موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
في هذا الشرق المتألم منذ عقود، حيث تفوح رائحة الياسمين الشامي الملطخ بالدماء، وتختلط مياه دجلة بالدماء، حيث أصبح للموت ثقافة وللحزن طقوس، أستغرب كيف لا يزال الإنسان يستقر أو يسكن هذه البقعة الجغرافية من الوجع؟ كيف يرغب الإنسان بتأسيس عائلة. كيف يُبنى الطموح؟ وترسم الابتسامة على الوجوه؟
في هذا الشرق، حيث الموت بضاعة رخيصة الثمن، كل شيء مستهدف، الشجر والحجر والبشر، فالشجر يُحرق، والحجر يُهدم، والبشر يُهجر او يُقتل. أي قوةٍ يحملها الانسان بداخلة تمده على الصمود؟ أي دافعٍ يحركه نحو الحياة؟
أستصعب الإجابة، أستكبر السؤال على نفسي، فأنوء بوجهي عن هذا الواقع، وألتفت إلى ذاتي مقررًا الاكتفاء بمشاكلي وتحدياتي، والتي أجد أنها لا تقل عن تشوهات ومرارة واقعي، حيث أستطيع أن أقول بأني اختبرت كل تجلياته من وجع وحزن وفراق، كما أجد أيضًا أن مشاكلي لا تقل عن مشاكل غيري، فكلٌ منا على اختلافاتنا يخوض معركته الخاصة، فالهم زائرٌ ثقيل الظل يأتي دون أستاذان.
ومع هذا أجد أني كغيري أيضًا لا زلت قادرًا على البقاء والعطاء، لا زلت أشعر بنوع من الأمل أو الرجاء، نعم إنه الرجاء ذلك المفهوم المحوري في المسيحية والذي من خلاله وبفضله تتعلق قلوبنا قبل عيوننا بات أفضل، إنه الرجاء الممزوج بالثقة والإيمان. وفي حضرت هذه الجرعة من الرجاء أشتمّ لا بل أهيم برائحة البخور، وأتساءل كيف لا يزال الشرق يحرق البخور مع كل ما فيه من ويلات؟ كيف يخرج منه قديسين؟ ومن حيث لا أدري يحضرني اسم يطغى على كل تساؤلاتي، لا أعلم كيف ظهر في بالي أو كيف هيمن على تفكيري، ولربما تأملي أيضًا، اسم شخصية استثنائية بكل المعاير، أنها مريم العذراء.
كان حبل مريم العذراء حدثًا كفيلاً بأن يقضي عليها وأن يدفعها للانهيار، إذ كيف تحبل عذراء؟ في هذا المجتمع اليهودي المتزمّت تواجه هذه الصبية أصعب ما يمكن أن تواجهه المرأة، إنها حُبلى وهي عذراء، ماذا تقول لخطيبها الصّديِق؟ ماذا تقول للجيران؟ كيف ستواجه المجتمع؟ كيف ستخرج لجلب الماء؟ يا إلهي أيُّ واقعٍ تعيشه هذه الصبية العذراء؟
لا أعلم كيف تجسد عندي وجع الشرق كله في مريم، ماذا ثار بداخلها حين بشرها الملاك بحَملها أم حِملها؟ لا أعلم أيهما كان وقع حضوره عليها أكبر. أهو حَمل أو حِملٌ؟ ماذا قالت؟ ماذا فعلت؟ كيف يكون هذا؟ (لو1: 34) وبقدر اتساع السؤال، كان عمق الإجابة، الروح القدس يحل عليكِ (لو1: 35).
أنا أيضًا، الروح القدس يحلُ عليَّ، يقويني، يعزيني، ويعضد يميني. الروح القدس يعمل فيَّ وفي حياتي، يضللني وينير دربي، أيقنت عندها أن حالي كحال غيري، ممن يحملون ثقة ما أو رجاء ما بداخلهم، رجاء يمثل جسر عبور ينقلني من ضعفي وبؤسي إلى قوتي وسعادتي، ويغير الأحوال والأشياء من حولي. نعم، أنه الروح القدس، كان الجواب للعذراء على كيف يكون هذا؟ وهو الجواب لي، على كيف يكون هذا؟