موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ٦ ديسمبر / كانون الأول ٢٠٢١

باباوات الكنيسة الكاثوليكية والقديس يوسف (1)

بقلم :
د. أشرف ناجح عبد الملاك - كولومبيا
باباوات الكنيسة الكاثوليكية والقديس يوسف

باباوات الكنيسة الكاثوليكية والقديس يوسف

 

مُقدّمة[0]

 

مع إعلان البابا فرنسيس أنّه بدايةً من يوم 8 ديسمبر/كانون الأول 2020 حتّى 8 ديسمبر/كانون الأول 2021 ستخصّص الكنيسةُ جماء "عامًا" ليوسف الناصريّ– خطيب وعروس مريم العذراء والأب الحاضن والحارس ليسوع المسيح، حتّى غمر الفرح قلوب المؤمنين الكاثوليك في أنحاء العالم بأسره؛ فَرَاحَ المؤمنون يكثرون من تشفّعهم بهذا القدّيس العظيم، ويذكرونه ويتحدّثون ويكتبون عنه بغزارة. وقد افتتح قداسة البابا هذا "العام اليوسفيّ" بإصدار رسالته الرسوليّة "بقلب أبويٍّ" (8 ديسمبر/كانون الأول 2020)، والتي كرّسها لهذه الشخصيّة الاستثنائية. ففي الواقع، إنّ ما يريده قداسة البابا من المؤمنين هو أن يـتأمّلوا في شخصية وحياة نجَّار الناصرة الذي احتلّ، بعد مريم العذراء والدة الله، منزلة كبيرة في تعليم باباوات الكنيسة الكاثوليكيّة. ولربّما تَسَاءل بعضهم: لماذا هذا العام بالذات؟ إنّ الإجابة تكمن في أنّنا، هذا العام، نتذكّر معًا مرور 150 سَنة على إعلان القدّيس يوسف "شفيعًا للكنيسة الجامعة" من قِبَل الطوباويّ البابا بيوس التاسع، وقد حدث هذا بالتحديد في يوم 8 ديسمبر/كانون الأول 1870.

 

تهدف هذه المقالة الموجزة إلى إعادة قراءة الماضي بشأن التعليم الرسميّ لباباوات الكنيسة الكاثوليكيّة حول القدّيس يوسف، وحول شخصيّته وحياته. وبكلمات أخرى، الغاية التي نرمي إليها هي تقديم لمحة سريعة عن تعليم باباوات الكنيسة حول يوسف الناصريّ، ولا سيّما في القرنين الأخيرين من الألفيّة الثانية، أيْ في الفترة الممتدة ما بين المجمع المسكونيّ الفاتيكانيّ الأوّل (1869-1870) والمجمع المسكونيّ الفاتيكانيّ الثاني (1962-1965)، وهما أخيرا مجمعين في سلسلة مجامع الكنيسة الكاثوليكيّة البالغ عددها واحد وعشرون[1]. وكما سنرى، كانت هذه المسيرة مكتظّة وثَرية بالتعاليم الحبريّة بشأن القدّيس يوسف؛ فعلى سبيل المثال لا الحصر: قد أعلنه البابا بيوس التاسع "شفيعًا للكنيسة الكاثوليكية"، وقدّمه البابا بيوس الثاني عشر على أنّه "شفيع للعمّال"، ووصفه البابا يُوحنَّا بولس الثّاني على أنّه "حارس الفادي".

