موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
عيد الصعود المجيد هو عيد نحتفل به كل عام بصعود يسوع المسيح بروحه وجسده إلى السماء بعد اربعين يوما من قيامته. فالرب تمجّد فوق السماوات بصفته إنسانا وصعد بصفته إلها، "صَعِدَ اللهُ بِالهُتاف الرَّبُّ بِصَوتِ البوق". (مزمور 47: 6). ونحن نؤمن بان السيد المسيح هو إله وإنسان في أقنوم واحد؛ بألوهيته صعد، ولكن بجسده تمجَّد. ومن هنا تسأل ما هو الصعود بمفهوم القديس لوقا، ولماذا نحتفل كل عام بعيد الصعود؟ أولا: الصعود بمفهوم القديس لوقا يصف لنا القديس لوقا ان الصعود هو خاتمة الترائيات الفصحية ومنطلق رسالة الرسل. (اعمال الرسل 1: 9-11). الصعود خاتمة الترائيات: صعود الرب هو استمرار لقيامته من القبر ودخوله في ملء رسالة الفصح. فلولا الصعود لما كانت القيامة (أعمال 2: 23-36). فصعود الرب الى السماء كان آخر ترائه للرسل بالجسد، قبل ان يعود ثانية في نهاية الازمنة. وفي هذا الظهور تغلب يسوع على قلة ايمان الرسل بإعطائهم علامات على حقيقة قيامته: " ما بالُكم مُضطَرِبين، ولِمَ ثارَتِ الشُّكوكُ في قُلوبِكم؟ أُنظُروا إِلى يَدَيَّ وقَدَميَّ. أَنا هو بِنَفْسي. إِلمِسوني وانظُروا، فإِنَّ الرُّوحَ ليسَ له لَحمٌ ولا عَظْمٌ كما تَرَونَ لي " (لوقا 24: 38-39). ووهبهم فهم الكتب المقدسة "فَتحَ أَذْهانَهم لِيَفهَموا الكُتُب" عن سر المسيح الخلاصي (لوقا 24: 44). ان اسفار العهد القديم كلها تشير الى المسيح، المزامير تنبأت عن آلامه (مزمور 22) وسفر اشعيا عن قيامته (اشعيا53:10-11). الصعود منطلق رسالة الرسل والكنيسة: حدَّد يسوع في ترائه الاخير في الصعود مهمة الرسل ليكونوا شهود القيامة "وأَنتُم شُهودٌ على هذه الأُمور" (لوقا 24: 48). فرسالة المسيح المعبّرة عن حب الله وغفرانه لا بد ان تصل الى كل العالم. ولذلك وعدهم بإرسال الروح القدس "َامكُثوا أَنتُم في المَدينَة إِلى أَن تُلبَسوا قُوَّةً مِنَ العُلى" (لوقا24: 49). ويمنح الروح القدس قوة للرسل والكنيسة كي تشهد للمسيح بناء على وعده: " الرُّوحَ القُدُسَ يَنزِلُ علَيكم فتَنَالون قُدرَةً وتكونونَ لي شُهودًا حتَّى أَقاصي الأَرض" (أعمال8: 1). وسِفر أعمال الرسل خير دليل على تأييد الروح القدس للشهادة في الإرساليات ولا سيما وقت الاضطهادات تتميما لما وعد به السيد المسيح (متى 10: 19-20). ولا يزال الروح القدس في أيامنا يبعث مُرسلين ورسلا ويؤيد المسيحيين لتأدية شهادتهم المسيحية. فقوة الكنيسة الخفية هي الروح القدس الذي يعمل في الكنيسة في كل بقاع الأرض. إنه حالٌ في قلوب المؤمنين به ويتكلم في فمهم ويُلهمهم ما يتكلمون به في حالة الاضطهادات والصِعاب لأجل اسم الرب. حيث عطيّة الروح فهناك رسالة وحيث الرسالة فهناك عطيّة الروح. اما جواب الرسل فانهم اعترفوا بسيادة المسيح لدى مشاهدتهم صعوده، وسجدوا له سجودهم لربّهم وهم يباركون الله ويشهدون له (لوقا 24: 45). بقيّ يسوع يتراءى لتلاميذه مدة أربعين يوماً، ويكلمهم عن شؤون ملكوت الله” (أعمال1/3-10). لماذا اربعين؟ وعدد أربعين هو عدد رمزي يشير إلى مدة مثالية تمهد لحدث عظيم، وهو يذكرنا بالمدة التي قضاها اليهود في البريّة قبل أن يدخلوا أرض الموعد. وأن شعب الله الجديد اختبر الرب القائم أربعين يوماً قبل أن يحلّ عليه روح الرب. ومن هنا نفهم أن المسيح القائم كان يعلّم تلاميذه، أي يُعدَّهم كما أعد الرب الشعب القديم ويهياهم لعطية الروح القدس، وبالتالي لحمل الرسالة؛ حيث عطيّة الروح فهناك رسالة، وحيث الرسالة فهناك عطيّة الروح. واما القديس مرقس يذكر “الغمام” (مرقس9/7). ما رمز الغمام؟ كلمة الغمام هي كلمة ذات خلفيّة كتابيّة تعني “حضور الرب”، لأن الله لا يُرى بأعين الجسد فيرمز له بالغمام. ودخول المسيح في الغمام يعني دخوله في مجد الله الآب (اعمال الرسل 9:1، لوقا 34:9-35، خروج 22:13) الذي ترمز اليه الغمام (التعليم الكاثوليكي رقم 659). ثانيا: لماذا نحتفل بعيد الصعود؟ تحتفل الكنيسة كل عام بخميس الصعود لكي تذكرنا ان يسوع المسيح صعد الى السماء للأسباب التالية: 1- صعود المسيح الى السماء ليجلس عن يمين الآب: "من بعد ما كلمهم الرب يسوع ارتفع الى السماء وجلس عن يمين الله" (مرقس 19:16 كما جاء في قانون الايمان. المسيح يجلس منذ الان فصاعدا الى يمين الاب: "ونحن نعني عن يمين الاب مجد الالوهة وشرفها (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية رقم 663). وهنا نميز بين الظهور ما بين مجد المسيح القائم من الموت ومجد المسيح الجالس عن يمين الاب وانتقال من الواحد الى الآخر. (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية رقم 660). صعد يسوع الى السماء ليجلس عن يمين الآب وليجلس من حوله المؤمنين. 2- صعود يسوع الى السماء ليُشرك الانسان في لاهوته: إذا تركت الانسانية لقواها الطبيعة لم تستطيع الدخول الى حياة الله وسعادته. المسيح وحده استطاع ان يفتح للإنسان هذا الباب "بحيث يكون لنا نحن الاعضاء، امل اللحاق به الى حيث سبقنا هو راسنا ومبدأنا" (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية رقم 661). ولذلك رُفع يسوع أمام الرسل الى السماء ليُشركنا في لاهوته كما تصف الليتورجيا في مقدمة الصعود استنادا على رسالة القديس بولس الرسول "وأَقامَنا معه وأَجلَسَنا معه في السَّمَواتِ في المسيحِ يسوع." (افسس2: 6). وذلك ان يسوع المسيح، راس الكنيسة، يسبقنا الى ملكوت الاب المجيد حتى نحيا نحن، اعضاء جسده، في رجاء ان نكون يوما معه لدى الآب السماوي. 3- صعود يسوع الى السماء ليشفع لنا: كونه الوسيط الذي يضمن لنا فيض الروح القدوس (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية رقم 667). يسوع المسيح، الكاهن الوحيد للعهد الجديد والازلي دَخَلَ السَّماءَ عَيْنَها لِيَمثُلَ الآنَ أَمامَ وَجهِ اللهِ مِن أَجْلِنا" (عبرانيين 9: 24). وفي السماء يمارس المسيح كهنوته بغير انقطاع "اذ انه على الدوام حي ليشفع في" من يتقربون به الى الله"(عبرانيين 7: 25). لأَنَّ المسيحَ دَخَلَ السَّماءَ عَيْنَها لِيَمثُلَ الآنَ أَمامَ وَجهِ اللهِ مِن أَجْلِنا (عبرانيين 9: 24) 4- صعود يسوع الى السماء ليعطي الجميع العطايا: من انحدر لأجل خلاصنا هو الذي صعد ايضا فوق جميع السماوات لكي يملأ الكل كما ورد في الكِتاب: "فذاك الَّذي نَزَلَ هو نَفْسُه الَّذي صَعِدَ إِلى ما فَوقَ السَّمَواتِ كُلِّها لِيَمَلأَ كُلَّ شَيء (افسس 4: 8- 10) خاصة بإرساله الروح القدس. ان الرسل الذين رأوا يسوع صاعدا الى السماء كانوا يعلمون انه يفي بوعده لهم بان يكون معهم بالروح. يسوع نفسه وعدنا ان يكون معنا الى الابد، ويمكن ان نعرفه من خلال تأملنا للأسفار المقدسة والصلاة والقربان الاقدس واعطاء المجال للروح القدس ان يعمل فينا حنى نصير شبهه ومثله. 