موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ٢٠ يوليو / تموز ٢٠١٣

بارود برائحة الياسمين

بقلم :
يارا حوراني - الأردن

أتدرون ماذا؟ عندما تنزلق قدم الإنسان في الخطية، ينجرف بكل حواسه، وتستيقظ فيه جميع غرائزه وكحيوانات مفترسة تهاجم بشراسة لتحصل على إشباعها الذي ترجوه، عندما يَشتَّم بعضنا رائحة الدم والخوف من الطرف المقابل، يوغِل أكثر طالبا المزيد منهما، ويشعر بتلك النشوة المدمرة التي لا تَشبَع، ويبحث عن المزيد علّها تكتفي وتسكُن، ولكن تلك الشهوات لا ترتوي ولا تتوقف وإن أعطيتها المزيد وكلما زِدتَ لها كلما زادت جوعا ووحشية، فعدما تدخل طريق الإدمان لأول مرة، تعود باحثا من جديد عن ذلك الشعور اللذيذ الذي اختبرته أول مرة، حتى تُدمِرك، وعندما تجور على الآخر، تعود تجور أكثر باحثا عن إحساس السيطرة والقوة التي منحك إياه، وكذلك عندما تقتل أول مرة، تشتاق لمزيد من القتل، لمزيد من الدم... لمزيد من الخوف الذي يمنحك مزيدا من القوة والعلو... أول الخطوات دائما هي أصعبها، وإن انزلقت رجلك وسلكت أول مرة، متجاوزا تأنيب ضميرك وصراعك الداخلي بين ما هو إنساني إيماني وبين ما يُغريك للخطيئة، فقد تُكرِر التجربة مرات عديدة بعدها حتى تُدمِرك وتدمر عالمك من حولك. القتل لا يختلف كثيرا عن التدخين، فعندما تضع قدمك على أول الطريق وتسلك، تتكرر أكثر، وكلما شممت رائحة البارود والدم والخوف، وتلذذت بإحساس القوة والسيطرة، عُدتَ طالبا للمزيد وتنسى بعدها إنسانيتك وروحك وضميرك خانقا إياهم برائحة البارود الحاد السام... ولذلك أقترح، أن نَلُف كل بارودة بعرق ياسمين، فالياسمين رقيق أبيض صافي، يُذكِّرنا دائما بحاراتنا القديمة، وبيوتنا الحنونة وطفولتنا البريئة، يُذكِّرنا بحبنا الأول وموسيقانا الجميلة، وطبيعة الياسمين أن رائحته فواحة عابقة منتشرة بكل الأجواء وتطغى على ما حولها من روائح، فعلّها تطغى على رائحة البارود وتُخفي سُمّها، فعندما تُمسِكها لتطلق نيرانها، تجد الياسمين وتشم رائحته فتحتضنها بدل أن تحملها، وتضمها لصدرك كأنك تضم إنسانيتك وطفولتك وذكرياتك البريئة وتنسى نشوة القتل والموت ورائحة البارود وسبب القتال، وتعود إلى بيتك لتُقبِّل يد والديك وتحتضن أطفالك وتترك مغريات الشيطان من سلطة وقوة ومنصب وتعود حراتنا تعمر بالياسمين ورائحته من جديد.