موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
تم انتخاب الكاردينال خورخي ماريو بيرجوليو، البابا الـ266 للكنيسة الكاثوليكية في 13 آذار مارس 2013، واختار هذا الكاردينال اسم "فرنسيس"، ليصير حبرًا أعظمًا للكنيسة في وقت مليء بالتحديات والتوترات في العلاقات بين دولة الفاتيكان والدولة العربية والاسلامية والتي تجمدت بسبب تصريحات أسيء فهمها للبابا السابق بندكتس السادس عشر، وساهم الإعلام المغرض في توسيع هذه الفجوة بين الفاتيكان والعالم العربي.
فلسفة البابا فرنسيس
إنّ اختيار البابا الجديد ذات الاصول الأرجنتينية لاسم فرنسيس تكمن منهجيته في عيش التقشف والفقر كالقديس فرنسيس الأسيزي الذي حمل اسمه، وظهرت فلسفته في محاولة إعادة تقوية العلاقات التاريخية الطيبة وبناء جسور التواصل بين الأديان الابراهيميّة عامة، وبين الكنيسة الكاثوليكية والعالم العربي والدين الإسلامي خاصة.
وأظهر البابا تعاطفه وتفاعله مع أحداث كثيرة حدثت في الدول العربية. وأظهر استعداده لزيارات بعض البلدان العربية في ظروف لم يتخيل أحد أن يجرأ هذا البابا البالغ من العمر 85 عامًا بأن يقوم بهذه الزيارات بكل شجاعة حاملا المحبة والتضامن لهذه الدول يذهب إليهم شخصيًا ليقول "أنا معكم هنا والآن".
لقد كان بإمكانه إرسال رسائل تضامن مكتوبة وتشجيعية من مقره بالفاتيكان، ولكنه اختار الطريق الأصعب وهو الطريق العملي، ولم تعوقه المخاطر من تحقيق أهدافه واستكمال رسالة مثاله الأعلى القديس فرنسيس الذي جاء إلى مصر منذ 800 سنة والتقى مع السلطان الأيوبي الكامل محمد بن العادل الأيوبي، ولقد نجح حينها في بناء جسور التواصل مع العالم العربي والاسلامي من مئات السنين في ظروف صعبة.
مسيحيون شرقيون وراء الكواليس
يجدر الإشارة للدور الذي لعبه المسيحيون الشرقيون العاملون بالفاتيكان، وأبرزهم سكرتير البابا الخاص وقتئذ ومترجمه للغة العربية المونسنيور يؤانس لحظي الذي ينتمي للكنيسة القبطية الكاثوليكية. إنّ دور المسيحيين الشرقيين في الفاتيكان هو مهم للغاية، كونهم ولدوا وعاشوا على أراضي شرقية عربية، ويفهمون طبيعة الطابع الشرقي وفكر أصحاب الأديان الأخرى، وأهمية الكلمة والعلاقات الطيبة وبناء جسور التواصل للتعايش السلمي بين اتباع الأديان المختلفة. ومهما درس الشخص الأوروبي المجتمعات الشرقية والعربية، فلا يمكنه أن يلعب هذا الدور الهام الذي لعبه شخص مصري مسيحي قبطي مع باقي المسيحيين الشرقيين بالفاتيكان، في إيصال الخبرات وتقديم النصائح لتحسين العلاقات بين الفاتيكان والعالم العربي. وكان قداسة البابا منفتحًا لهذه الاقتراحات والأفكار.
أول زيارة له للشرق الأوسط
عام 2014 كانت الأرض المقدّسة، الأردن وفلسطين، أولى محطات البابا فرنسيس الأولى بالشرق الأوسط. وكان هدف الزيارة تعزيز العلاقات مع المسيحيين الأرثوذكس في الشرق، وبثّ الأمل في نفوس المسيحيين في المنطقة. وأيضًا لإحياء الذكرى الخمسين للقاء التاريخي في القدس بين البابا بولس السادس والبطريرك أثيناغوراس الأوّل، بطريرك القسطنطينية المسكوني.
تعميق العلاقة مع مؤسسة الأزهر
في عام 2017 على مثال القديس فرنسيس قام البابا فرنسيس بزيارته الرسوليّة لمصر، فمصر أكبر دولة عربية ويوجد بها أكبر وأهم مؤسسة إسلامية. وجاءت هذه الزيارة التاريخية لمصر في أوقات عصيبة كان الوضع الأمني في مصر ليس بأفضل الأحوال، جاء كصديق وأخ يطمئن العالم، ولم يخف وسافر وأعاد علاقات المودة بين مؤسسة الفاتيكان ومؤسسة الأزهر الشريف بلقاءات أخوية مع شيخ الأزهر فضيلة الشيخ الاستاذ الدكتور أحمد الطيب. وبدأت تظهر تأثير هذه العلاقات الطيبة في أرض الواقع بين أتباع الأديان المختلفة. وهكذا انتشرت رسالة التسامح التي يحملها هذا البابا الجديد من مصر لباقي دول العالم العربي.
