موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ٢٤ مارس / آذار ٢٠١٦

المصلوب

بقلم :
الأب منويل بدر - الأردن

القبض على يسوع قد حانَتِ الساعةُ هيّا نَنَزِلُ إلى وادي قَدرون حيثُ يهوذا والخَوَنةُ مَعَهُ بِنا فوراً سَيَلْحقون هناكَ فـي بُسْتانِ الجسمانيَّةِ القريـبِ الهــادي إبْتعدَّتَ عنهم رميةَ حَجَرٍ ورُحْتَ أباكَ تُنادي الرُّوحُ مستعدٌّ لكنَّ الجسْمَ فضعيف ارتَعدَّتَ إذْ رأيْتَ العذابَ المُـخيف مِنَ الحُزْنِ انْهالَ عَرَقُكَ كالدَّمِ الأَحْمر بهذا الدّمِ غسلتَ نفسنا فصارتْ كالقمر بعدها جاءَ الخائنُ يهوذا قائداً ودليل لِحُرّاسٍ مِنَ الكهنةِ أغْروهُ بمالٍ قليل تقدّمَ خُطْوةً إليكَ وأعطاكَ قُبلَةَ الخِيانة فَتَمّتْ نُبُوَّتُك بـهِ حقّاً ومـات بلا عناية محاكمة بيلاطس كَبَّلوا يسوعَ واقتادوهُ إلى بيلاطس الّـذي افْتَكَرَهُ لِلْقَيْصَر أكْبرَ مُنافِس إمتلأَتِ القـاعَةُ بالأعداءِ لحُضـورِ المُحاكَمَة كَثُرَتِ الشّكاوي عليهِ لكنَّها ما كانتْ مُلائِمَة قالَ بيلاطٍسُ لا أجِدُ علـيهِ مُخالَفةً سِياسيّة إذْ كلَّ ما قُلتُمْ وقدَّمْتُمْ هيَ مُشاحناتٌ دينيّة خُذوه أنتُمْ إلى قيافا، ذاكَ الشّيْخِ الجليل كان رئيسَ الهيكلِ ويَفْهمُ بِكِتابِ الخليل رَجَعوا مِنْ عِندِ قيافا بمرسومِ مَلِكْ أُقْتُلْهُ! إصلِبْه وإلاّ كُلُّ الشّعبِ هَلِكْ إلى الجلجلة والصّلب حمّلوهُ صليباً ثقيلاً كأنّهُ أكبرُ المُجرِمين واقتادوهُ وعلى رأسِهِ إكليلُ شَوْكٍ مُهين كانوا جَلدوهُ وأدْمُوا لهُ رأسَهُ فخارتْ قِواه وقَعَ على الطريق مرّاتٍ فاستعانوا بسواه مـا أنْ وَصَلوا جبلَ الجُلْجُلَةِ العــالي حتّى سمّروهُ وصلبوهُ للسّببِ التّالي: كتبوه فوقهُ: يسوعُ النّاصريُّ ملِكُ اليهود! هِيَ مُؤامرةٌ مِنَ الرُّومانِ عليهِم بِلا شُهود إلـى جانِبِهِ صَلَبوا لِصّيْنِ يمـيناً ويسارا ثَبَتَ عليهِما اختلاسٌ مارَسَاهُ كانَ عارا في غَمْرَةِ الألَمِ صاحَ الشّعْبُ: إنزِلْ عَـنِ الصّليب أَثْبِتْ لنا أنَّكَ المُنْتَظَرُ فَنُؤْمِنُ بِكَ إِنْ أنتَ تستجيب إنضمَّ إليهِمْ لصُّ اليسارِ صـارخاً لاعِناً علـى ربِّه نَعَم إنْزَلْ وأَنْزِلْني مَعَكَ ولْيرأفْ أبوكَ بِيَ وبشعبه قال لصُّ اليمينِ ألا تخافُ الله وتَفْهَمَ لِمَ نَحْنُ صُلِبنا هذا بريءٌ مِنْ تُهْمَتِهِمْ أمّا نَحْنُ فطريقَ الشّرِّ سَلَكْنا وأدارَ رَأْسَهُ إلِـى يسوع مُسْتَسْمِحاً يقول إرأَفْ بي وإذا بيسوعَ يقولُ لهُ مُعزِّياً: سنلتقي حالا عند أبي وأسلم