 

1. منذ المجمع المسكونيّ الفاتيكانيّ الأوّل حتّى المجمع المسكونيّ الفاتيكانيّ الثاني

 

أ) البابا بيوس التاسع (المتنيّح في 7 فبراير/شباط 1878)

 

لعب البابا بيوس التاسع دورًا حاسمًا جدًّا في ما يتعلّق بالتعليم الرسميّ للكنيسة الكاثوليكيّة حول القدّيس يوسف النجَّار. ففي الواقع، في بداية خدمته البطرسيّة، في 10 سبتمبر/أيلول 1847، بواسطة مرسوم  "البطريرك العظيم يوسف" (Inclytus Patriarcha Joseph) لـ"مجمع الطقوس" المقدّس، حدّد العيد واللّيتورجيا المتعلّقين بكون القدّيس يوسف راعيًّا وشفيعًا للكنيسة الجامعة، وأن يكون ذلك في الأحد الثالث بعد عيد الفصح. وفي عام 1854، في حديث رسميّ، أكّد قداسة البابا على أنّ القدّيس يوسف– مَن يُعتبر أبًّا للطفل الإلهيّ–  هو، بعد القدّيسة مريم العذراء، رجاء الكنيسة الأكيد والراسخ.

 

وعلاوةً على ذلك، قام قداسة البابا، في 8 ديسمبر/كانون الأول 1870، من خلال مرسوم آخر "المدينة والعالم" (Urbi et orbi) لـ"مجمع الطقوس"، بإعطاء طابع رسميّ لاحتفال المؤمنين بنجَّار الناصرة. وعلى هذا النحو، فقد أعلن رسميًّا القدّيسَ يوسف "شفيعًا للكنيسة الجامعة"؛ ومن ثمّ، فقد أقام عيده بطقس خاصّ في يوم 19 مارس/آذار، على كونه عروس مريم العذراء. وهذه هي بعض المقتطافات من النصّ الذي صدر عن "مجمع الطقوس" بشأن هذا العيد المتعلّق بالقدّيس العظيم واللامع يوسف:

 

«وبما أنّ الكنيسة عينها، في هذه الأوقات العصيبة والحزينة، تتعرّض للهجوم من كلّ حدب وصوب من قِبَل أعدائها، وتُحاصر بكثير من المصائب الخطيرة، حيث يبدو أنّ الأشرار يسودون عليها أبواب الجحيم، فإنّ أساقفة العالم الكاثوليكيّ بأسره المكرمين، بصفتهم الشخصيّة وباسم كلّ المؤمنين الموكلين إليهم، قد رفعوا التماساتهم إلى الحبر الأعظم لكي يتكرّم بإعلان القدّيس يوسف شفيعًا للكنيسة. ومع تجديد هذه التوسّلات والأصوات بقوّة أعظم خلال انعقاد المجمع المسكونيّ الفاتيكانيّ [الأوّل] المقدّس، فإنّ الأب الأقدس بيوس التاسع– متأثرًا بالوضع المزري في هذه الأزمنة– أراد إرضاء أصوات الأساقفة وأعلنه رسميًّا شفيعًا للكنيسة الكاثوليكيّة، لكي يضع نفسه والمؤمنين أجمعين تحت الرعاية القويّة للبطريرك القدّيس يوسف. وقد أمر بأن يتمّ الاحتفال بعيده يوم 19 مارس/آذار من الآن فصاعدًا».

 

وأخيرًا، في 7 يوليو/تموز 1871، وعبر رسالته الرسوليّة "البطريرك العظيم" (Inclytum Patriarcham)، لخّص قداسة البابا التعليم الرسميّ الحبريّ السابق حول القدّيس يوسف، مُعْتَرِفًا بحقّ هذا القدّيس العظيم في إكرامٍ خاصّ؛ وقدّم أيضًا أوّل عرض موجز عن شخصيّته، متحدّثًا عن ألقابه وعظمته وكرامته وقداسته ورسالته.

