موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
يا رب: لماذا تسمح بويلات الحروب والكوارث والشرور! لماذا تسمح بالمرض وبالموت ولا سيما موت الاطفال والصغار! اين عطفك والحنان! وما هي حكمتك يا رب! اسئلة كثيرة تدور في الاذهان في هذه الايام، او عندما نفقد احد احبتنا. والحقيقة أننا لا نستجوبك يا رب… ففي أمور كثيرة لا نستطيع إدراكها الآن، لكن سيأتي يوم نراها كما نرى وجهنا في المرآة.
فالحرب والشر والكوارث الطبيعية ليست من الله، وليست عقابا منه كما يقول البعض لأن «الله محبة» وان " الله حقا لا يفعل شرا " وهو لا يلحق الاذى بالابرياء، وكل ما نعيشه من حروب وويلات وكوارث طبيعية ما هي الا من صنع الشيطان والنظام العالمي والبشر المتمردين الذين يسيطر عليهم ابليس.
قد يقول قائل… الله كلي الصلاح فلماذا لا يفعل شيئاً تجاه الشر؟ الله لا يخلق الشر بل يسمح بحدوثه. في البدء عندما خلق الله العالم، خلق كل الأشياء حسنة، و خلق الإنسان وأعطاه حرية الاختيار التي تشمل الأخذ بخيارات صائبة أو خاطئة، الله يعطينا حرية أن نختاره أو لا نختاره، وحرية أن نعيش ونتمتع بالحياة ،وحرية القيام بالخيارات الصائبة أو الخاطئة، إلا أننا- وبكل تأكيد- علينا أن نحيا ونتعامل مع نتائج أفعالنا وأفعال الآخرين. إن إله المحبة هو أيضاً إله العدل يستخدم تجارب الحياة لخيرنا، ليطور شخصيتنا وليجعل منا أناساً أفضل، إن الله يهتم فعلاً، فمع أنه لم يعدنا بأن حياتنا سوف تكون خالية من المشاكل، إلا أنه وعدنا بأن يكون معنا حتى منتهى الدهر.
ولا شك في ان المرض ككل نواحي ضعف الطبيعة البشرية، نتج بسبب سقوط الانسان في الخطية منذ بدء وجوده على الارض. وهذا السقوط الذي كان للشيطان فيه اليد الطولى، لم يجلب على الانسان المرض فقط، وانما التعب وكل المصائب وحتى الموت. ان المرض يقود الى الخوف والانكفاء على الذات واحيانا الى اليأس والثورة على الله ولماذا يسمح به، وفي نفس الوقت يضع الانسان امام عجزه وحدوده ومحدوديته، وبالتالي الى التماس الله والعودة اليه.
انسان العهد القديم عاش المرض في حضرة الله واختبره بطريقة مرتبطة بالخطيئة والشر وان الشفاء منه يتم بالاخلاص لله ولشريعته ( انا الرب شافيك ) كما في سفر الخروج.
شفقة المسيح على المرضى وشفاؤه كثيرين دليل على ان الله افتقد شعبه وكثيرا ما كان يسوع يطلب الايمان من المرضى... ولم يحن قلبه للمرضى فحسب بل اخذ اسقامنا وحمل امراضنا... ولقد دعا تلاميذه لشفاء المرضى فكانوا يطردون الشياطين ويدهنون بالزيت كثيرا من المرضى ويشفونهم.
واما الموت لو ادركنا بأنه ليس النهاية بل هو خروج من هذه الحياة وعبور إلى الحياة الأخرى، وهو ترقية إلى مركز أعلى بمسؤوليات أعظم. تقول كلمة الله عن الموت في انجيل يوحنا " لست تعلم انت ما انا الآن اصنع، ولكنك ستفهم فيمابعد " ٧:١٣.
