موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ٥ مارس / آذار ٢٠٢٠

فلربما تثمر العام المقبل

بقلم :
د. رامي نفّاع - الأردن
قررت أن اعيد اللون لأوراقي، قررت وأنا في كامل النقصان أن أثمر

قررت أن اعيد اللون لأوراقي، قررت وأنا في كامل النقصان أن أثمر

 

يمتاز عمل المزارع بأنه يحتك بشكل مباشر ودائم مع زرعه، يسقيه ويعتني فيه منذ لحظة زراعته إلى حين قطف ثماره، فيألفها ويعيش معها حتى أن البعض يذهب إلى القول أن علاقة من نوع ما تنشأ بين المزارع وزرعه. وهكذا الإنسان بالنسبة لخالقه الذي أوجده ويعتني به، فالله يرعاني ويرقب نهاري وليلي، بانتظار لحظة نضوجي بالإيمان وبلوغي بالروح.

 

في حقل الحياة أجد نفسي أشبه الشجر، فكلما تغيرت الأحوال والظروف من حولي، استحضرني تغير الطقس وتوالي الفصول على الشجر. فأجد أني لا أشبه الشجر فحسب، بل أجسد في كل مرحلة أمر بها شجرة ما، تختلف باختلاف وعي وطريقة او أسلوب استجابتي للظروف وللمشاكل والتحديات التي تحيط بي. فأكون أحيانا شجرة وافرة الظل والورق ودائمة الخضرا، وأحياناً أكتفي بأن أكون شجرة موسمية أجود بالثمر في ميعاد وأظن به في أخر، وكم من المرات كنت شجرة جرداء لا يرجى منها شيء، وبالمناسبة، إنه لشعور مؤلم أن تكون شجرة جرداء لا تطرح ثمرا ولا يرجى منك شيء، أن تستسلم لوهن الحياة وضعف الإرادة ولين العزيمة، وأن لا تقوى قدميك على تغير مسار خطواتك نحو التغير.

 

وكما أن المزارع الذي اعب على زرعه يصبر عليه ليطرح غلته، أنا أيضًا ومع كل هذا الجفاف الذي فيّ، فأني في عين الله لا أقدر بثمن، ولا يزال يعمل فيّ وأنا مستلقي على شاطئ عزلتي وصحراء جفافي، وأعيش سنوات العجاف. كم أشبه التينة اليابسة التي تحافظ على صلابة اغصانها وعمق جذورها لتقف راسخة في حقلها تغتال بذاتها حتى وهي خالية الثمر. كذلك أنا حين أتأمل أقوالي وأفعالي أجد اني أغتال بذاتي دون ثمر، فثمرة الإنسان عطاءه لمن حوله فصلاح الإنسان لا يقتصر على ما لديه او ما يقوم به لنفسه فقط، بل يرتبط أيما ارتباط بما يقدمه للآخرين وكيف يسهم في بناء حياتهم وتغيرها نحو الأفضل.

 

حين أجد أن وقت ذبولي قد اقترب وطال زمان جفاف أغصاني وعدم طرح الثمر، أعرف أن وقت استسلام جذوعي للنار قد اقترب أيضاً، إذ ما فائدة الشجرة دون ثمر؟ أليس لهيب النار أولى بها؟ ومع هذا أسمع صوت المزارع يدد "فلربما تثمر في العام المقبل" (لو13: 9)، إنه صوت الحب والصبر والرجاء والثقة، إذا كان المزارع يتمسك بشجرته حتى وهي يابسة ولا تطرح ثمراً، فأتأمل عمل الله في حياتي، التي أجزم أنها كانت بعيدة عنه وخالية من تلمس حضوره، فالله لا يُشغل حيزا من يومي او مساحة تفكيري منذ زمن، لكن، وعلى الرغم من ذلك لا يزال يعطيني الوقت والفرص فلربما أثمر. لا زلت قابلاً للتغير، لا زال الإصلاح ممكناً، فلربما أثمر...

 

اليوم، وانا على عتبات الزمن المقدس، قررت أن أضرب جذوري في الأرض أعمق بحثا عن الماء، قررت أن لا أستسلم للقح والحرق، قررت أن اعيد اللون لأوراقي، قررت وانا في كامل النقصان أن أثمر...