الرّوح! بَعْدَ عَذابِ ثلاثِ سـاعـاتٍ لا يُوصَف سادَ فجأةً هدؤٌ ما كانَ قَبْلاً قَدِ انْعَرَف فانْشَقَّ حِجابُ الهيكلِ إلى إثنينِ والشَّمسُ انْكَسَفَتْ والأرضُ حَوْلَهُ تزلزلتْ والصُّخـورُ بِـقُوّةٍ تشقَّقَتْ ففارقتْهُ الرّوحُ وعادتْ عِندَ أبيهِ في السّماء تكفيراً عن خطايا العالَمِ فاللهُ أرحمُ الرُّحَماء الأمُّ الحزينة في آخرِ هذهِ اللَّحظاتِ الصّعْبَةِ المُرَّةِ الأليمة كانتْ أُمُّـهُ تُؤاسيهِ بصمتٍ ونظرةٍ لها قــيمة هُنا جازَ سيفُ الحُزْنِ الّذي تنبّأَ بِهِ سمعان واخْتَرَقَ نفسَها لكنّها احْتَمَلَتْهُ بقوَّةِ الإيمان نظَرَ إليها عِنْدَ أقدامِهِ لِفُقْدانِهِ حزينةً باكيه فعزّاها مُشيراً إلى يوحنّا بنظرةٍ مُحاكِــيه هذا ابنُكِ فلا تبكي، وأنتِ أُمُّهُ وأُمُ الجميع فَهُمْ في حمايَتِكِ مـِنَ الكبيرِ حتّى الّرَّضِيع ثمَّ قالَ: قَدْ تمّْ! وأمالَ رأسَهُ وأسلمَ الــرّوح فأظلمتِ الشّمسُ وتمايلتِ الأرضُ كالرّيح واهتزّتِ الجبالُ على أشنع ميتةٍ في التّاريخ ما شَهِدَهَا إنسانٌ قَطُّ لا هُنا ولا على المرّيخ فالسُّؤالُ يا تُرى: هَلِ انْتَهَتْ حياتُهُ بِذِي الفاجِعة؟ أمْ سَتَصْدُقُ أقوالُهُ فيقومَ ونبدأَ مَعَهُ حياةً رائـعة؟ خبر القيـامة ألخَبَرُ المُفْرِحُ الكبيرُ جاءَ بَعْدَ ثلاثةِ أيّام ذاعَ صَداهُ كالبَرْقِ والنّاسُ ما زالتْ نِيام حَجَرُ القبرِ الكبـيرُ بِقوَّةٍ تَدحْرج فقامَ منْهُ المسيحُ، نعم حيّاً خرج فلولا هذا الخبرِ، لولا القِيامَة لانتهى الدّينُ وعليهِ السّلامَة أمّا المسيحُ فقامَ حيّاً ونحنُ مَعَهْ فلهُ مِنّا الشّكْرَ بالرَّحبِ والسِّعَه من أجمل ما كتب جبران خليل جبران عن المصلوب!! وأنت أيها الجبار المصلوب، الناظر من أعالي الجلجلة إلى مواكب الأجيال، السامع ضجيج الأمم، الفاهم أحلام الأبدية، أنت على خشبة الصليب المضرجة بالدّماء أكثر جلالاً ومهابةً من ألفِ ملكٍ على ألفِ عرشٍ في ألفِ مملكةٍ. بل أنت بين النزاع والموت أشدّ هولاً وبطشًا من ألفِ قائدٍ في ألفِ جيشٍ في ألفِ معركةٍ. أنت بكآبتك أشدّ فرحًا من الربيع بأزهاره، أنت بأوجاعك أهدأ بالاً من نور الشمس. إنّ إكليل الشوك على رأسك هو أجل وأجمل من تاج بهرام، والمسمار في كفّك أسمى وأفخم من صولجان المشتري، وقطرات الدماء على قدميك أسنى لمعانًا من قلائد عشتروت. فسامح هؤلاء الضعفاء الذين ينوحون عليك لأنّهم لا يدرون كيف ينوحون على نفوسهم، واغفر لهم لأنّهم لا يعلمون أنّك صرعت الموتَ بالموتِ ووهبتَ الحياة لمن في القبور.