موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
في ظل التوتر الذي يسود منطقة الشرق الأوسط ، قام قداسة الحبر الأعظم ، البابا بنيدكتوس السادس عشر ، بزيارة للبنان في الأسبوع الماضي استغرقت ثلاثة أيام، حمل خلالها رسالة الكنيسة الجامعة المقدسة الرسولية الى كل بلدان الشرق الاوسط، وقّع خلالها على الإرشاد الرسولي المنبثق عن السينودس الخاص لأساقفة الشرق الأوسط، والذي عقد في الفاتيكان في تشرين الأول 2010، وقام بتسليمه الى جميع بطاركة وأساقفة الشرق الكاثوليك، إضافة إلى اللقاءات التي عقدها مع السلطات العليا المدنية والدينية والشباب. تأتي زيارة قداسة البابا بنيدكتوس السادس عشر إلى لبنان لتدعم تجذّر المسيحية بالمنطقة، ولحث المسيحيين على التشبث بالأرض والمقدسات، وللدعوة للعيش المشترك. ان هذه الزيارة التاريخية لقداسته ، بمثابة التأكيد على دور وأهمية المسيحيين في الشرق ودعوة لهم للتخلص من حالة الإحباط التي يعيشونها، حيث قال قداسة البابا في أثناء لقائه مع الشبيبة الذي عقد في الساحة البطريركية في بكركي :" أعرفُ الصعوبات الَّتي تعترضكم في حياتكم اليوميِّة، بسبب غياب الاستقرار والأمن، صعوبة إيجاد عملٍ أو الشعور بالوحدة والإقصاء. في عالمٍ دائمِ الحركة، تجدون أنفسَكم أمام تحدّيّات كثيرة وعسيرة. فحتَّى البطالة والأخطار يجب ألا تدفعكم لتجرّع "العسل المُرّ" للهجرة، مع الاغتراب والغُربة من أجل مستقبل غير أكيد. تصرَّفوا كصنّاعٍ لمستقبل بلدكم، وقوموا بدوركم في المجتمع وفي الكنيسة". وناشد قداسته الشباب أن لا يدفعهم الإحباط للهروبِ بأنفسهم إلى عوالمَ موازية كتلك الخاصَّة بعالَم المخدِّرات. تتزامن هذه الزيارة مع مرحلة التغييرات التي يشهدها العالم العربي ، فأعرب الفاتيكان عن قلقه نتيجة تدهور الأوضاع في سوريا، خصوصاً وأن الصراع يهدد بزعزعة استقرار المنطقة بأسرها، فموقف الفاتيكان واضح وصريح في هذا الشأن ، فهو يرفض العنف ويأسف لسقوط هذا العدد الكبير من الضحايا. تصريحات ومواقف قداسة البابا عبّرت دائماً ولا تزال عن الصوت والضمير المسيحي الحقيقي الصادق والنقي ، والذي لا يتناغم مع جشع الأنظمة الطامعة بمنطقتنا وخيراتها ، فهي تسعى لتحقيق مصالحها الأنانية ولا تدعم العملية السياسية في سوريا والشرق الأوسط . فقد صرّح قداسة البابا وبكل وضوح أن إغراق سوريا بالأسلحة يفاقم من تأزيم المأساة السورية، ويزيد من سفك الدماء ويبعد امكانية احلال السلام فيها. هدفت زيارة قداسة البابا الى التخفيف من حدة قلق المسيحيين في الشرق بأن يتعرض مسيحيو سوريا لما تعرض له المسيحيون في العراق، والى تثبيت المسيحيين في أوطانهم وعيشهم، والتشجيع على الاندماج بين المسيحيين والمسلمين في عيش مشتركٍ جامعٍ ليس في لبنان فقط، بل في أنحاء المشرق بأكمله. فعندما قام قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر بتوقيع الارشاد الرسولي الخاص بالشرق الاوسط في كاتدرائية القديس بولس في حريصا بلبنان، أكّد على أهمية العيش المشترك قائلاً :"لا يمكننا سوى ان نصّر على التعايش بين المسيحيين والمسلمين في لبنان". لهذا جاء استقبال قداسة البابا في لبنان بحفاوة من قبل كافة أطياف المجتمع اللبناني وأحزابه ودياناته ، تقديراً منهم لمواقفه وآرائه وطروحاته، فلبنان هو بمثابة همزة الوصل بين الشرق والغرب ، ولبنان هو الذي ثبّت الوجود المسيحيّ في الشرق وهو القدوة في الانصهار بين الاديان. هذه الزيارة لا تعني لبنان فقط، بل كل بلدان الشرق الأوسط إذ انّ قداسة البابا قام بالتوقيع على الإرشاد الرسولي ، ولهذا الغرض عقدت دورة خاصة لسينودس الأساقفة شارك فيها جميع البطاركة والأساقفة الكاثوليك مع ممثّلين عن كل الكنائس الكاثوليكيّة في العالم وعدد من الكرادلة والمسؤولين في الدوائر الفاتيكانيّة، برئاسة قداسة الحبر الأعظم بهدف التفكير في موضوع الحضور المسيحي في الشرق، شهادة وشراكة. وقد رفع على أثرها المشاركون في السينودس خمسة وأربعين إقتراحاً إلى قداسة الحبر الأعظم ليصوغ بنتيجتها الإرشاد الرسولي ويعطيه للمؤمنين ليتأمّلوا فيه ويعملوا بمقتضاه. لهذا ، للإرشاد الرسولي أهمية لدى المسيحيّين خاصة واللبنانيّين عامة، إذ أنّه يؤكّد للمسيحيّين إهتمام الكنيسة الجامعة بهم. فوجود جميع أساقفة الكنائس الشرقيّة في روما أثناء إنعقاد السينودس وتعاطيهم مع الكثيرين من أساقفة العالم من مختلف البلدان والقارات، أظهر لهؤلاء أهميّة الوجود المسيحي في الشرق، وترسيخ وجودهم وتفعيل دورهم فيه كرسل محبة وألفة وأخوة.