موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
ونحن نعيش الصوم في الزمن الاربعيني، ونمارس رياضة درب الصليب كل يوم جمعة، ليتنا نتامل في العبارات السبعة التي نطق بها الرب يسوع وهو معلق على الصليب، بخشوع وتوبة طالبين منه ان يتقبل توبتنا ويغفر خطايانا…
1. "اغفر لهم يا ابتاه لأنهم لا يدرون ماذا يفعلون"
المسيح في غمرة الامه يفكر في انقاذ صاليبه،
لان ابن البشر لم يأت لكي يهلك، بل ليخلص الناس جميعا،
والخطأة قبل الابرار، وهو لم يطلب الغفران فحسب،
وانما التمس لهم عذرا عندما قال انهم لا يدرون ماذا يفعلون،
فاذا كان المسيح يغفر لصاليبه، ويلتمس لهم العذر،
فما موقفنا نحن البشر؟ الا نغفر لمن أبغضونا وأغضبونا،
ولمن أتعبونا واضطهدونا، ولمن ضايقونا وأساءوا الينا،
لكي نتمتع ببركة المغفرة ونشترك مع المسيح في حبه للبشر؟
فان تغفروا للناس زلاتهم يغفر لكم ابوكم السماوي
وان لم تغفروا للناس لا يغفر زلاتكم
2. اذكرني يا رب متى جئت في ملكوتك.. "اليوم تكون معي بالفردوس"
لم يسمع لص اليمين الكثير عن السيد المسيح، وكل ما سمعه عبارة يسوع على الصليب: "اغفر لهم يا ابتِ". فهزت كل كيانه لأنه لم يصدق لاول وهلة أذنية، حتى أخذ يسأل نفسه من هذا الرجل الذي لا يبالي بالالم والموت ويهتم بالاشرار وصالبيه؟ إنه ليس مجرد إنسان، أو نبي، وأدرك أن المصلوب الى جواره هو رب وملك، فأخذ يصيح من شدة انفعاله: "اذكرني يا رب". طلب من يسوع أن يشركه في مملكته الأبدية، وهكذا كان جواب يسوع: "اليوم تكون معي بالفردوس".
وأما نحن، أليس بالحري بنا أن نعرف المسيح كما عرفه لص اليمين، وقائد المئة، والجماهير المحتشدة التي قرعت الصدور؟ لنرنو بأبصارنا وقلوبنا للفردوس.
3. "يا امراة هوذا ابنك، ثم قال للتلميذ هذه أمك"
هذه العبارة مفعمة بالحب وبالمشاعر الرقيقة التي جاش بها قلب يسوع نحو أمه الحنون التي رافقنه الام الصليب.
يسوع اهتم بأمه كثيرًا بعكس ما يدّعي البعض، فلم تهن عليه دموع أمه واحزانها وهي تشاهد ابنها مصلوبًا يصارع الموت، فعهد بها إلى تلميذه الوحيد يوحنا الحبيب الذي تبعه حتى الصليب ليتدبر أمرها ويعتني بها ويكون لها ابنًا في وحدتها. ومنذ ذلك الحين أخذها التلميذ الى بيته.
ألا يجدر بنا أن نقبل من السيد المسيح أمه مريم كأحسن أم لنا، ونحافظ عليها ونحبها، ونجعلها تقيم في بيت كل واحد منا كما فعل يوحنا الحبيب. فاذا ما احتضناها في بيتنا الارضي تحتضننا في بيت ابنها السماوي. يا رب، أمك هي امنا جميعا وفي قلوبنا.
4. "الهي الهي لماذا تركتني"
يسوع على الصليب يشعر بالوحدة والترك، ويصرخ صرخة العذاب والعتاب. إنّ صرخة العذاب تقودنا إلى أن ألم يسوع لم يكن وهميًا أو خياليًا أو ظاهريًا، وانما هو ألم حقيقي، ونزاع حقيقي. إنّ صرخة العتاب لا تعني أنّ الآب قد ترك الابن للعذاب، بل كانت مشيئة الآب أن يتألم الابن من أجل خلاص البشر، وكانت مشيئة الابن ان قبل مشيئة الآب، اي ان الترك كان باتفاق بين الاب والابن من أجلنا وخلاصنا نحن البشر.
أمام هذا الصراخ المدوي والعذاب والعتاب، ألا يجدر بنا أن نتسلق الجلجلة ونصل الى الصليب، إلى ذلك الجسد الممزق لكي نكتشف حبه العظيم، ونخرّ عند قدميه راكعين تائبين طالبين منه الرحمة والصفح عن خطايانا!
5. "انا عطشان"
الذي خلق البحر والسماء والارض وما عليها... الذي وقف ونادي في الهيكل ان عطش أحد فليقبل الي ويشرب. الذي سقى المرأة السامرية ماء الحياة يقول: "أنا عطشان"، فقدموا له اسفنجة مملؤة خلا ووضعوها على زوفا وأدنوها الى فمه.
أنا عطشان هو نداء كشف أعماق الانسان وحقارته وجحوده، فقد بخل الانسان على سيده بقطرات من المياه وهو صانعها وخالقها وتركه يموت في عطشه. أنا عطشان دعوة يوجهها يسوع المائت على الصليب والمياه تتدفق من جنبه الى الانسان العطشان الى خيرات هذه الدنيا ولا يرتوي، بأن يلتفت الى من يعطي العطشان من ينبوع ماء الحياة مجانًا.
يا رب، نحن العطاش الى ماء الحياة فاسقنا من مائك العذب.
6. "قد تم"
ماذا أتم بسوع على خشبة الصليب؟ أتم النبؤات والامور التي جاءت في العهد القديم في ناموس موسى والانبياء والمزامير، كما أتم الحب والفداء والامانة التي أظهرها في تتميم مشيئة الآب والخضوع لكل ما حدده له. فيسوع منذ البدية اعطى الاولوية لارادة ابيه وعمل بمشيئه حتى الموت على الصليب.
لقد أتم يسوع الفداء على الصليب وبذلك يكون قد قدم للبشرية أعظم شي تحتاجه، ومحى الصك الذي كان ضدنا، مسددًا مطالب العدل الإلهي. ألا يستحق هذا المصلوب الذي افتدانا بدمه دم الحمل الذي لا عيب فيه ان نرجع اليه تائبين، وألا نقسي قلوبنا اذا سمعنا صوته؟
يا رب، سامحنا على خطايانا واقبل توبتنا.
7. "يا أبتاه في يديك استودع روحي"
كانت هذه اخر كلمات يسوع على الصليب.
عندما أخذ يسوع الخل، قال: "كل شي قد تم"، ونادى بصوت عظيم: "يا أبتاه في يديك استودع روحي"، وأمال رأسه واسلم الروح. وهذا يدلنا على اتحاد يسوع الدائم بالآب، وهو القائل أنا والآب واحد، وقوله طعامي أن أعمل مشيئة الذي ارسلني، وقوله لامه في الهيكل عليّ ان اكون فيما هو لابي. كانت صرخة يسوع هذه صرخة ظفر وانتصار، ملؤها البهجة والاطمئنان، وكأني بيسوع يرى الآب مادًّا له ذراعيه، فنادى يسوع الآب في راحة وامان: "في يديك استودع روحي".
نسجد لك أيها المسيح ونباركك، لانك بصليبك المقدس قد خلصتنا وخلصت العالم.