موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ٢٤ مايو / أيار ٢٠٢٢

ما أجمل الشعور بالسلام بالرغم من الاضطرابات!

بقلم :
مايكل عادل ماركو - المجر
ما أجمل الشعور بالسلام بالرغم من الاضطرابات!

ما أجمل الشعور بالسلام بالرغم من الاضطرابات!

 

"لاَ تَضْطَرِبْ قُلُوبُكُمْ... هذه وصية السيد المسيح التي دونها لنا القديس يوحنا الإنجيلي في بداية اصحاحه الـ14، وفي العدد 27 يشاركنا أحد عطايا السيد المسيح "سَلاَمًا أَتْرُكُ لَكُمْ. سَلاَمِي أُعْطِيكُمْ. لَيْسَ كَمَا يُعْطِي الْعَالَمُ أُعْطِيكُمْ أَنَا. لاَ تَضْطَرِبْ قُلُوبُكُمْ وَلاَ تَرْهَبْ". فما أجمل هذه العبارات التي تطمئني قلوبنا وتدخل السلام لنا.

 

ما هو السلام؟

 

حسب التعريف اللغوي في اللغة العربية هو "الهُدُوءُ والسِّلْمُ وَالطُّمَأْنِينَةُ وَعَدَمُ اللُّجُوءِ إلَى الحَرْبِ" ربما يصف هذا التعريف الأجواء الخارجية من هدوء وطمأنينة خارجية لعدم وجود حروب، ولكن في اللغة اليونانية السلام: Eriny (ايريني) يعني الانسجام الداخلي والهدوء من حرب او نزاع.

 

والسلام الداخلي أو سلام القلب في المسيحية هو ثمرة من ثمار الروح القدس وتطويبه من تطويبات السيد المسيح. كما أن السلام أحد عطايا السيد المسيح لأتباعه أثناء حياته على الأرض كما ذكرنا في البداية. وهذا السلام لا يعتمد على العوامل الخارجية إنما على إيماننا بالسيد المسيح وعلى أن الله خالق الكون وبما فيه معنا ونحن أبنائه. فالسلام الداخلي مبني على إيمان، والإيمان ليس من الأشياء البديهية والسهلة إنما عملية حياتية مستمرة للتعمق في أعمال الله الخالق وفي حب ابنه يسوع المسيح.

 

للحصول على السلام الداخلي يجب الاتصال مع مصدر السلام الداخلي، ومصدر سلامنا الداخلي هو خالقنا. عندما تتلامس أرواحنا مع روح الخالق يتم الامتلاء من جديد بالسلام والقوة الداخلية التي تساعدنا على العيش بسلام في وسط اضطرابات العالم. وما أكثر هذه الاضطرابات التي تقلقنا. بجانب أخبار الأوبة تخيفنا أخبار حروب وتقلقنا الازمات الاقتصاديّة التي تأثر على كل جميع الدول.

 

سبب نقص السلام في العالم

 

في رأي بدون سلام داخلي حقيقي لا يوجد سلام خارجي حقيقي، وحقًا ما يفتقده عالمنا اليوم هو السلام الداخلي، وعالمنا يفتقد ليس للسلام الداخلي فحسب إنما لقيم عديدة أصبحت مهددة بالانقراض. والسبب يرجع لصعوبتها. فعالمنا يدفنا ويسير بنا إلى كل ما هو سهل ولا يحتاج إلى العناء، بينما السلام الداخلي والقيم الأخلاقية صعبة المنال تحتاج إلى الكثير من الوقت والمجهود لاقتنائها.

 

دعوني أشارككم خبرتي كمربي وأستاذ جامعي، إنني ألاحظ أن وأغلب من يعملون في مجال التربية والتعليم بأن الجيل الجديد يهرب من كل ما يحمل صعوبة، والبحث عن أسهل الطرق لتحقيق ما يرغب.

 

بالرغم من أن الصعوبات تخلق فينا شخصيات قوية مرت بأوقات أثقلت فينا خبرات فلن تمحى بعواصف بسيطة تهب علينا، إلا أن الاستسهال هذه الحالة العابرة التي تمر علينا بدون ترك أية خبرة تثقل شخصيات. ولا أهدف بأن نكرس العذاب والصعوبات إنما أشارككم جانب تربوي هام يظهر بوضوح في شخصياتنا الحالية.

 

فمثل "الطفل المدلل" الذي تلبي له أسرته جميع احتياجاته والذي لم يترب على القيم، هو نفسه الشاب المراهق الذي لا تستطيع أسرته التعامل معه ولا يسمع لهم كلمة واحدة. بينما "الطفل الطبيعي" الذي تَشَربَ بالقيم الأسريّة والذي عرف قيمة المقدم له هو هذا الشاب الذي يحاول مساعدة أسرته والتخفيف من أحمالهم الحياتية.

 

إذا السلام هو عملية تربوية تنضح معنا خلال مراحل حياتنا المختلفة، ينمو سلامنا من خلال إيماننا بخالقنا والإبقاء على التواصل معه باستمرار بالرغم من كل الظروف الحياتية.

 

ولا أخفي عليكم بأن هذه العملية صعبة وليست من الأمور التي يمكن أن نحصل عليها بالاستسهال، ولكن بالرغم من صعوباتها إلا أنها تثقل شخصيتنا بالنمو والنضج الروحي والشعور بالسلام في وسط اضطرابات عالمنا.

 

فما أجمل من النمو والنضج على قيم جميلة!

 

ما أجمل أن نؤمن بالسلام الإلهي الذي يفوق كل عقل!

 

ما أجمل من أن تحمل شخصيتنا قيم لا تمحى بالمشاكل العابرة!

 

وما أجمل الشعور بالسلام الداخلي بالرغم من كل ما يدور حولنا!

 

ساعدنا يا رب السلام أن ننعم بالسلام الداخلي، لكون سفراء للسلام في عالم يحتاج إلى سلام حقيقي.