موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ١٨ ابريل / نيسان ٢٠٢٠

الفصح في زمن الكورونا

بقلم :
د. رامي نفّاع - الأردن
المسيح قام.. حقًا قام

المسيح قام.. حقًا قام

 

أعيش اليوم كما العالم أجمع حالة غير مسبوقة من الخوف، حيث يصل وباء الكورونا إلى شتى بقاع الأرض، ضارباً بعض الحائط كل التدابير الأمنية والوقائية التي تتخذها الدول لمواجهته، وواضعاً أساطير القوة العسكرية والتقدم العلمي والتكنلوجي في أزمة ثقة أما البشرية جمعاء. فقد كان لهذه الأساطير سطوة على الثقافة العالمية ومفردات الخطاب الكوني. هذه الأساطير التي لطالما فتحنا أعيننا على اتساعها للنظر إليها وتمثلها، تتهاوى اليوم أمام اعيننا أيضا وللمفارقة أمام وباءٍ لا يرى بالعين المجردة.

 

والحديث عن المفارقات يكثر في هذه الأيام، ويثير فيَّ روح السؤال والتساؤل، خاصة وأنا أرى كل هذه الإجراءات غير المسبوقة التي تم اتخاذها للحفاظ على الحياة وإنقاذ الأنفس البشرية، وما يذهلني حقاً ليس فرض هذه الإجراءات من الدول والحكومات، وإنما ترقبي الدائم لسماع هذه التعليمات واتباعها والسعي لنشرها بين عائلتي وأصدقائي والمقربين مني للحفاظ على حياتهم أيضاً، فلا شك أن الرغبة في الحياة والحفاظ عليها يهيمن على تفكيري في ظل هذه الأوضاع وأمام هذا التهديد الحقيقي للحياة.

 

لكني أقف أمام نفسي حائراً من سلوكي هذا، أليست هذه الحياة ذاتها التي لطالما تذمرت منها ولعنتها واتعظت من تفاصيلها وكثرة أعبائها، أم أشتكي من قسوتها عليّ وركضي الدائم فيها سعياً لمجاراتها، فما بالي اليوم أتشبث فيها، وأخاف من فقدي إياها؟؟ ملتزماً بكل ما يطلب مني عن رضى وطيب خاطر للبقاء فيها... يبدو أنني لم أكن جاداً في كرهي لها، كنت أعرف أن هناك حباً زائف ويبدو الأن أن هناك كرها زائفاً أيضا، يبدو أن زيف المشاعر قد طال أعمق مشاعري أصالة وتجذرا فيّ.

 

بالطبع لا يفوتني هنا أن أشكر كل القائمين على حماية الحياة من أطباء وممرضين وأجهزة أمنية ومسؤولين حكوميين، كم أشعر أني ممتنٌ لهم ومدين لعملهم الدائم وسعيهم لتوفير بيئة أمنة لي أستطيع أن أحيا فيها، مع علمي أن الحياة وإن طالت فإنها إلى زوال، ولكن لا بأس بيوم أخر...

 

أجدني مرتبكا أمام هذا الواقع، فإذا كنت أكنُ هذا الامتنان لمن يمنحني يوماً في هذه الحياة الزائلة، فماذا أكن لمن قدم لي الحياة الدائمة؟ الحياة التي لا يقوى الموت عليها. وإن كان للحياة هذه القيمة وكان تعلقي فيها إلى هذا الحد، فماذا أقول لمن قدم حياته فداء لي؟ وإن كنت أبذل هذا الجهد للحفاظ على حياة زائلة، فما الذي ابذله لأنال الحياة الأزلية؟ هل أتبع تعليمات المخلص لنيل هذه الحياة؟ هل أأخذ توجيهاته على محمل الجد؟ حال أخذي لتعليمات وتوجيهات الأطباء والمسؤولين؟ يبدو أني ابتعدت كثيراً عن بر الأمان وسرت للعمق لكن بالاتجاه الخاطئ.

 

لكن لا بأس، اليوم اسمع صوته، اليوم عيوني ترقب في المصلوب وقلبي يرقب القبر الفارغ وأنا أعلم علم اليقين أن الكلمة الأخيرة كانت للحياة وليست للموت، إن قيامة المسيح هي قيامة للإنسانية جمعاء قيامة تحمل دعوة مفتوحة للحياة، وقد علمنا الطريق ولم يبقى إلا أن نسير عليه. وحررنا الحق ولم يبقى إلا ننطلق به، مجاهرين في شتى البقاع بأن الحياة لي هي مع المسيح.