موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
وسط بحر الحياة المتلاطم الأمواج، تسابقت الأخبار: ذاك يحمل اليأس القاتل.. يزمجر.. يهدد بالإبادة.. يصرخ مرعبًا سكينة القلوب، مميتًا كل النفوس الضعيفة، ويسأل، حيثما حل: "أتريدون المزيد؟"
ماذا بعد؟
"المال..." لا استطيع التبيّن لِمَ كلما تلفظ أحدهم بهذه العبارة، تقفز إلى ذهني مشاهد حروب، وجرائم، وأوبئة، يرتكبها الإنسان بحق أخيه الإنسان؟!!.
لا أدري، لمَ تداس المبادىء تحت الأقدام، لترفعَ رايات المادية المتوحشة، التي تغلِّفها شعارات زائفة وخاوية، على هيئة صورٍ تحتلُّ من القداسة في النفوس، ما تحتل تحت مسمى (أوراق نقدية وقطع معدنية)؟!!.
لا أعرف لمَ يموت الآلاف جوعاً لمجرد أنهم لا يملكون أوراقاً مزخرفة، وممهورةً بأختام الموت؟!!
صدقوني، إن هذا لظلم وحقد وكره وأنانية وتجارة خوارة.
تجارة! نعم، أقولها بحرقة لا تطفىء نيرانها ثلوج العالم بأسره. هي بيع وشراء لنعم وهبنا إيّاها الخالق بكل كرم، فحملتها أيدينا بجشع، تقشعر له الأبدان.
تمر الأيام مسرعة، دموعاً حارقة، تنهمر من عيون اغتصبتها الكآبة والحزن على فقدان أعزّ الناس، ويوماً بعد يوم، أرى ما يسمى ( بالغاية التي تبرّر الوسيلة)، تنشب أظافرها لتقتل أجمل ما في الإنسان من مشاعر.
برأيكم! أي غاية هي، تلك التي تجرد إنسان 2020 من الحب، لتزرع فيه الكره والحقد والمرض والإنانية؟!!
أي نوع من الغايات، يسمح فيها المرءُ لنفسه برفع راية محو من يعترض دربه أكان حجراً أم بشراً؟!!
أرى البشرية اليوم في سنة 2020، قد قرعت الأيادي الموبوءة والآثمة بواباتها على وقع قرع طبول الموت، مما جعل ضحكي كالبكاء !!!
أضحك من سخرية أزمان، تباع فيها المبادئ السامية في أسواق النخاسة، تحت سلطة جبّار عظيم يسمى (المال).
أمام كل هذا، يقفز إلى ذهني سؤال يلح عليّ، ويتوسلني لإيجاد جواب مقنع له. هو سؤال يحمل من القلق والخوف بقدر ما يخبئ من الحزن والاستنكار.
سؤال معقد ببساطته، بسيط بتعقيده.
هذا السؤال هو: ماذا بعد كورونا؟
ما الذي ينتظر بعده انسانية الإنسان؟ ماذا بعد الحروب والجرائم والأوبئة؟
كيف سيكون شكل بعض الدول، بعدما جردها المال من إنسانيتها وبشريتها؟!!
ماذا بعد، وكيف سيكون وإلى متى؟ أسئلة أردّدها بلوعة وحرقة وأسى، أردّدها بلوعة أمًّ فقدت ابنها، أرددها بحزن يشبه النيران التي دبّت في صدور الثكالى هنا وهناك...
ماذا بعد؟ سؤال يبقى بلا جواب حتى إشعار آخر...
وعلى وقع هذا السؤال لا أتذكر إلا مقولة الشاعر الكبير محمود درويش: "على هذه الأرض، ما يستحق الحياة".