موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ٢ فبراير / شباط ٢٠٢١

فاقبل منّي بعض الشّيء

بقلم :
الأب فارس سرياني - الأردن
قَدّمتَ لي يا ربّ كلّ شيء، فاقبل منّي بعض الشّيء

قَدّمتَ لي يا ربّ كلّ شيء، فاقبل منّي بعض الشّيء

 

 

كَم أعشقُ تَرنيمة ((قَدّمتَ لي يا ربّ كلّ شيء)). وهي بالمناسبة من تلحين الأب يوسف سعادة، رَحمَه الله، أحد كهنة البطريركية الّلاتينية، نَاظِمٌ للتّرانيم والألحان. أُحِبّ كَلِماتِها فهي لَيَسَت كَالكلمات تَلمسني، وأَطرَبُ لِلَحنِها، فَكَأنّ نَغَمَاتِها مُدامٌ يُبهِجُني!

 

اللهُ يا أحبّة، لَم يُقدّم لَنا أيَّ شيء، إنّما قدّم لَنا كلَّ شيء! قدّم لنا ذاتَه! أصبحَ من أجلِنا إنسانًا، وجعل لنا من نفسِه قربانَ خلاص وذبيحةَ فِداء. الله قدّم لنا كلَّ شيء! والبعضُ يبخَلُ على اللهِ بكلِّ شيء! كالقِطَط، آكِلون الخير، ناكرون المعروف!

 

اليوم، في عيدِ تقدمةِ يسوعَ إلى الهيكل، دعونا نَعلو ونسمو عن هيكلِ أورشليم الحجري، والّذي صارَ أَنقاضًا وخرابًا. وَلنُفكّر قليلًا لِنَرى مَا ومَن هو الهيكلُ الحقيقي، الهيكل الّذي إليه يُقرَّب ويُقدَّم المسيح!

 

هذا الهيكل يا عزيزي هو أنت! أنتَ هو الهيكل، نحنُ هياكلُ الله الحي، نحنُ هياكل يريدُ الله أن يسكنَها، وأن يجعلَ له فيها مُقامًا ومُستقرًّا. أَوَما تذكرون كلماتِ بولس الرّسول إلى أهل قورنتوس، يقول: "أمَا تَعلمونَ أنّكم هيكلُ الله، وأنّ روحَ الله حالٌّ فيكم؟ لأنَّ هيكلَ الله مُقدّس، وهذا الهيكل هو أنتم" (1قورنتوس 16:3-17).

 

نعم يا أحبّة، هيكلُ الله هو كلُّ واحدٍ منّا! ودعوتُنا أن نكونَ هياكلَ مُقدّسة، شريفة، طاهرة، نقيّة، عفيفة. هياكل يملؤها حضورُ الله ومجدُه، يملؤها روح الله، الرّوح الّذي بهِ نُنادي: "أبّا، أيّها الآب" (رومة 15:8). دعوتُنا ألّا نكونَ كَهَيكل أورشليم، الّذي كان مملوءًا مِنَ الخبثِ والفَساد، بل مغارةَ لصوص، وها هو قد أَمسى أطلًالًا يبكي العُميان على حجارتِه.

 

أمّا نحن فَهَيكلُنا حي، لأنّ الّذي يسكنُه حي، الله الحيّ! هيكلُنا حي، لأنَّنا أحياء في الله الّذي يسكُننا ويملؤنا. هَيكلُنا حي لأنّ أحدًا يستطيع أن يهدِمَنا أو يهلِكَنا، فَمن كانَ اللهُ فيه يظلُّ ويَبقى "يسقُطُ عن جانبِكَ ألفٌ، وعَن يمينِكَ عشرةُ آلاف، ولا شيء يُصيبُكَ" (مزمور 7:91)

 

قَدّمتَ لي يا ربّ كلّ شيء، فَاقبَل مِنّي بعضَ الشّيء! اِقبل منّي حياتي بكلِّ ما فيها، بكلّ تَفاصيلِها وبكلّ أَحداثِها، بكلّ أحمالِها وبكلّ أثقالِها، بكّل أتعابِها وبكلّ مَشقّاتِها، بكلّ أفراحِها وبكلّ مَسرّاتِها، بكلِّ أتراحِها وبكلِّ مُنغّصاتِها، بكلِّ ضَحكاتِها وبكلِّ ابتساماتِها، وبكلِّ كآبتِها وبكلّ دُموعِها وآهاتِها.

 

اقبل حياتي يا رب، بكلِّ سيوف الحزن الّتي تنفَذ في قلبي من الحاضِرِ قبلَ الغائِب، بكلّ طَعنة اتَلقّاها من القريبِ قبل الغريب. بكلِّ غَصِّةِ قلب، وحُرقَة عين، وضيق صدر، وسوءِ حال. فإن كنت أنتَ المعلّم والرّب، صاحبَ العزّة والقدرة والجلال، آيةً مُعرّضةً للرّفضِ، فَمَن أنا لِكَي أَلقَى القبول والرّضى؟!

 

 

 

يَنظم البابا شنوده الرّاحل، قصيدة يقول فيها:

 

 

 

ما حياتي؟ كيفَ صِرتُ                         مَاذا أَحكي؟ لَستُ أَدرِي

 

كُنتُ طِفلًا صِرتُ كَهلًا                       كَيفَ مَدَّ اللهُ عُمري

 

كَيفَ قَادَ اللهُ خَطوي                         وَتَولّى اللهُ أَمري

 

مُنذُ أَن كُنتُ صَبيًّا                             وَإلى أَن شَابَ شَعري

 

لَستُ أَدري كَيفَ صِرتُ                       كَيفَ قَادَ اللهُ سَيري

 

أَنا مِنكَ وَإليكَ                                 لَكَ قَد فَوّضتُ أَمري

 

هَا حَياتي في يَدَيكَ                             هَاكَ قَلبي هَاكَ فِكري

 

أَنت مَن يُفرّحُ قَلبي                             أَنتَ مَن يُثلِجُ صَدري

 

أَنتَ عَوني أَنتَ حِصني                         أَنتَ مَجدي أَنتَ فخري