صفحة جديدة بتاريخ العلاقات مع الدول العربية
في عام 2019 أستكمل البابا فرنسيس رسالته في الدول العربية بزيارته الرسوليّة إلى دولة الإمارات، وكانت أول زيارة لبابا إلى الجزيرة العربيّة، ولفتح صفحة جديدة للحوار بين الأديان وفتح طريق التسامح من خلال" وثيقة الأخوة الإنسانية" ليظهر رغبته الشديدة في استمرار العلاقة مع هذه المنطقة. وفتح ذراعه لتجديد العلاقات والحوار مع الدين الإسلامي. وأشاد البابا بالإمارات، وقال إنها "أرض تحاول أن تكون نموذجا للتعايش والأخوة الإنسانية، ومكانا للقاء الحضارات والثقافات المتنوعة".
وفي نفس العام قام البابا فرنسيس بزيارة رسوليّة للمغرب بعد 34 عاما تقريبًا على زيارة البابا يوحنا بولس الثاني عام 1985، بحثًا عن السلام والأخوة. وكانت من المشاهد التي ميّزت وصول البابا يوحنا بولس الثاني إلى المغرب حينذاك تقبيله الأرض مباشرة بعد نزوله من الطائرة.
إضاءة نور الرجاء بالعراق
في عام 2021 بالرغم من كل أخبار الحروب وصور الدمار التي انتشرت في كل مكان والمخالف من العمليات الانتحارية والتفجيرات بأنحاء البلاد انطلق البابا فرنسيس حاملا شعلة الرجاء لبلد كادت الحرب والخراب تفقد شعبها الأمل. ندد وناشد لإعادة السلام لهذه البلد العريقة بتاريخها وشعبها. ثبّت المسيحيين وشجعهم على البقاء في هذه الأرض العريقة، وشجّع على الحوار بين أطياف المتجمع.
من أقدم كنيسة كاثوليكية في الخليج العربي
وفي عام 2022 توجه البابا فرنسيس من جديد لدولة عربية وفي الخليج العربي، بالرغم من حالته الصحية وآلام ركبته التي منعته من الوقوف والسير. ذهب ليشدد على دور الأديان في دعم السلام ونزع السلاح، ويظهر تسامح البحرين بتعايش اتباع الدين المسيحي على أراضيها فتختلف البحرين في أن بها مواطنين مسيحيين وليس فقط من الوافدين. فعددهم في البحرين نحو ألف حسب تقرير لوكالة الأخبار البريطانية بي بي سي. واختتم زيارته الرسولية في أقدم كنيسة كاثوليكية في منطقة الخليج العربي حيث بنيت عام 1939.
ولقد صعدت صلوات مسكونية من جزيرة العرب، وأقيم القداس الإلهي على أرض عربية، في رسالة لكل العالم بأن التعايش ممكنًا والتسامح حاضرًا في الدول العربية التي أحبها البابا فرنسيس بإخلاص. وفي نهاية الزيارة وجّه بابا الفاتيكان الشكر للملك حمد بن عيسى آل خليفة على "الضيافة الاستثنائية".
بابوات الفاتيكان والإسلام
كما يقوم به الآن رأس الكنيسة الكاثوليكية البابا فرنسيس هو استكمال لخطوات بدأها البابا بيوس الثاني عشر الذي مد جسور التواصل مع العالم الإسلامي، واستكمل هذا النهج البابا يوحنا الثالث والعشرون الذي نعته المسلمون بالبابا الطيب وقتذاك.
إنّ الوثائق تؤكد بأن الكنيسة الكاثوليكية بدأت في بناء جسور التواصل مع الدين الإسلامي والعالم العربي منذ المجمع الفاتيكان الثاني منذ أكثر من 60 سنة، ونجد وثيقة "في عصرنا" NOSTRA AETATE التي تعد من أهم الدوافع للبابا فرنسيس لبناء جسور الحوار للحوار مع الدين الإسلامي. كما كتب المؤلف هاينز يواكيم فيشر كتابًا بعنوان "بين روما ومكة... البابوات والإسلام" يظهر تفصيل العلاقات بين الكنيسة الكاثوليكية والإسلام، يمكن التعمق في تاريخ هذه العلاقات بالمراجع المشار إليها.
الدور الجوهري للبابا فرنسيس
من خلال كل ما سبق يظهر الدور الذي قام به البابا فرنسيس وإصراره على كسر حواجز وأفكار عرقلت تقدم العلاقات بين الكنيسة الكاثوليك والعالم العربي. وتظهر رغبة الحبر الأعظم الشديدة لإعادة العلاقات بقوة مع الدول العربية عامة والدين الاسلامي خاصة. وهذا الدور الجوهري جاء في وقت عصيب وصعب للغاية، احتاجه العصر الحديث، وبالفعل أدخل البابا فرنسيس الفاتيكان والعالم العربي في حقبة جديدة تمتاز بالود والاخوة والقرب والمحبة وفهم الآخر. لقد اتخذ من القديس فرنسيس قدوة ومثال فنجاح في السير على نهجه واعادة ازدهار العلاقات الطيبة بين الفاتيكان والدين الإسلامي والدول العربية.
أيها البابا حامل السلام والمودة، نشكرك على زياراتك وقربك وحضورك في وسطنا بالدول العربية التي نعتز باننا جزء منها. أيها البابا يا من حملت اسم القديس فرنسيس، نصلي لشفعيك ليقوك ويساعدك لاستكمال رسالتكم النبيلة. يا قديس فرنسيس نطلب منك انت تمنح البابا فرنسيس القوة والحكمة ليستكمل نهجك ليكون جسر تواصل وسلام مع العالم العربي.