موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
تحتفل الكنيسة في الثاني من شهر فبراير شباط من كل عام بعيد تقدمة الطفل يسوع إلى الهيكل. في هذا العيد قربت مريم العذراء ويوسف البتول الطفل يسوع الى الهيكل، لا ليؤدي ما تفرضه الشريعة فحسب، بل ليلاقي شعبه المؤمن، المنتظر مجيئه.
هناك في رحاب الهيكل، كان يوجد شيخين جليلين ينتظران مجيء يسوع، هما سمعان وحنة النبية، جاءا إلى الهيكل بوحي من الروح القدس، وكان سمعان مؤمنا جدا ويقضي معظم وقته متعبدا في الهيكل، وقد وعده الله انه لن يموت قبل ان يشاهد المخلص بعينيه ، وقد كان يعيش في حالة حزن واضراب وصراع وشكوك...
كان سمعان يتسأل :
هل الله سيفي بوعده معه.
هل سيعطيه النعمة ليشاهد بعينيه الرب المخلص قبل ان يموت؟
كان سمعان خائفا على خلاص شعب الله، ولكن رغم ذلك كان مُسَلما امره لله پإيمان ورجاء وصبر وثبات.
جاءت العائلة المقدسة ودخلت الهيكل لتقدم للرب ما تفرضه الشريعة.
حملوا يسوع الطفل للهيكل، لكي يبارك من قبل الرب، وليفتدى بزوج من الحمام كسائر فقراء الشعب، علما ان الاغنياء كانوا يقدمون الثيران، وهذا يعلمنا تواضع يسوع وعائلته التي هي بالأساس ليست بحاجة لكل هذا لأنها عائلة مقدسة ولكنها قبلت بذلك لتتحد البشرية مع الله من خلال الطفل المتجسد ولكي يكتمل الناموس.
مجيء يسوع :
هذا هو مجيء يسوع الأول إلى أورشليم عندما قدمه يوسف ومريم لله في الهيكل (لوقا ٢: ٢٢-٤٠)، ومجيئه الثاني سيكون المحطّة الأخيرة في رسالته النبوية، حيث سيدعو تلاميذه للإقامة فيها: "فأمكثوا أنتم في المدينة" أورشليم "إلى أن تُلبسوا قوة من العُلى" (لوقا ٢٤: ٤٩).
وعندما دخلت العائلة المقدسة الهيكل، قاد الروح القدس سمعان الشيخ التقي ليستقبلها ويحمل الطفل بين ذراعيه، وهنا قال نشيده الذي رسم فيه الخطوط الكبرى لرسالة يسوع الخلاصية: "الآن اطلق عبدك بسلام ايها الرب، لان عيني قد رأت نورك وخلاصك بهذا الطفل، وفرح سمعان كثيرا، وتنبأ بأن هذا الطفل سيكون مخلصا لكثير من الساقطين والبعيدين عن الرب، أي الذين يرفضونه، ويبارك من يؤمنون به. واضاف قائلا لمريم أمه: "سينفذ سيفا في قلبك". وهنا تعجبا مريم ويوسف من كلامه، كيف عرف ما يعرفانه واذا بسمعان البار يقول بصوت عالٍ إنّ الروح القدس اخبره على قول ذلك. لقد اطمأن سمعان بعد ان شاهد الرب وانتهى صراعه الداخلي وادرك ان الخلاص قد تحقق بمجيء الرب وان إلهام الروح القدس له قد تم.
الطاعة لله :
إنّ تقدمة يسوع للهيكل تعني الطاعة، بعيدًا عن الاكراه والعبودية والسيطرة. فقد اطاعا مريم ويوسف الشريعة، وكان يسوع ايضا طائعا في ايديهما، وقد ملأت الطاعة وجه أبويه بالفرح ووجهه بالحب أيضا.
لا يمكننا أن نقدم أنفسنا لله بدون أن نطيعه ونلتزم في أعمالنا والرّسالة التي أعطانا إياها، إن لم تكن لدينا روح التواضع ممزوجة بالصلاة. هكذا تكتمل وحدتنا وتقدمة حياتنا ونشاطنا الرسولي حقًّا بالمسيح يسوع، ونتركه يعمل فينا ومن خلالنا بقدرته، ورغبته وحبّه ليرى الجميع نوره، نور المحبة والإخلاص.
في عيد تقدمة يسوع للهيكل علينا أن نصبح قدّيسين، لا لكي نشعر أنّنا في حالة قداسة، إنّما لكي يستطيع الرّب يسوع المسيح أن يحيا في داخلنا، لكي نصبح بالمِلء الحبَّ والإيمانَ والطهارة، لتصبح علاقاتنا معه وسيلةَ قداسةٍ كبيرةٍ لنا وللآخَرين.
ليتنا في هذا العيد المبارك ندرك ان الله محب للجميع ومنقذ ومخلص لهم مهما طال الانتظار. وكما الهم الروح القدس سمعان الشيخ وحنة النبية، ليتنا نحن أيضا نصغي إلى صوت الله وإرشادات الروح القدس، ونقدم قلوبنا وذواتنا لله بكل تواضع وحب وسخاء، لكي يمطر علينا نعمه، وليباركنا كل يوم وخاصة عندما نشارك في الذبيحة الإلهية، ونسمع كلامه من خلال الإنجيل المقدس، ونتناول جسده ودمه المقدسين، حينئذ نستحق ان نردد ونقول مع القديس لوقا الإنجيلي بإيمان وثقة: "رأت عيناي خلاصك الذي اعددته في سبيلي، وسبيل الشعوب كلها".