موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ٣ يوليو / تموز ٢٠٢٤

عيد مولد القديس يوحنا المعمدان

بقلم :
الأب بطرس جنحو - الأردن
أما أنت أيها السابق فتكفيك شهادة الرب

أما أنت أيها السابق فتكفيك شهادة الرب

 

الرِّسالَة

 

رتلوا لالهنا رتلو

يا جميع الأمم صفّقوا بالأيادي

 

فصل من رسالة القديس بولس الرسول الى اهل رومية (رومية 13: 11-14، 14: 1-4)

 

يا إخوةُ، إنَّ خلاصَنا الآنَ أقربُ ممَّا كانَ حينَ آمنَّا. قد تَناهى الليلُ واقترَبَ النهارُ، فَلندَعْ عنَّا أعمالَ الظُلمةِ ونلبَسْ أسلِحَةَ النور. لنسلُكَنَّ سُلوكاً لائِقاً كما في النهار لا بالقُصوفِ والسّكرِ ولا بالمَضَاجِع والعهَر ولا بالخِصَامِ والحَسد، بل اِلبَسُوا الرّبَّ يسوعَ المسيح ولا تهتّموا بأجسادِكم لقَضاءِ شَهَواتِها. مَن كانَ ضَعيفاً في الإيمان فاتَّخِذوهُ بغير مبَاحَثةٍ في الآراء. مِنَ الناس مَن يعتَقدُ أنَّ لهُ أن يأكُلَ كُلَّ شيء، أمَّا الضَّعيفُ فيأكُل بُقولاً. فلا يزدَرِ الذي يأكُلُ من لا يأكُل ولا يدِنِ الذي لا يأكُلُ من يأكلُ فإنَّ الله قَدِ اتخَّدهُ. من أنتَ يا من تَديِنُ عَبداً أجنَبِيًّا؟ إنَّهُ لمِولاهُ يثبُتُ أو يَسقُطُ. لَكِنَّهُ سيُثبَّتُ لأنَّ اللهَ قادِرٌ على أن يُثَبِّتَهُ.

 

 

الإنجيل

 

فصل من بشارة القديس لوقا (لوقا 1:1-25 و57-67 و76 و80)

 