5- صعود يسوع الى السماء لإعلانه ملكاً: بصعوده الى السماء مَلكَ على الامم وجلس على كرسي مجده "أَللهُ على الأمَمِ مَلَك، أَللهُ على عَرشِ قُدْسِه جَلَس: (مزمور47: 8). وهنا تحققت رؤيا دانيال النبي في شان ابن الانسان:" وأُوتِيَ سُلْطاناً ومَجداً ومُلكاً فجَميعُ الشُّعوبِ والأُمَمِ والأَلسِنَةِ يَعبُدونَه وسُلْطانُه سُلْطانٌ أَبَدِيّ لا يَزول ومُلكُه لا يَنقَرِض"(دانيال 7: 14). وأصبح الرسل شهود "الملك الذي ليس له انقضاء" الجلوس الى يمين الاب يعني افتتاح ملك الماسيا، فمنذ هذه اللحظة (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية رقم 664). 6- صعود يسوع الى السماء لإعلانه ديّان جميع العالمين: يخبرنا لوقا أن يسوع هذا الذي ارتفع عنكم إلى السماء سيأتي هكذا (اعمال الرسل 1: 11) وذلك للدينونة " فسَوفَ يَأتي ابنُ الإِنسانِ في مَجدِ أَبيهِ ومعَه مَلائكتُه، فيُجازي يَومَئِذٍ كُلَّ امرِئٍ على قَدْرِ أَعمالِه (متى 16: 27). ثالثا: فكيف نعيش روحانية عيد الصعود؟ من ابعاد عيد الصعود تنبع روحانية الصعود متكاملة، مؤسسة على الرجاء، لأنها تجعل المسيحي يحيا منذ الآن في حقيقة العالم الجديد الذي يملك المسيح فيه. إن على المسيحيين وهم في انتظار تلك الساعة، أن يظلوا متحدين بفضل الإيمان وأسرار الكنيسة، بسيدهم الممجّد. فعليهم ان يسعوا " إلى الأُمورِ الَّتي في العُلى حَيثُ المسيحُ قد جَلَسَ عن يَمينِ الله"، لأن "حَياتُهم مُحتَجِبةٌ معَ المسيحِ " (قولسي 3: 1-3)، ومدينتهم كائنة في السماوات (فيلبي 3: 20). والبيت السماوي ينتظرهم (2 قورنتس 5: 31) هو المسيح الممجّد نفسه (فيلبي 3: 21)، "الإنسان السماوي" (1 قورنتس 15: 45-49). ومن هذا المنطلق ليس على أن المسيحي أن يكون منسلخًا عن العالم، بل له رسالة على أن يحيا فيه بطريقة جديدة، تحرك العالم نحو المجد الذي يدعوه الله إليه. في هذا العصر تزايد اضطهاد المسيحيين أكثر من أي عصر مضى. لكن العداء والخطيئة والخوف والرعب والمعاناة على الارض ليس لها الكلمة الاخيرة. سيعود يسوع بالمجد والبهاء ويضفي سيطرة على ممالك هذا العالم. الصعود عيد يسوع نعترف به مسيحًا، نعترف به ربّاً. ارتفع ليجتذب الجميع ويصل كلمته الى العالم كله. ومن هنا علينا ان نتابع كرازة الانجيل كما اوصانا الرب "إِنِّي أُوليتُ كُلَّ سُلطانٍ في السَّماءِ والأَرض، فاذهَبوا وتَلمِذوا جَميعَ الأُمَم، وعَمِّدوهم بِاسْمِ الآبِ والابْنِ والرُّوحَ القُدُس، وعَلِّموهم أَن يَحفَظوا كُلَّ ما أَوصَيتُكُم به، وهاءنذا معَكم طَوالَ الأَيَّامِ إِلى نِهايةِ العالَم" (متى 28: 18-20). التلاميذ لم يعيشوا كل الأيام في حين الكنيسة تدوم إلى الأبد (أعمال 1: 4-9). وعلينا ان نعلن انتظارنا لمجيئه الثاني. إنه سيأتي كما صعد، لذلك انتظار مجيء المسيح عقيدة "وننتظر قيامة الأموات وحياة الدهر الآتي آمين" ومع الليتورجيا السريانيّة نردد "يوم ولادته، فرحت مريم؛ يوم مماته، تزلزلت الأرض. يوم قيامته، تزعزعت ظلمات الجحيم؛ يوم صعوده، اغتبطت السماوات. فليتبارك صعوده الخلاصة تحتفل الكنيسة تحتفل بعيد الصعود: - كي نفرح لان الذي نزل من السماء لأجل خلاصنا هو الذي صعد أيضاً فوق جميع السموات ملك على الأمم، الله جلس على كرسي مجده (مزمور 47/8). لكي يملأ الكل (أفسس 4/ 9-10). - كي نشكر ونمّجد الرب هو الذي أنهض طبيعتنا الساقطة وأصعدنا وأجلسنا معه في السماويات (افسس 2//6). كما يقول القديس أوغسطينوس: "اليوم صعد ربنا يسوع المسيح الى السماء. ليصعد قلبنا معه. مع كونه هناك، هو معنا هنا ايضا. ونحن مع كوننا هنا، نحن معه ايضا هناك. رفع فوق السماوات، ولكنه ما زال يتألم في الأرض بكل ألم نشعر به نحن اعضاءه. لأنه رأسنا ونحن جسده" (PLS 2: 494) - كي نهيأ نفوسنا لاستقباله: أن يسوع هذا الذي ارتفع عنكم إلى السماء سيعود (أعمال 1: 11) للدينونة (متى 16/ 27).