موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأحد، ٢٩ أغسطس / آب ٢٠٢١

حواء الجديدة فخر البشرية

بقلم :
المطران كريكور كوسا - مصر
حواء الجديدة فخر البشرية

حواء الجديدة فخر البشرية

 

إنّ الخطيئة الملعونة بعد أن أغوت آدم وحواء سادت على الجنس البشري وأسدلت بظلال شرورها القاتمة على أصل طبيعتنا البشرية النبيلة، وجمالها البهي، التي منحنا إياها الله يوم خلقنا ووضع فينا روحه القُدُس، وقالَ الله: "لِنصنعِ الإنسان على صورَتِنا كمِثالِنا... فَخَلَق اللهُ الإنسان على صُورَتِه، على صورةِ اللهِ خلقه، ذكرًا وَأُنثَى خَلَقَهم (تكوين ١: ٢٦-٢٧)... ونفخَ في أنفهِ نسمةَ حياة، فصار الإنسان نَفْساً حيَّة" (تكوين ٢: ٧).

 

وعندما وُلِدَت العذراء الكُليّة القداسة والطهارة والجمال الأسمى "كلُّك جميلة ولا عيب فيكِ"، استعادت طبيعتنا البشرية نقاءها فوجدت نفسها قد "صُنِعَت على صورة الله كمثاله" (تكوين ١: ٢٦). لكن، ومع الأسف أراد الإنسان أن يكون حراً، بعيداً عن الله، ففضّل إغراءات وشهوات وغنى الحياة والعالم السفليّ، الأرضي الزائل، على العالم العلويّ السماويّ الأبدي، وبدأ يتمردغ باليأس والقنوط ولم يبقى له أي أمل بالخلاص. ولكن محبة الله ورحمتُهُ أيقظت في الإنسان المعرفة والوعي فطلبت حالته الطبيعيّة الإلهية التي استغنى عنها بإرادته ولمصالحه الشخصية العون والنجدة من السماء، والله الكلي الرأفة والحنان استجاب إلى طلب الإنسان وقرر بإرادته الإلهية المُطلقة إظهار عالم تسوده من جديد النِعمَةُ والقداسة. لتتمّ المصالحة بيننا وبين الله، ويتمُّ سر الخلاص والفداء لبني البشر.

 

ألم يكن مناسبًا أن يختار الله عذراء غاية في القداسةِ والنقاوةِ  والطهارة، وخالية من الشوائب لتقوم خدمة هذه الخطّة الخلاصيّة؟ وهذه العذراء، أين نجدها، إن لم يكن ذلك إلاّ في هذه المرأة الفريدة من بين النساء، التي اختارها خالق الكون قبل كلّ الأجيال؟

 

نعم، هذه هي والدة الله، مريم ذات الاسم الإلهي و"الممتلئةُ نِعمَةً" (لوقا ١: ٢٨)، التي أعطى حشاها الجسد للإله المتجسّد، وقد حضّرها هو نفسه بطريقة تفوق الطبيعة، والقل البشري، لتكون هي،  وفيما بعد نحن ايضًا: "هيكلُ الله الحي" (قورنتس الثانية ٦: ١٦)، ومسكن الثالوث الأقدس.

 

إنّ مخطّط مُخَلِّص جنسنا البشري يسوع المسيح، أراد أن نولد ولادةً جديدة "بالماء والروح". فمولودُ الجَسدِ يكونُ جَسداً، ومولودُ "الرُّوحِ يكونُ روحاً" (يوحنا ٣: ٥-٦)، ونصير خلقاً جديداً لإستبدال الماضي الذي وقعنا فيه وخسرنا النِّعَم التي أعطيت لنا في بدء الخلق. وكما أخذ الله في جنّة عدن من الأرض العذراء الخالية من العيب، القليل من التّراب ليصنع آدم الأوّل (تكوين ٢: ٧)، كذلك، في لحظة تجسّده الخاص "فلمّا تمّ الزمان، أرسلَ اللهُ ابنَهُ مولوداً لإمرأَةٍ" (غلاطية ٣: ٤)، استخدم أرضًا أُخرى، وهي أحشاء العذراء مريـم النقية التي لا عيب فيها ولا دنس، والتي اختارها من بين كلّ خلائقه، وبها صنعنا من جديد بالمسيح يسوع "آدم الجديد".

 

وإذا كان هُناك جِسمٌ بشري، فهناكَ أيضاً جِسمٌ رُوحيّ، كما ورد في الكتاب المُقدّس: "كان آدم الإنسان الأول نَفْساً حيَّة" وكان آدم الآخِرُ روحًا مُحْيِيًا. ولكن لم يظهر الروحيُّ أوّلاً، بل البشريّ، وظهرَ الروحيُّ بَعدَه. الإنسانُ الأولُ من التُّراب فهو أرضي، والإنسانُ الآخر من السماء فهو سماويّ. فعلى مِثالِ الأرضيِّ يكونُ الأرضِيُّون، وعلى مِثالِ السماويِّ يكونُ السَّماويُّون. وكما حملنا صورةَ الأرضيِّ، فكذلِكَ نحمِلُ صورة السماويّ" (قورنتس الثانية ١٥: ٤٤-٤٩). فالله الذي خلق آدم من التراب، أراد ان يتجسد ابنَهُ من عذراء ليُخلّص الإنسان القديم بالجديد والأبديّ.

 

 

+ المطران كريكور اوغسطينوس كوسا، اسقف الاسكندرية للأرمن الكاثوليك