 

ب) البابا لاون الثالث عشر (المتنيّح في 20 يوليو/تموز 1903)

 

كرّس البابا لاون الثالث عشر، في السَّنة الثانية عشرة من حبريّته (في 15 أغسطس/آب 1889)، عبر رسالته العامّة Quamquam Pluries ("على الرغم من عدّة مرات" أو "ومع ذلك في كثير من الأحيان")، شهر مارس/آذار للقدّيس يوسف البتول والعفيف[2]. وبوجه عامّ، تعرّض قداسة البابا، في رسالته العامّة هذه، إلى الطوباويّ يوسف من حيث كونه أبًّا ليسوع، ونَمُوَذَجًا للآباء والعمّال أيضًا. وقد شرح دوافع إكرامه في الكنيسة: لقد كان زوج مريم العذراء والأب الحاضن والحارس ليسوع المسيح؛ ومن هنا جاءت كلّ عظمته ونعمته وقداسته ومجده.

 

وبعد وصفه لمحيط وسياق حقبته الخطيرة والمقلقة، قدّم قداسة البابا نجَّارَ الناصرة كنَمُوَذَج للمسيحيّين أجمعين، مهما كانت ظروفهم ومكانتهم، حيث يمكنهم أن يجدوا فيه الحماية الأكيدة. فيجد آباءُ العائلات في القدّيس يوسف أسمى نَمُوَذَج لليقظة الأبويّة والعناية الإلهيّة، والأزواجُ مثالًا للمحبّة والوئام والإيمان الزوجيّ، والعذارى دليلًا لسلامة العذراويّة. ويتعلّم النبلاء، الذين يضعون صورة يوسف أمامهم، الحفاظَ على كرامتهم حتّى في الظروف المعاكسة؛ فالأثرياء يفهمون ما هي الخيرات التي من المناسب أن يرغبوا بها بشوق متحمّس والتي يجب أن يعتزوا بها. وأمّا العمّال والفقراء فإنّهم يتعلّمون منه ما يجب عليهم الاقتداء به.

 

ومن جهة أخرى، أكّد البابا لاون الثالث عشر على أنّ الممارسة المتعلّقة بتكريس شهر مارس/آذار لإكرام البطريرك القدّيس يوسف، من خلال تدريبات يوميّة تقويّة، لهي ممارسة صحيّة وجديرة بالثناء، وهي مترسّخة بالفعل في بعض البلدان. وفي ما يتعلّق بالأماكن التي لا يكون فيها يوم 19 مارس/آذار– المكرّس للطوباويّ يوسف– عيدًا ملزمًا، فإنّه حضَّ المؤمنين على إظهار التقوى الخاصّة تجاه نجَّار الناصرة بقدر الإمكان في هذا اليوم، إكرامًا لراعيهم وشفيعهم السماويّ، كما لو كان عيدًا ملزمًا. وتجدر الإشارة هنا بأنّه في الرسالة العامّة عينها وَعَدَ قداسة البابا بالغفرانات الدائمة لكلّ شخص يصلّي بإخلاص وتقوى للقدّيس يوسف بعد المسبحة الورديّة الخاصّة بالقدّيسة مريم العذراء، خلال شهر أكتوبر.

 

ت) البابا بيوس العاشر (المتنيّح في 20 أغسطس/آب 1914)

 

أضاف البابا بيوس العاشر، متّبعًا سلفه المكرّم البابا لاون الثالث عشر، العديد من التعبيرات والتقويّات الخاصّة بالقديس يوسف، علاوةً على عدد كبير من الغفرانات. وعلى صعيد آخر، نقل قداسة البابا العيد المتعلّق بكون القدّيس يوسف شفيعًا للكنيسة الجامعة من الأحد الثالث بعد عيد الفصح إلى يوم الأربعاء بعد الأحد الثالث لعيد الفصح (أي الأربعاء الثالث بعد عيد الفصح).

