودا؟ أو زلة في صياغة الفكرة والتعبير عنها؟ لو وقف الأمر هنا لكان بالامكان افتراض حسن النية وطيب القصد، أما أن يتعداه لمحاولة ربط عطلة يوم الأحد بجانب عقائدي والسعي للتأكيد بجواز تغيرها وكأن اقرارها اصلا كان مبنيا على هذا الأساس، فهو أمر مرفوض وعار عن الصحة، فلا أحد يقول أن الإيمان المسيحي أو اللاهوت يفرض هذه اليوم تحديدا وإلا كان لزاما على كل المسيحيين وحينها سيأثم من لا يلتزم به وهذا منافي للعقل والمنطق وللدين على السواء.
لم يقف الأمر هنا، بل تعداه للمقارنة أو المفاضلة بين عطلة يوم الجمعة ويوم الأحد، الأمر الذي لم يسبق في تاريخ المملكة الأردنية أن كان مثارا للنقاش أو الجدل، ليتجدد السؤال ويتجدد الشك عن أصل هذا التساؤل والغاية من وراءه. ناهيك عن أن المجتمع الأردني فيه من التتنوع والغنى ما يجعل كل الخيارات متاحة أمام الأفراد ، إذ توجد المدارس التي تقر يومي الجمعة والسبت ومدارس تقر يومي الجمعة والأحد، ومؤسسات تقر أيام الجمعة والسبت والأحد، ومدارس داخليه توفر المبيت، وكلٌ يختار ما يناسبه.ويزداد السوء سوءا حين يقر صاحب المقال بأنه لا يوجد دراسة أو استبيان تبين المؤيدين والمعارضين أو المستفيدين والمتضررين من هذا اليوم أو ذاك، ليس هذا فقط بل إنه لا يملك الإمكانيات أو المقومات للقيام بهذا الأمر من حيث المبدأ!
ألم نعتد في أي نتيجة نتوخى فيها الصدق والدقة أن تأتي وتبنى على دراسة وبحث واستقصاء، فكيف للكاتب أن يقدم النتيجة أو يطرح السؤال على الملأ ثم يبدأ دراسة يقر مسبقا أنه لا يملك الإمكانيات للمضي بها أو انه ينوى المضي بها بقدر الإمكان؟
وما يلفت النظر أكثر، إشارة الكاتب إلى حوار نشره مع شخص مجهول لا يرغب الإفصاح عن اسمهه يرى أن الأمر يجب أن يتم البت فيه من خلال "نواب المقعد المسيحي في مجلس النواب" ليكون رد كاتب المقال بأنهم لن يقوموا بشيء لأنهم "ضد المساواة في الميراث بين الرجل والمرأة" ولا أخفي أن بذلت جهدا كبيرا لإيجاد أي علاقة بين السؤال والجواب السؤال عن عطلة المدارس والجواب عن المساواة في الإرث بين الرجل والمرأة، ولم أجد إلا اجابة واحدة وبسيطة، لا يوجد علاقة... إلا علاقة المحاكاة بين القلم وبعض الكائنات الحية في بث السموم من والرائحة الكريهة من حولها.