موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ١٤ يناير / كانون الثاني ٢٠٢٢

عرس قانا الجليل: ما يقول لكم فافعلوه

بقلم :
الأب منويل بدر - الأردن
عرس قانا الجليل: ما يقول لكم فافعلوه

عرس قانا الجليل: ما يقول لكم فافعلوه

 

الأحد الثاني من زمن السنة (الإنجيل يو 2: 1-11)

 

كم نحن شكورين للتكنولوجيا، فهي قد غيّرت لنا نمط الحياة المعروف، وسهّلت علينا الكثير من احتياجاتنا اليومية. وهذا شيء جميل. لكن الّذي ننساه هو، أنها لا تستطيع خلق الإيمان فينا، كما تفعله التوراة. إذ لخلق الإيمان في النفوس، ينقص التبشير، ينقص الدّوافع التي تُيرهن عن الإيمان الحي الفعّال: "طوبى لأقدام المبشّرين"، قال بولس. لكن أيضا ينقص المثل الصالح. سُؤِل القديس انطونيوس الإسكندري: كيف تكسب وثنيّاً إلى الدين؟ قال: ادعوه كي يسكن معي شهراً!

 

المثال الحي إذن لا بديل عنه، إذ الدّين ليس فقط علما نظريّاً بل وتطبيقيّاً. هذا وإنّ الكنيسة تستطيع أن تُقدِّم لنا مئات الأمثال الحيّة في الإيمان، وهم القديسون على مدى العصور، الّذين ما صاروا قدِّيسين إلاّ لأنّهم مارسوا الإيمان عمليّا، وفي المشاريع الاجتماعية سواء في الكنيسة أو في المجتمع العام: كنت جوعانا فأطعمتموني، كنت سجيناً فزرتموني. لكن أكبر مثال لنا في الإيمان، فهي مريم أم الله. وهي تحتلّ المكان الكبير في صلوات ونصوص هذا الأحد: طوبى للّتي آمنت، بما قيل لها من عند الرّب".

 

من عجائب يسوع ال 42، يذكر لنا يوحنا منها سبعة، وأوَّلها أعجوبة تكثير الخمر في عرس قانا الحليل، والّتي قد تمّت بوساطة مريم. أما يوحنا فيعلِّق على هذه الأعجوبة بقوله: هذه بداءة الآيات، فعلها يسوع في قانا الجليل، وأظهر مجده فآمن به تلاميذه (يو 11:2). ونقدر أن نقول إنها تمّت في الوقت المناسب في بداية حياة يسوع العلنيّة، فجلبت له فورا، عدداً لا يُستهانُ به من التلاميذ الجُدد.

 

العُرس الّذي شُرِب فيه، من أشهر الأعراس حتى اليوم، وذلك أوّلاً لحضور يسوع ومريم شخصيّاً، وثانياً للدور الكبير، الّذي لعباه أيضاً في هذا الحفل.

 

يبدو أن أصحاب العرس، كانوا من المُقرّبين لمريم، لذا تمّت دعوتها ودعوة ابنها ودعوة باقي الرّسل كأصدقاء، إذ كما يقول المثل: صديق صديقي هو أيضاً صديقي. مهمّة النّساء في هذه المناسبات، كانت الاهتمام بالطهي وتوابعه. اليوم لاحظت مريم أمُّ يسوع ارتباك أهل العريس، إذ يمكن لكثرة الضيوف أو لأنه من البداية ما كانوا احتاطوا على كميّةٍ وافية من المشروب. ففجأة لاحظ القائمون على تقديم المأكل والمشرب، أن أهل العريس قد وقعوا في ارتباك، لأنه ما عاد في البيت من خمر. فما هو الحل؟ لقد أسرعت مريم إلى ابنها وأعلمته بالارتباك الذي حصل. ونحن نعرف توابع تبادل الحديث وكيف تمّ إخراج العريس من مأزقٍ، لو لم يحصَل لأتهمه أصحابُه بالبخيل للعمر كلِّه. يسوع يقوم بتدخُّلِ أمِّه بتحويل 8 جرار ماء كبيرة إلى خمر خارق الطّعم، حتى أنَّ مَن شرب منه شعر بالفرق، بين هذا النبيذ، وذاك الّذي شربه الحضور من قبل. وهكذا يستطيع العريس أن يُكْمِلَ حفلةَ عُمره، وبصيت أعلى من السايق.

 

بهذه الأعجوبة يؤكِّد يسوع من بداية حياته العلنيّة، أنّه قريب من البشر وفي خدمة المحتاجين والمُتضايقين. والأهم من ذلك كلِّه، يَسْطَع دورُ مريم الكبير في حياة البشر والكنيسة، فهي الشفيعة والوسيطة. فيسوع جاء بواسطتها في هذا العالم، ولكي لا ننساها، فقد أقامها لنا أُمّاً تحت الصليب: يا يوحنا! هذي أمُّكَ. ويا مريم! هذا ابنك، بل هي أم الكنيسة جمعاء، إذ هي الوسيطة بيننا وبين ابنها في كلِّ احتياجاتنا. فمهما قلنا في مريم ومدحناها، لا نفيها حقّها ودورها في ديانتنا. من هنا مقولة القديس دومينيك، مؤسس صلاة المسبحة الوردية لإكرامها: من مريم إلى يسوع. آمين