 

ث) البابا بِنِديكْتُس الخامس عشر (المتنيّح في 22 يناير/كانون الثاني 1922)

 

لجأ البابا بِنِديكْتُس الخامس عشر، في مواجهة الحرب العالميّة الأولى وعواقبها المتعدّدة، إلى الشفاعة المقتدرة للبطريرك اللامع يوسف، بواسطة صياغة مقدّمتين إفخارستيّتين جديدتين، في 9 أبريل/نيسان 1919، إكرمًا للقدّيس يوسف. وفي يوم 25 يوليو/تموز 1920، بمناسبة الاحتفال بالذكرى الخمسين لإعلان نجَّار الناصرة كشفيع جامعيّ للكنيسة، نشر قداسة البابا "براءة بابويّة" بعنوان "كان أمرًا جيّدًا وصحيًّا" (Bonum sane)، وقد تناول فيها مسألة إكرام القدّيس يوسف[3]. وفي هذه الوثيقة، ذكّر قداسته بفاعليّة إكرام القدّيس يوسف كعلاج لمشاكل ما بعد الحرب، داعيًا الجميع إلى طلب شفاعته.

 

ج) البابا بيوس الثاني عشر (المتنيّح في 9 أكتوبر/تشرين الأول 1958)

 

أوضح وحدّد البابا بيوس الثاني عشر تعليمه حول نجَّار الناصرة عبر ثلاث نقاط هامّة. ففي المقام الأوّل، في أبريل/نيسان 1940، عرض قداسته على الأزواج الشُّبَّان وَالشَّابَّات الحاجة الملحّة لمناجاة القدّيس يوسف– حامي مريم ويسوع، داعيًا المتزوجين الجدد إلى وضع أنفسهم تحت عباءة عروس مريم العذراء الآمنة والخَفيفة. وأكّد قداسته أيضًا على أنّ يوسف الناصريّ كان، في حياته الأرضيّة، مستترًا في الظلّ. ومع ذلك، فإنّ المقاطع النادرة والمختصرة التي يتحدّث فيها الإنجيلُ عنه تكفي لإثبات أنّ رأس العائلة كان هو عينه؛ وبالتالي فهو نَمُوَذَج وشفيع خاصّ لجميع الأزواج الشُّبَّان وَالشَّابَّات.

 

وثانيًا، في عام 1955، كتقدير للعيد المدنيّ للعمل، جعل قداسة البابا القدّيسَ يوسف الحرفيّ والعامل ("النجَّار") "شفيعًا للعمّال" ونَمُوَذَجًا لهم؛ وهو ما نتذكّره ونحتفل به في الأوّل من مايو/أيار من كلّ عام. وقد نقل قداسته أيضًا العيد المتعلّق بكون القدّيس يوسف شفيعًا للكنيسة الجامعة من الأربعاء الثالث بعد عيد الفصح إلى هذا اليوم، أيْ إلى الأوّل من مايو/أيار من كلّ عام. وأخيرًا، في عام 1956، أوضح وشدّد الحبر الأعظم على أنّ عروس مريم العذراء ووالد يسوع قد كان واحدًا من أكثر الشهود امتيازًا لمحبّة الطفل الإلهيّ[4].

 

 

الحواشي والمراجع

 

[0] قد نُشرت هذه المقالة بمناسبة السّنة المخصّصة للقدّيس يوسف (من يوم 8 ديسمبر/كانون الأول 2020 حتّى 8 ديسمبر/كانون الأول 2021)، في عدد خاصّ بالقدّيس يوسف كرّسته مجلة "رسالة القديسة تريزا" له، والتي مركز إدارتها وتحريرها دير الآباء الكرمليين بمصر، تحت عنوان «القدّيسُ يُوسف في التّعليم الرّسميّ لباباوات الكَنيسة الكاثوليكيّة».

[1] إنّ اعتمادنا الأوّل في كتابة هذه المقالة هو– بالطبع– منشورات باباوات الكنيسة الكاثوليكيّة الذين سنتعرّض لهم كلّ واحد على حدة، علاوةً على بعض الكتب والدراسات والمقالات المنشورة باللّغات الأجنبيّة.

[2] Leone XIII, Lettera Enciclica Quamquam Pluries (15 agosto 1889).

[3]enedetto XV, Motu proprio Bonum sane (25 luglio 1920).

[4] Pio XII, Lettera Enciclica Haurietis aquas (15 maggio 1956).