موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ٢٠ ديسمبر / كانون الأول ٢٠٢٣

تجسّد يسوع

بقلم :
بسام دعيبس - الأردن
ولد المسيح هللويا

ولد المسيح هللويا

 

يشير تجسد يسوع المسيح إلى الفكره اللاهوتيّة المسيحية القائلة بأنّ يسوع المسيح كان إنسانا كاملا وإلها كاملا، وهو الأقنوم الثاني من الثالوث الأقدس، ويسوع هو أيضًا "كلمة الله". ونرى ذلك في مقدمة إنجيل يوحنا: "الكلمة صار جسدًا وحلّ بيننا"، وأهميّة التجسد أنه أضفى على الثالوث الأقدس طابعًا إنسانيًا ويؤكد حضور الله بيننا.

 

 

كيف تجسد يسوع؟

 

كانت العذراء الكلية القداسة، الملتهبه بالحب الإلهي، لا تفتأ تطلب إلى الله بحنان مؤثر مجيء المخلّص، وتقول له: أرسل يا سيد ابنك الوحيد، مشتهى الأجيال، ليخلص الجنس البشري، وأولهم أنا التي لست سوى تراب ورماد.

 

ولما حان زمن التجسد الإلهي، كلف الله الملاك جبرائيل بمهمة تبشير العذراء الكلية القداسه، فنزل من السماء مملوءًا فرحا، يرافقه عدد كبير من الملائكة، وكانت هيئته بهيّه، لمعانه برّاق، مشرق بالمجد. وعندما وصل الملاك إليها، كانت مريم في غرفتها الصغيره الخالية من أيّة زينة، تتأمل وتقول بقلبها: "لتبتهج السماوات وتتعزّى الأرض، فكلمة الآب الأزلي آت، آه يا عمانوئيل الإله والإنسان، تعال يا سيد، تعال خلص شعبك".

 

كانت تصلّي دائمًا لمجيء المخلّص، دون أن يخطر ببالها أبدًا أنها هي من ستكون أمّه"، وهي بهذه القوة الإلهيّة، ظهر لها الملاك جبرائيل مع حاشيته الملائكيّة. رمقت الأميرة السماوية الملاك لمحة فقط لتستطيع معرفته، وأرادت السجود أمامه، لكنه منعها، وقد انحنى هو إلى الأرض أمامها، وكما نعلم، قال وهو ينهض: "السلام عليك يا مريم يا ممتلئه نعمه، الربّ معك... أنت مباركه بين جميع النساء".

 

اضطربت مريم، دون أن تفقد هدوءها، لأنها كانت تظن نفسها أحقر الخلائق، وكيف يختارها الله لتصبح أمّه، بينما كانت بعيده كلّ البعد عن التفكير بمثل هذا الشرف العظيم. فسكن الملاك روعها قائلاً: "لا تخافي يا مريم، لقد نلتِ حظوه لدى الله، وأنك ستحبلين وتلدين ابنا وتسميه يسوع".

 

وهي بحالة الذهول، عرضت على الملاك المرسل إليها حالة البتولية التي كانت تحافظ عليها في الزواج، فأجابها الملاك إنه سهل على القدرة الإلهية أن تجعلك أمًا وتحفظك بتولاً، فهذا يكون عمل الروح القدس، ونعمة العليّ تظلّلك حتى يستطيع أن يولد منك قدوس القديسين، الذي يدعى ابن الله. وأخبرها عن حمل نسيبتها أليصابات في سنّ الشيخوخة، لأنه لا شيء غير مستطاع عند الله ثمّ تلفّظت العذراء الطاهره بعبارات قبولها العجيبة: "ها أنا أمة للربّ، فليكن لي بحسب قولك".

 

وللحال كوّن الثالوث الأقدس جسد يسوع وخلق نفسه، والكلمه فقط اتحد بهذا الجسد وهذه النفس المتحدتين معًا. وهكذا أصبحت مريم أوّل بيت للقربان الأقدس، وأوّل من تقدس به، سابق المسيح، يوحنا المعمدان، عندما زارت العذراء قريبتها اليصابات.

