موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ٢٣ يناير / كانون الثاني ٢٠٢٤

لن يُعطى لكم سوى آية يونان

بقلم :
المطران كريكور كوسا - مصر
لن يُعطى لكم سوى آية يونان

لن يُعطى لكم سوى آية يونان

 

نعيش هذه الأيام صوم يونان النبي الذي يسبق بثلاثة اسابيع، الصوم الاربعيني الكبير، إستعداداً للأيام المقدسة التي صامها الرب يسوع قبل الآمه وموتهِ. ونجد في يونان النبي إشارة واضحة للمسيح وما حدث له، وما عاناه من الآلام لإتمام الفداء للبشرية جمعاء.

 

يونان اسم عبري معناه: "حمامة" وهو أبن أَمِتَّايَ وأحد أنبياء أسرائيل وكان من مدينة "جت حافر"، بجوار الناصرة من منطقة الجليل، يقال أنه إبن أرملة صرفة الذي أقامه أيليا النبي  من الموت فى سبط  زبولون (سفر الملوك الثاني ١٤: ٢٥)، مات  سنة ٩٠٠ قبل الميلاد.

 

عندما نتأمل في أحداث يونان النبي الذى آمره الرب لمنادة أهل نينوى للتوبة، نرى أنه كان رمزاً لموت وقيامة يسوع المسيح مخلص الجنس البشري كله بدون استثناء. ولا بد أن ندرك أن يونان شابه يسوع فى أحداث معينة، وأن تلك الأحداث توضح حقيقة ما أشار اليه الكتاب المقدس في العهد القديم نبؤات عن مجيء السيد المسيح وما يحدث له. وقد أشار المسيح عن أن قصة يونان حقيقية مؤكدة حين قال: "جيلٌ فاسدٌ فاسق يُطالبُ بآيةٍ ولن يُعطى سوى آيةِ  يونان" (متى ١٦: ٤).

 

ما الفرق بين يونان والمسيح يسوع؟

 

١- يونان وسط أضطراب البحر نزل إلى قاع السفينة ونام نوم عميق وأيقظه ملاح السفينة وأثناء رميه في البحر أنكشف آمره فهدأ البحر، والسيد المسيح أخذ مع تلأميذه سفينة، وإذا البحر قد اضطرب اضطراباً شديداً حتى كادت الامواج تغمر السفينة، وأَمَّا يسوع فكان نائماً. فأيقظه التلاميذ ولما قام زجر الرياح والبحر، فحدث هدوء تام (متى ٨ : ٢٣-٢٦).

 

٢ -يونان كمذنب  وقف أمام الرجال فى السفينة و قالوا له "أخبرنا بسبب من أصابنا هذا الشر. ما عملك ومن أين جئتَ وما أرضُكَ ومن أي شعبٍ أنت؟ (سفر يونان الفصل الأول)، وهكذا وقف المسيح أمام بيلاطس البنطي كمتهم برىء عندما سأله: من أين أنت؟ (يوحنا ١٩: ٩).

 

٣ -جدف الملاحون ليرجعوا بالسفينة قبل أن ينفذّوا الحكم على يونان فلم يستطيعوا، وأيضاً بيلأطس البنطي حاول مع الكهنة وشيوخ اليهود لينقذ المسيح من الصلب لأنه كان مقتنعاً ببرأته فلم يستطع.

 

٤ -طُرح يونان إلي البحر فوقف عن هيجانه، وصلب المسيح فأخذ المارة يشتمونه فاستراح رؤساء الكهنة وأستهأزهوا  به (مرقس ١٥: ٢٩–٣٢).

 

٥ -طرح يونان إلي البحر فنزل مصلياً، وصلب المسيح فنزل إلى أعماق الهاوية (رومة ١٠: ٧).

 

٦ -استغرقت صلأة يونان  فصلاً كاملاً (سفر يونان الفصل الثاني) وأستغرقت صلأة الرب يسوع أيضاً فصلاً كاملاً (يوحنا ١٧).

 

٧ -أبتلع الحوت يونان مع ذلك ظل حياً ثلاثة أيام وثلاثة ليال وذاق الرب يسوع الموت بالجسد لكن لم ينل منه لأنه هو القيامة والحياة، ووضع في القبر ثلاثة أيام وثلاثة ليال كان فيه حياً، لأنه الله الحي الذى لا يموت .

 

٨ -خرج يونان من بطن الحوت حياً وقام الرب يسوع المسيح من بين الأموات حياً واعطى كل من يؤمن به الحياة الأبدية.

 

 

الخلاصة

 

إن الكنيسة ترى في قصة يونان رمزاً لموت المسيح وقيامته من بين الأموات في اليوم الثالث وهذا هو سر تسمية صوم أهل نينوى بصوم يونان، ونسمي هذا الصوم بفصح يونان، لأن الكنيسة ترى في هذا الصوم ليس مجرد فضيلة توبة وتذلل واسترحام واستغفار، ولكنها تعده فضلاً عن هذا، رمزاً لموت المسيح وقيامته، فبالمسيح عبر بنا من عبودية الفساد إلى حرية مجد أبناء الله "لأن الخليقة ستُحرَّر من عبودية الفساد لتُشارك أبناء الله في حريتهم ومجدهم" (رومة ٨ : ٢١).

 

يونان النبي كان في جوف الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال، أرسله الرب الإله إلى رجال نينوى ليتوبوا فتابوا، وكذلك يسوع بعد أن بشّرَ وعلَّم وشفى المرضى، وأطعم الجياع، وتعذب وتلم وصُلب ودُفن وقام في اليوم الثالث منتصراً على الموت .

 

نطلب إليك أيها الرّبّ الرحوم، اصنع معنا نحن الخطاة مثل أهل نينوى، وارحمنا كعظيم رحمتك. لأنك أنت إله رحيم كثير الرحمة متحنن وطويل الأناة ومحب البشر. لأنك لا تشاء موت الخاطئ حتى يرجع ويحيى، إقبلنا وارحمنا واغفر لنا خطايانا. نطلُب منك يا يونان النبي، أن تتضرع لإجلنا لدى الرّبّ ليقبل إستعدادنا للصوم الأربعيني ويغفر لنا خطايانا ويؤهلنا لملكوته السماويّ.

 

ليتنا في هذه الأيام المباركة نستعد للصيام الاربعيني، نحيا حياة الصوم والصلاة والتوبة الصادقة، لنقترب من الله ونهرب من شهواتنا وأفكارنا، ونصرخ إليه ونحن في جوف الهلاك، لأنه يحبنا ويريدنا أن نكون "ملح الأرض ونور العالم" (متى ٥: ١٣-١٤) كما أوصانا، فتهدأ الرياح والعواصف ويقف هياجان بحر مكائد وافكار أبليس، التي ومع الأسف، في داخلنا ويرى الكل مجد المسيح فينا "هكذا فليضئ نوركم للناس، ليروا أعمالكم الصالِحة، فيمجدون أباكُمُ الذي في السَّمَوات" (متى ٥: ١٦).