كما تقول كلمة الله ايضا في نفس السياق : أنه الدعوة إلى الراحة الأبدية، وعندما حزن تلاميذ الرب يسوع عندما أعلن لهم أنه سينطلق قال لهم: "لو كنتم تحبونني لكنتم تفرحون لأني قلت لكم أني أمضي إلى الآب" (يوحنا 14: 28) فيعلمنا الرب يسوع أن نفرح عند رحيل أحد أحبائنا من هذا العالم ولا نحزن متذكرين قول بولس الرسول " الحياة عندي هي المسيح والموت هو ربح" (فيلبي 1: 21) حاسبين في الموت أعظم ربح، فبالموت نترك الأتعاب المؤلمة ونتخلص من أنياب الشيطان السامة.
لنذهب إلى دعوة المسيح لنا متهللين بالخلاص الأبدي… "آمني به فتخلصين" "إن اعترفت بفمك بالرب يسوع وآمنت بقلبك بأن الله أقامه من الأموات خلصت" (رومية 10: 9)… علينا إذاً أن نجعل كل يوم كأنه اليوم الأخير لنا في هذه الحياة " لأنه ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه" (مرقس 8: 36).
ليكن ايماننا إن موت الأبرار هو دخول في السلام وفي الراحة الأبدية وفي النور. وان نرى في الموت ربحاً ما دام المسيح حياتنا، واننا نرغب في أن ننطلق لنكون مع المسيح، الذي بموته وقيامته تغيرت المفاهيم عن الموت، فالمسيح المنتصر يضيء من الآن فصاعداً الشعب الجالس في ظلال الموت، فقد حررنا من شريعة الخطيئة والموت، التي كنا مستعبدين لها حتى ذلك الزمان، فبعد أن كان الموت مصيراً مقلقاً، أضحى الموت موضوع تطويب: "طوبى للأموات الذين يموتون في رضا الرب"، فليستريحوا منذ اليوم الأول من المتاعب، ولننتظر مجيء المخلص يسوع المسيح الذي يبدل جسدنا الحقير فيجعله على صورة جسده المجيد فننتصر بذلك على الموت وندخل مجد السماء وندرك التمتع بالخالق الفادي.
اجعل يا رب بعد احبائنا واقربائنا واصدقائنا الذين سبقونا قربا اليك، وعذابنا وألمنا بفراقهم رحمة وعزاء، فطوبى لمن اخترتهم، والراحة الدائمة اعطهم يا رب، والنور الدائم فليضيء لهم، واما نحن الاحياء، فلنردد مع صاحب المزامير قائلين: الرب نوري وخلاصي فممن اخاف، الرب حصن حياتي فممن افزع، امرا واحدا سالت الرب وهو طلبتي، ان اسكن بيت الرب جميع ايام حياتي، لكي اشاهد نعيم المولى، واتمتع بهيكله متمتعا، فانت يا رب حنان رحيم ودود محب حليم، لم تعاملنا بحسب خطايانا، ولم تجازنا بقدر اّثامنا، فكرأفة الوالد بابنائه ترأف باتقيائك، فاسمع يا رب الى ابتهالاتنا واستجب لنا، ولا تحجب وجهك عنا، فانت عوننا فلا تخذلنا يا حنان يا رؤوف يا حليم. امين
امام هذه الويلات التي تعصف بنا من كل الاتجاهات ماذا علينا ان نعمل! هل نستسلم لابليس واعوانه! ام نلجأ الى الرب ونلقي عليه همومنا وامراضنا واحزاننا والامنا! فلنصلي قائلين يا رب احمنا من ابليس وسلطانه واعوانه، وانقذنا بسبب سقوطنا من قبل الشيطان في وحل الخطيئة واعمال الشرير، كما نصلي من اجل ان تنقذنا وتنقذ بلادنا من هذه الحروب المدمرة، كما نسألك يا رب ان تشفنا وتشفي مرضانا من امراض الروح والجسد... فنحن نؤمن ايمانا قاطعا بانك اله محب وحنون لم تخلقنا للمرض والشقاء والويلات والكوارث والحروب.
وفي تذكار جميع الموتى المؤمنين لا يسعنا الا ان نصلي… يا رب ارحمنا وارحم موتانا وجميع الموتى المؤمنين، الراحة الدائمة اعطهم يا رب والنور الدائم فليضيء لهم، ولتسترح نفوسهم بسلام آمين