موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
في سر القربان هناك الحب الذي لا يعرف نهاية، هناك المحبة الأبدية التي لا تعرف حدود، هناك جسدٌ أحب البشر ودمٌ نزف من أجل خلاص الإنسان، هناك الخبز الذي كسر على مائدة المحبة وخمرٌ جديد في كأس الخلاص الأبدي، هناك العطاء حتى الموت وهناك التواضع الذي تجسد عند مائدة المخلص. سر القربان المقدس (الإفخارستيا) هي إحدى الأسرار التي أسسها المسيح ليلة العشاء الأخير، أسسها قبل أن يتألم ويصلب ويموت، إنه حضور الرب يسوع المسيح الدائم في كنيسته وسط شعبه، فحين يتوق القلب إلى يسوع، يستطيع أن يراه الإنسان في سر القربان المقدس، فالخبز الذي كسره يسوع وكأس الخمر الذي باركه في ليلة خميس الأسرار بكلمة واحدة من شفاه تحول إلى جسده ودمه الأقدسين، لقد أعطى يسوع جسده ودمه على شكل الخبز والخمر في ليلة خميس الأسرار ليكون غذاءً روحياً لحياتنا ومن على الصليب في اليوم الذي يليه قدم جسده ذبيحة من أجل خلاصنا من الخطيئة، حيث أظهر لنا المسيح قمة العطاء والمحبة في هذا السر العجائبي. اصنعوا هذا لذكري، أنها ليست بكلمة عابرة قالها المسيح، ففي سر القربان هو تذكار لموت المسيح وقيامته في كل مرة تقام بها الذبيحة الألهية، حيث أن ذبيحة يسوع الدموية على الصليب تتواصل في ذبيحة القداس غير الدموية على المذبح، فهنا تتصل الأرض في السماء من خلال هذا السر، وفي سياق أخر حتى يُعلم تلاميذه والبشر أجمعين كيف يعيشون المحبة والتواضع والعطاء والتضحية وخدمة الغير التي لا حدود لها، قام وغسل أرجل التلاميذ بنفسه قبل أن يُطهر ويغسِل وينقي نفوسهم من الشر والذنوب والخطايا من خلال دمه الذي سيراق على الصليب من أجل خلاصنا من الخطيئة والدخول في العهد الخلاصي الجديد، فما أجمل هذه النعم التي يحصل عليها الإنسان في يوم خميس الأسرار. إن علاقة المؤمن بسر القربان علاقة حب متبادل، المسيح أعطى لنا جسده ودمه بكل محبة ليكون غذاءاً روحياً لنا ونحن نتقدم للمناولة بكل محبة وإيمان لنقبل المسيح في قلوبنا، فما أجمل أن يقدّم المؤمن قلبه للمسيح، وتكون نبضاته صلاة حبّ له، تقبل قرابينك بكل حب وإيمان، لقد أعطى يسوع جسده ودمه لجميع تلاميذه ليلة خميس الأسرار رغم أنه كان يعلم أن يهوذا سيخونه وبطرس سينكره ويوحنا الحبيب سيرافق مريم ويركع عند أقدامه تحت صليبه، وفيهم أيضاً من وقفوا بعيداً خائفين من الجنود وتوما الذي كان يريد أن يرى جروحات المسيح ليؤمن بقيامته من الأموات، إذن المسيح لم يميز شخص عن أخر، حيث أعطى جسده ودمه ليس فقط للمؤمنين بل للخاطئين أيضاً ليعيدهم إلى حياة الإيمان والمحبة، فهذا المشهد لخص المحبة التي ليس لديها حدود في ليلة العشاء الأخير، كل ما رأيناه في سر القربان، وما قد مهده لنا يسوع في سر القربان يوم خميس الأسرار أكمله وحققه عند الصليب، في خميس الأسرار كان الخبز والخمر رمز لجسده ودمه الأقدسين أي هي الذبيحة الإلهية عينها، وفي الجمعة العظيمة كان المسيح هو الذبيحة التي تجلت على خشبة الصليب. ما هو الحب الذي قدمه يسوع للكنيسة في سر القربان؟ في ليلة خميس الأسرار لم يكتفي المسيح بتأسيس سر القربان المقدس بل أسس أيضاً سر الكهنوت المقدس الذي به أعطى يسوع تلاميذه كل الصلاحية للقيام بالأسرار الكنيسة وأهمها هذا السر العظيم، ومن ذاك الوقت سر الإفخارستيا هو مركز حياة الكنيسة، فالذين ينالون الإفخارستيا يتّحدون بالمسيح اتحادا لا مثيل له، والمسيح يجعلهم متحدين بجميع المؤمنين في جسد المسيح واحد أي الكنيسة، فعند تناول القربان المقدّس نتّحد بالمسيح عن قرب وذلك يوّحدّنا أكثر مع أشخاص آخرين تناولوا جسد الرّب أيضًا، حيث أن القربان المقدّس هو الذي يوحدنا مع يسوع ومع كل الإخوة والأخوات في الكنيسة، هناك حاجة اليوم لإعادة اكتشاف أن القربان المقدّس مصدر وقمّة حياة الكنيسة ورسالتها لذا يجب علينا ترجمة هذا إلى حياة نعيشها كل يوم بقوة الروح القدس، ولنجدد إيماننا بسر القربان الأقدس الذي هو محور الكنيسة، لكي تحقّق ذاتها بفضل إيمانها بالإفخارستيا بنوع خاصّ، إنّ الكنيسة بحاجة ماسّة إلى كهنة يخدمونها بكل محبة ويقيموا الذبيحة الإلهية بكل حب، ومؤمنين أعضاء في جسد المسيح الواحد. وفي النهاية دعونا نعيش الحب في سر القربان ليهبنا الله القوه من هذا السر العظيم، دعونا نسجد أمام القرابين التي هي جسد ودم المسيح بكل تقوى وخشوع، دعونا نلتقي المسيح من خلال المناولة المقدسة ليضيء لنا المسيح حياتنا ويرشدنا ويعطينا النعم والقوه والقدره ولنولد معه كل يوم من جديد ، فالقربان المقدّس يقدّم لنا لمحة عن سعادة السّماء حيث يخلق في قلوبنا الفرح الذي نختبره عند الاتحاد مع الله، فهو طريقنا إلى الفرح الإلهي والسعادة الأبدية.