اذ كان كثيرون قد اخذوا في تأليف قصص الأمور المتيقنة عندنا، كما سلّمها إلينا الذين كانوا معاينين منذ البدء وخُداما لها، رأيت أنا أيضا وقد تتبعتُ جميع الأشياء من الأول بتدقيق أن أكتبها لك على الترتيب ايـها العـزيز ثـاوفيـلس، لتـعرف صحة الكلام الذي وُعظتَ به. كان في ايام هيرودس ملك اليهودية كاهن اسمه زخريا من فرقة أبيّا وامرأته من بنات هرون اسمها أليـصابات. وكانـا كلاهـما بـارّيـن امـام الله سائـريـن في جميع وصايا الرب وأحكامه بغيـر لـوم. ولم يكـن لهما ولدٌ لان أليصابات كانت عاقرا، وكانا كلاهما قد تقدّما في ايامهما. وبينما كان يَكهن في نوبة فرقته امام الله، اصابته القرعة على عادة الكهنوت أن يدخل هيكل الرب ويبخر. وكان كل جمهور الشعب يصلي خارجًا في وقت التبخير. فتراءى له ملاك الرب واقفا عن يمين مذبح البخور، فاضطرب زخريا حين رآه ووقع عليه خوف. فقال له الملاك: لا تخف يا زخريا، فإن طلبتك قد استُجيبت، وامرأتك اليصابات ستلد لك ابنًا فتسمّيه يوحنا، ويكون لك فرح وابتهاج ويفرح كثيرون بمولده، لانه يكون عظيمًا امام الرب ولا يشرب خمرًا ولا مسكرًا، ويمتلئ من الروح القدس وهو في بطن امه بعد، ويردّ كثيرين من بني اسرائيل الى الرب إلههم، وهو يتقدم امامه بروح ايليا وقوّته ليرد قلوب الآباء الى الابناء والعصاة الى حكمة الأبرار ويهيء للرب شعبًا مستعدًا. فقال زخريا للملاك: بمَ أعلم هذا، فاني انا شيخ، وامرأتي قد تقدمت في ايامها. فاجاب الملاك وقال: انا جبرائيل الواقف امام الله وقد أُرسلتُ لأُكلمك وأبشرك بهذا، وها انك تكون صامتا فلا تستطيع ان تتكلم الى يوم يكون هذا، لانك لم تصدق كلامي الذي سيتم في اوانه. وكان الشعب منتظرين زخريا متعجبين من إبطائه في الهيكل. فلما خرج لم يستطع ان يكلّمهم، فعلِموا انه قد رأى رؤيا في الهيكل، وكان يُشير اليهم وبقي أبكم. ولما تمت ايام خدمته مضى الى بيته. ومن بعد تلك الايام حبلت أليصابات امرأته فاختبأت خمسة اشهر قائلة: هكذا صنع بي الرب في الايام التي نظر اليّ فيها ليصرف عني العار بين الناس. ولما تم زمان وضعها، ولدت ابنا فسمع جيرانها واقاربها ان الرب قد عظّم رحمته لها ففرحوا معها. وفي اليوم الثامن جاءوا ليختنوا الصبي فدعوه باسم ابيه زخريا. فاجابت امه قائلة: كلا لكنه يُدعى يوحنـا. فقـالـوا: ليس احد في عشيرتك يُدعى بهذا الاسم. ثـم اومـأوا الى ابيـه ماذا يـريد ان يُسمى. فطلب لوحا وكتب فيه قائلا: اسمه يوحنا، فتعجبوا كلهم وفي الحال انفتح فمه ولسانه وتكلم مباركا الله. فوقع خوفٌ على جميع جيرانهم وتُحدّث بهذه الامور كلها في جميع جبال اليهودية. وكان كل من يسمع بذلك يحفظه في قلبه ويقول: ما عسى ان يكون هذا الصبـي؟ وكانـت يـد الـرب معـه. فامتـلأ أبـوه زخـريـا مـن الروح القدس وتنبأ قائلا: مبارك الرب اله اسرائيل لانه افتقد وصنع فداء لشـعبه. وأنـت ايـها الصبي نـبـي العـلـي تـُـدعى لانك تـسبـق امام وجــه الرب لتُــعِدّ طـرقـه. امـا الصبي فكان ينمو ويتقوى بالروح، وكان في البراري الى يوم ظهوره لاسرائيل.

 

 

بسم الأب والأبن والروح القدس الإله الواحد أمين.

 

يروي الإصحاح الأوّل من إنجيل لوقا خبر ميلاد النبيّ يوحنّا المعمدان. يعتبر النبي السابق علامة بارزة وفي نفس الوقت جسرًا بين العهدين القديم والجديد. وكان آخر نبي يعلن مجيء يسوع المسيح. وهو الوحيد من الأنبياء الذي ان له الفضل في لقاء المسيح بعد أن عاش في زمانه.

 

والداه هما زكريا الكاهن وأليصابات. كلاهما من سبط لاوي .زكريا من فرقة أبيّا وأليصابات من بنات هرون ونسيبة والدة الإله. فرقة أبيّا هي الثامنة من الفرق الكهنوتيّة الأربع والعشرين التي توّلت خدمة الهيكل بالتناوب، أسبوعاً لكل فرقة. كان زكريا وأليصابات بارّين أمام الله. لكنْ لم تكن لهما ذريّة لأنّ أليصابات كانت عاقرًا. وتقدّمت بهما الأيّام. رغم ذلك لم يكفّ زكريا عن الطلب إلى الله، لإيمانه برحمة وتعطّف الله وكثرة عطاياه. فبينما كان زكريا يقوم بأداء الخدمة في نوبة فرقته أمام الله في الهيكل، على حسب عادة الكهنوت، أصابته القرعة أن يدخل إلى هيكل الربّ ويبخّر. وقف أمام مذبح البخور محجوبًا عن أعين جمهور الشعب وهم يصلّون خارجًا وقت البخور. في تلك اللحظات تراءى له ملاك الربّ واقفًا عن يمين المذبح. اضطرب زكريا لمرأى الملاك ووقع عليه خوف. لكن الملاك طمأنّه: "لا تخف يا زكريا لأنّ طلبتك قد سُمعت وامرأتك أليصابات ستلد ابنًا وتسمّيه يوحنّا". وتابع الملاك فقال لزكريا: "إنّه يكون لك فرح وابتهاج وكثيرون سيفرحون بولادته لأنّه يكون عظيمًا أمام الربّ وخمرًا ومُسكرًا لا يشرب. ومن بطن أمه يمتلئ من الروح القدس. ويرّد كثيرين من بني إسرائيل إلى الربّ إلههم ويتقدّم أمامه بروح إيليا وقوّته ليردّ قلوب الآباء إلى الأبناء والعصاة إلى فكر الأبرار لكي يهيئّ للربّ شعباً مستعداً".