 

لنتمثل بأمنا القديسه، وخاصه في هذا الزمن الميلادي، بأن نطيع كلام ألرب، ونجعل قلوبنا وأرواحنا نقيّه طاهره كما كانت مريم ، ونصبح مستحقّين استقبال القربان الاقدس

 

ميلاد يسوع

 

بينما كانت العذراء الكليّة القداسة تقترب من اليوم المشتهى جدًا، صدر مرسوم من الامبراطور الروماني بأمر إحصاء رعايا مملكته، وكان يتوجّب على كل واحد أن يكتتب في مكان ولادته. حزن القديس يوسف كثيرًا لهذا النبأ، وبما أن ملك السماء يقود كل الأحداث، قالت له مريم: فلنستسلم بثقه لإرادته، ولن نخيب ابدًا.

 

يا ليتنا نستسلم مثل مريم لمشيئة الربّ... ونتعلّم طاعته والاتكال عليه.

 

بدأت الرحلة، وقد كانت شاقّة جدًا، حتى وصلا إلى بيت لحم، وبالرغم من معرفتها بعدم جدوى التفتيش عن منزل، تبعت يوسف من بيت إلى بيت، طالبين الضيافة، ولكنهما رفضا في كل مكان باحتقار وإهانة، حتى من الذين كانوا أقرباء لهما.

 

هل نحن نستقبل يسوع بصورة جيّدة عندما يدق على باب قلوبنا؟ هل نعيل فقيرًا متشرّدًا أو نطعم جائعًا أو نسقي عطشانًا؟

 

وجدا المكان حيث السجل الامبراطوري، تسجلا ودفعا الجزية، وتساءل القديس يوسف إلى أين يذهبان وهو لا يعرفان ملجأ سوى مغاره شاهدها خارج المدينة. فأجابت مريم أنّ هذا المكان يلائم الفقر الذي هو كنز ابنها الإلهي. كانت المغارة محفورة في صخرة غير متساوية وصلبة، غير صالحة إلا للماشية، أخذت مريم كافه الاستعدادات لتنظيفها لتكون جديره باستقبال ابنها الإلهي.

 

وهذا ما نفعله نحن، نهيّء منازلنا، مغاره وأضواء وزينه وألوان، أمرٌ جميل جدًا، والأجمل أن نهيّء قلوبنا ونجعلها مغارة نظيفة دافئة.

 

انتهت التحضيرات وأصبح كل شيء جاهزًا، شعرت مريم بالطفل الإلهي يتحرّك في أحشائها العذريّة، فأصبحت جميلة للغاية حتى أنّها لم تعد تبدو وكأنّها إنسانة أرضيّة، وجهها كان يشعّ كشمس بهيّة، وهيأتها ذات وقار لا يوصف، وقلبها يضطرم بحبّ ملتهب. كانت ساجدة في المغارة ويداها مضمومتان إلى صدرها، وعيناها مرتفعتان إلى السماء وعقلها مسمّر بالله، عندئذ أعطت الأميرة السماوية للعالم ملكه الحقيقي، سيّدنا يسوع المسيح، لقد كان ذا جمال خارق، ومجد نفسه كان يفيض إشراقًا على جسده، كما حدث لاحقًا على جبل طابور.

 

 

اضاءات على ميلاد الطفل يسوع

 

 

* أصل ومعنى الاسم "يسوع المسيح"؟

 

اسم "يسوع" مشتق من اللغة الآرامية الى العبرية ويعني "الله يخلص" ولقد سمى المسيح باسم "يسوع" حسب قول الملاك ليوسف: يا يوسف ابن داود‍ لا تخف أن تأتي بمريم عروسك إلى بيتك، لأن الذي هو حبلى به إنما هو من الروح القدس. فستلد ابنًا، وأنت تسميه يسوع لأنه هو الذي يخلص شعبه من خطاياهم، حدث هذا كله ليتم ما قاله إشعيا النبي: "ها إن العذراء تحبل، وتلد ابنا، ويدعى عمانوئيل أي الله معنا".

