موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ١ أغسطس / آب ٢٠١٤

لسنا ضعاف ولسنا بلا حول ولا قوة

بقلم :
يارا حوراني - الأردن

في الآونة الاخيرة ومع كل ما يحدث حولنا من اضطهاد، وسأركز هنا على اضطهاد المسيحيين، تابعت ردة فعل الكثيرين، من علمانيين ورجال دين وتصريحاتهم وتعليقاتهم على ما يحدث، مما جعل دمي يثور، ورأسي يدور، فقد لبسنا ثوب الضعف والضحية المغلوب على أمرها، وحاولنا بكل ما أوتينا أن نُداهن ونمسح الجوخ ونسرد القصص عن التآخي والمحبة بيننا وبين الديانات الأخرى، وخاصة المسلمين، وأبدعنا بابتكار الصور حول تلاحم الصليب ومأذنة الجامع، الكنيسة والجامع، المسيحي والمسلم، واطلقنا كل ما عندنا من آيات وتعاليم عن المحبة، وأشرنا للآخر باصبعنا وقلنا له: "برغم كل ما تفعل نحن نحبك"..؟!!! لست ضد هذا كله، ولا أقول انه غير صحيح، بل صحيح مئة بالمئة، فديننا دين محبة وتسامح وإلهنا محبة، ولكننا ألم نُبالغ قليلا؟ لقد أقلقتنا قلة عددنا، محدودية امكانياتنا، أقلقتنا أمور أرضية وتحديات ليس لنا "كبشر" قدرة على مواجهتها، فحاولنا باللسان المعسول، وجذب مشاعر الاخرين نحونا بأننا مُسالمين لأبعد حد، مُحبين، ونحن ضحية.. وهنا أطلب أن نتعقل قليلا، نرجع خطوة للخلف، نفكر بهويتنا وبما جعل المسيحية تستمر إلى الآن برغم كل الاضطهادات التاريخية بحقها وكل حروب الشيطان الأرضية وغير الأرضية، نبحث عن مصدر قوتنا وصمودنا كل هذا الوقت.. ما يسيطر علينا الآن هو خوفنا الأرضي، الذي زرعه الشيطان بلا شك ووجد تربة خصبة لاستقباله مع كل ما يدور من أحداث دامية حولنا، وسرق منا إيماننا، وزعزع أماننا، فأصبحنا نشحد التعاطف، نشحد الأمان، ونطلب من الآخرين أن يحموننا ويدافعو عنا، فنحن مُسالمين ونحبهم ولنا مواقف عديدة بمساعدتهم... ما يسيطر علينا الآن فكرة أننا ضعاف، لا نملك الاسلحة ولا حتى نعرف كيف نُقاتل بها، لا نملك المال لنشتري به أماننا، ولو جمعنا كل هذا فعددنا قليل ولا يكفي لمواجهة كل هذا الخطر القادم نحونا.. ماذا غفلنا هنا؟ وماذا حجبَ عنا كل ما يحصل حولنا لكي لا نراه؟ هل أُجيب أنا أم تجيبون أنتم؟ نحن لسنا بضعاف، ولسنا ضحية، وإن كان عددنا قليل فهناك جيش بالسماء مستعد للدفاع معنا وعنا، أقوياء بقوة الصليب، مُحبين نعم ولكن لا نسكت عن الحق والعدل، لسنا مُداهنين ولسنا ماسحي جوخ، هذه أرضنا، كنا هنا قبلا، وكنا الأكثرية، نحن من نهضنا بهذه البلاد، ومن أدخل العلم والطب وفتح المدارس والمستشفيات من خلال بعثات الكهنة والراهبات، ونحن من تاجرنا وابتكرنا المهن اليدوية والفن العريق. وبالحديث عن الأرض، برأيي الشخصي، الله غير مربوط بأرض، إيماننا غير مربوط بأرض، وواجبي أن احمي نفسي واحمي عائلتي، وإن استدعى ذلك أن أسعى إليه خارج بلدي، نعم، مؤلم جدا أن أترك بيتي وذكرياتي وبلدي، الذين هم هويتي وكياني، ولكن هويتي الحقيقية وكياني الحقيقي هم مسيحيتي، فيجب أن أبحث عنهم واتمسك بهم وليس بغيرهم. ما تكونوا ضعاف، ما تكونوا ضحية، نحن أقوياء منتصرين بقوة الصليب ولن يدعنا الرب نفنى، ولكن علينا التمسك به ونحارب معه ضد الحرب العالمية ضده وضد أبناءه.. نضع أيدينا بيديه ونسير معا ثابتين شامخين رؤوسنا بالسماء بشموخ الصليب، نسمعه يهمس لنا: سلامي لكم.. سلامي أعطيكم. وليعرف الجميع، وإن كانت لنا قوة الاسلحة والمال والعدد، لن نعتدي ولن نتجبر، بل سنُحب ونُحب أكثر، فمحبتنا بالقوة كما هي في الضعف، والتاريخ يشهد لنا، قوتنا بمحبتنا... "بك أتعلق وبك أكتفي، بين يديك أختفي وأرتمي، أريد أن أحبك كطفل صغير، أريد أن أناضل كجندي قدير" (القديسة تيريزا الطفل يسوع)