 

شكّ زكريا بكلام الملك فأُخرِس إلى اليوم الذي تحقّق فيه مولد يوحنا. فلمّا تمّت أيام أليصابات ولدت ابناً وسمع جيرانها وأقرباؤها أنّ الربّ عظّم رحمته لها ففرحوا معها. وفي اليوم الثامن جاؤوا ليختتنوا الصبيّ وأرادو أن يسمّوه باسم أبيه زكريا. فأجابت أمّه وقالت لا بل يُسمّى يوحنّا. وبعد جدل أومأوا إلى أبيه ماذا يريد أن يسمّى  فكتب على لوح "اسمه يوحنّا" وللحال انفتح فمه وتكلّم وبارك الله وامتلأ من الروح القدس وتنبأ: إنّ "الصبيّ نبيّ العليّ تُدعى لأنك تتقدّم أمام وجه الربّ لتعدّ طرقه. لتعطي شعبه معرفة الخلاص بمغفرة خطاياهم". وأمّا الصبيّ فكانت يد الربّ معه، وكان ينمو ويتقوّى بالروح وكان في البراري إلى يوم ظهوره لإسرائيل.

 

منذ صغره اعتزل القديس إلى البرية حيث عاش ناسكًا. كان يتغذى مثل الطير على الجراد والعسل. ولهذا السبب تظهره العديد من الصور بأجنحة. وبعد أن قضى الجزء الأكبر من حياته على هذا المنوال، غادر الصحراء واستقر على ضفاف نهر الأردن. وهناك يواصل الكرازة عن مجيء المخلص وفي نفس الوقت يعمد كثيرين من الذين يأتون للاستماع إليه.

 

فذهب إلى الأردن واستقبله المسيح وطلب منه أن يعمده. يعرف القديس من هو أمامه، ويرفض تعميده قائلاً إنه غير مستحق حتى أن يفك سيور حذائه. أخبره يسوع أن هذه هي الطريقة التي يجب أن يتم بها الأمر، ثم عمد القديس يوحنا السابق يسوع المسيح في مياه نهر الأردن. ومع أن القديس نفسه يعتبر نفسه غير مستحق، إلا أن المسيح في حديثه عنه يذكر أنه لم يولد أحد أعظم من القديس يوحنا السابق.

 

بعد المعمودية والوقت الذي تلاها، يُظهر القديس يوحنا يسوع المسيح، قائلاً لمن يستمعون إليه إنه حمل الله الذي يحمل على كتفيه خطايا العالم كله.

 

وفي الوقت نفسه، يواصل التعبير عن معارضته لتصرفات الحاكم هيرودس أنتيباس. هيرودس أنتيباس هو ابن هيرودس الكبير الذي أمر بذبح الأطفال عند ولادة يسوع المسيح. ومن أفعال هيرودس أنتيباس التي استنكرها القديس يوحنا المعمدان، الزنا الذي ارتكبه وهو على علاقة مع زوجة أخيه هيروديا. وكانت هيروديا هي التي دفعت هيرودس إلى سجن القديس. حتى أنه وجد أرضية مناسبة خلال أحد المهرجانات، تمكن من "استبدال" قطع رأس القديس برقصة ابنة سالومي. وهكذا لقي القديس يوحنا السابق ميتة مأساوية وأسلم روحه للرب.

 

ودفن جسد القديس على يد تلاميذه. ودفن رأسه بأمر هيروديا بالقرب من قصر هيرودس في ماهيروندا. وهناك وجده راهبان ظهر لهما القديس يوحنا المعمدان في المنام. فُقد رأس القديس المقدس بعد وفاة الرهبان وتم العثور عليه مرة أخرى في ماهيروندا عندما كان فالنتينيان إمبراطورًا. ولكن مع مرور السنين، فُقد الرأس مرة أخرى، وتم العثور عليه أخيرًا للمرة الثالثة في بلدة كومانا في كابادوكيا من قبل كاهن. ومن هناك تم نقله إلى القسطنطينية.