 

أما اسم "المسيح" فيشير إلى "المسيا"، الملك الممسوح، الذي تنبأ عن مجيئه أنبياء العهد القديم بأنه سيأتي ليحرر وينقذ اليهود وكذلك جميع الأمم. وكلمة "الممسوح" كانت تشير أصلا إلى رئيس الكهنة أو الملك الذي كان يمسح أو يدهن بالزيت المقدس عند تعيينه أما المسيح فهو ممسوح بالروح القدس.

 

* بميلادك يا رب انهالت عليك الاوصاف والالقاب. فالقديس متى وصفك بأنك المخلص وملك اليهود والقدوس وابن الله والمدبر الذي يرعى شعب اسرائيل كما دعاك ناصريا وابن داؤد. والقديس لوقا قال عنك تملك على بيت يعقوب ولا يكون لملكك نهاية كما ناداك المسيح الرب وقال عنك انك عظيم وابن العلي تدعى. والقديس مرقس قال عنك انك ابن الله. والقديس يوحنا اول من تبعك في البشارة واخر من رافقك الى الصليب وتسلم امك مريم. ونحن ماذا نقول عنك يا طفل المغارة؟ انت كل هذه الالقاب والاوصاف، انت الرب والاله، انت حبيبنا وقائدنا، انت الراعي الصالح ونحن خرافك، انت حياتنا ورمزنا وعنواننا، والمولود في قلوبنا.

 

* ميلادك ربّي قصّه حبّ لا تنتهي. ميلادك محبّة ومغفرة وأخوّة ومصالحة. مسامحة وسلام وفرح الحياة. ميلادك دواء وشفاء شبع وارتواء تعزيه وأمل ورجاء. ميلادك أنوار وأضواء تشرق على الكون وتنير القلوب والعقول، وتتفرّع أشعّتها وتمحو الظلمه وتسحق الشرور. ميلادك رحمة، ولمسه حنان تبريء السقيم وتفرح الزعلان. ميلادك يسوع عرس لا ينتهي. ميلادك بداية الخلاص. فتعال ربّي ولا تبطيء نحن ننتظرك.

 

 

ابتهالات وصلوات لطفل المغارة

 

يا طفل السلام ثبت سلامك في ضمائرنا وفي بلدان شرقنا الجريح، ولا سيما غزة والضفة، واحفظ اردننا الغالي، ملكًا وجيشًا وشعبًا.

 

يا طفل المحبة ازرع محبتك في قلوبنا ولا تجعلنا نكره او نحسد او ننتقم.

 

يا طفل الفرح اجعلنا نمتلأ من النعمة التي انسكبت على شفتيك ونشع فرحا في كل ايام حياتنا.

 

يا طفل الرجاء قو ايماننا فيك لندرك انه بميلادك صالحت الأرض مع السماء، ورفعت البشرية من الموت الى الحياة. وبالتالي نفرح بميلادك كما فرح الرعاة، ونسجد لك، ونقدم لك ذواتنا، كما سجد لك المجوس وقدموا لك هداياهم النفيسة.

 

بميلادك يا رب نصلي من أجل المرضى والمسنين والمتألمين ومنكسري القلوب، من أجل الأيتام والأرامل والفقراء والجياع، من أجل ضحايا الحروب ولا سيما فلسطين الجريحة، من أجل المسافرين والغائبين، من أجل الذين ضلوا الطريق ولم يعرفوك بعد، من أجل إحلال الأمن والأمان والسلام، من أجل الذين رحلوا عنا والذين لا يذكرهم أحد. استجب وتحنن علينا يا رب.

 

بميلادك يا طفل المغارة نهنئ سيدتنا مريم العذراء، باب البر وباب الرب، التي حملت يسوع الذي هو سلامنا في أحشائها. بهذه النعمة الإلهيّة التي قبلتها طواعية، وبهذا المولود منها عمانوئيل، الذي تفسيره الله معنا، ونسلم عليها ونطوبها مدى الأجيال، طالبين شفاعتها لدى ابنها الحبيب، لأنه بفضل استحقاقاتها وشفاعتها ندخل في النعمة والصداقة العميقة مع المسيح ابنها ونصل الى الخلاص.

 

ولد المسيح هللويا... ليولد المسيح في قلوبنا... وكل عام وانتم وعائلاتكم واهاليكم بالف خير.