 

يشرح القدّيس يوحنا الذهبي الفم عن عظمة النبي يوحنا فيقول: "تنبأ الأنبياء الآخرون عن يسوع أنّه قادم، أمّا يوحنا فأشار بإصبعه أنّه جاء حقًا، قائلاً: "هُوَذَا حَمَلُ اللهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ". لم يكن المعمدان مجرّد نبيّ، ولكنّه عمّد المسيح أيضًا. بهذا حقّق نبوءة ملاخي إذ تنبأ عن ملاك يسير أمام الرّب. يوحنا انتمى إلى طغمة الملائكة، ليس حسب الطبيعة، بل في حياته ورسالته. فكلمة "ملاك" بالعبرية تعني أيضًا رسول، وهنا هو الرسول الذي يعلن مجيء الرّب.

 

وهذا بالتالي ما تردّده الكنيسة في طروباريته:

 

تذكار الصدّيق بالمديح، امّا أنت أيها السابق فتكفيك شهادة الرّبّ، لأنك بالحقيقة قد ظهرت أشرف من كلّ الأنبياء، إذ قد استأهلت أن تعمّد في المجاري من قد كرزوا هم به، لذلك إذ شهدت عن الحق مسروراً، بشّرت الذين في الجحيم بالإله الظاهر في الجسّد، الرافع خطايا العالم والمانح إيانا الرحمة العظمى.

 

الليتورجية تخبر عن القدّيس يوحنا:

- هو الوسيط بين العهدين القديم والجديد وخاتمة الأنبياء. هو مقام من الشريعة والنعمة في آن، مختتماً الأولى ومفتتحاً الثانية.

- هو خاتمة الناموس وباكورة النعمة الجديدة.

- هو مساوِ للملائكة بسيرته الغريبة وقد أجاز حياته كمثل ملاك على الأرض، وسكن القفر "منذ عهد الأقمطة".

- هو نموذج الزهد والبتولية وحياة التوبة واللاهوى.

- هو زعيم الرهبان وساكن القفار.

- هو لا يكفّ عن الإعداد لمجيء السيّد فينا.

- شهادة القدّيس يوحنا للمسيح هي في كلّ جيل ولكلّ جيل. "أعدّوا طريق الرب. أجعلوا سبله قويمة".

 

 

الطروباريات

 

طروباريَّة القيامة باللَّحن الأوَّل

إنَّ الحجرَ لمَّا خُتِمَ من اليهود، وجسدَكَ الطَّاهِرَ حُفِظَ من الجُنْد، قُمْتَ في اليوم الثَّالِثِ أيُّهَا المُخَلِّص، مانِحًا العالمَ الحياة. لذلك، قُوَّاتُ السَّمَاوَات هَتَفُوا إليكَ يا واهِبَ الحياة: المجدُ لقيامَتِكَ أيُّها المسيح، المجدُ لمُلْكِكَ، المجدُ لِتَدْبِيرِكَ يا مُحِبَّ البشرِ وحدَك.

 

طروبارية للنبي يوحنا المعمدان باللحن الرابع

أيها النبي السابق لحضور المسيح، إننا لا نستطيع نحن المكرمين إياك بشوقٍ، أن نمدحك بحسب الواجب، لأن بمولدك الشريف الموقر، انحلّ عُقْر أمّك، ورباط لسان أبيك، وكُرز للعالم بتجسد ابن الله.

 

القنداق باللَّحن الثَّاني

يا شفيعَةَ المَسيحيِّينَ غَيْرَ الخازِيَة، الوَسِيطَةَ لدى الخالِقِ غيْرَ المَرْدُودَة، لا تُعْرِضِي عَنْ أَصْوَاتِ طَلِبَاتِنَا نَحْنُ الخَطَأَة، بَلْ تَدَارَكِينَا بالمَعُونَةِ بِمَا أَنَّكِ صَالِحَة، نَحْنُ الصَّارِخِينَ إِلَيْكِ بإيمانٍ: بَادِرِي إلى الشَّفَاعَةِ، وأَسْرِعِي في الطَّلِبَةِ يا والِدَةَ الإِلهِ، المُتَشَفِّعَةَ دائمًا بِمُكَرِّمِيكِ.