موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأحد، ٢٢ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠٢٣

الحرب والسلام في المسيحيّة

بقلم :
بسام دعيبس - الأردن
"لا يغلبنك الشر بل اغلب الشر بالخير"

"لا يغلبنك الشر بل اغلب الشر بالخير"

 

اختلفت تعاليم يسوع والمعتقدات المسيحية المبكرة عن نظرة العهد القديم للحرب.

 

علّم يسوع أتباعه أن يحبوا أعدائهم وأن يديروا خدهم الآخر عندما يظلمهم شخص ما (متى 5:39). اعتقد المسيحيون الأوائل أن الحرب لا تتوافق مع تعاليم يسوع وأن المسيحيين يجب ألا يشاركوا في الحروب فقد كانوا من دعاة السلام وكانوا يعتقدون أنه من الخطأ قتل أي شخص، حتى في حالة الدفاع عن النفس. وكانوا يعتقدون أن على المسيحيين أن يحذوا حذو يسوع في اللاعنف وأن يحبوا أعدائهم، فقد استشهد الكثير منهم بسبب إيمانهم هذا، وبسبب رفضهم لحمل السلاح، وسفك دماء الآخرين، وعدم قتل حتى الذين يُسمون أعداء، تماما مثلما تعلموا من الرب يسوع.

 

بالمقابل هناك نظرية "الحرب العادلة"، وهي الاعتقاد بأن الحرب يمكن تبريرها في ظل ظروف معينة، مثل الدفاع عن النفس أو حماية الأبرياء من الأذى. فقد طور بعض اللاهوتيين المسيحيين الأوائل، مثل أوغسطينوس وتوما الأكويني، هذه النظرية. لقد اعتقدوا أن الحرب يمكن أن تكون مبررة أخلاقيًا إذا استوفت معايير معينة، مثل قضية عادلة وسلطة شرعية وفرصة معقولة للنجاح. إلى أن جاء القديس فرنسيس الاسيزي فعلم أتباعه على عدم اللجوء إلى العنف والقتال وزهق الأرواح، وعدم أداء القسم، والقناعة برداء واحد، وبزوج واحد من الصنادل، وعدم حيازة ممتلكات أخرى، وعدم حمل أي أسلحة، والانتقال من مدينة إلى مدينة للكرازة بالتوبة. وهذا ما فعلوه.

 

إن ما نشهده من ممارسات الحرب الحديثة هو الموت والمعاناة والدمار، بفعل وسائل الاسلحة المتطورة والتكنولوجيا المتقدمة، توجب علينا كأفراد وجماعات ومنظمات إنسانية وصحية واغاثية واجتماعية وغيرها أن نتبع مثال يسوع في اللاعنف ونحب أعدائنا، وأن نعمل ونصلي من اجل تعزيز السلام والعمل نحو تقريب وجهات النظر بين المتحاربين والمصالحة واحلال السلام الحقيقي غير المزيف الذي دعا اليه يسوع عندما قال سلامي امنحكم سلامي اعطيكم، السلام المبني على العدل والمحبة والامن والرفاهية والازدهار.

 

 يقول الرب في سفر ارميا ٢٣:٩ : "لا يفتخرن الحكيم بحكمته، ولا يفتخر الجبار بجبروته، ولا يفتخر الغني بغناه، بل ليفتخرن المفتخر بانه يفهم ويعرفني اني انا الرب الصانع رحمة وقضاء وعدلا في الارض، لأني بهدا أسر"، وفي الرسالة الى اهل كورنتس ١٢:١٣ "ايام هذا الدهر قليلة ورديئة".

 

نعم يا رب، إن أيامنا مفعمة بالاوجاع والضيقات، بالهموم ومتاعب الحياة، بالاباطيل والاضاليل، بالبغضاء والعداوة، بويلات الحروب والشرور، فلا تبعد عنا، سامحنا واصفح عنا، قف الى جانبنا، خفف عنا اوجاعنا، اهزم الشر الذي يلوح من كل اتجاه، وطد سلامك الثابت بدلا من هذا السلام الخادع المتزعزع، كن لنا الكل في الكل، فنحن بحاجة ماسة اليك.

 

يا رب أظهر للأمم التي تريد الحروب عظائمك ولتتمجد يمينك". يا رب إنّ الحرب تطغى، والشر يتفشى، وشريعة القتل تعم المنطقة، والناس إما يقتلون في منازلهم وفي دور العبادة والمستشفيات، وإما يعيشون في رعب وظلمة وجوع لا أمل ولا ملجأ لهم الا فيك وفي بيتك الكنيسة. كن حاضرًا بينهم، نجهم من ويلات هذا العالم ومن هذه الحرب الشرسة، وامنحنهم سلامًا عظيمًا، واجعل قلوبهم في طمأنينة دائمة. أنت إلهنا القدير وكل ما لهم… استجب وارحم.

 

خلاصة القول: "لا يغلبنك الشر بل اغلب الشر بالخير" (روما ٢١:١٢) فنوازع الشر التي فينا ليست من الله، بل من طبيعة الانسان الساقطة، فعلينا ان نتخلى عن الانسان العتيق انسان الشر، ونسلك بمعونة الرب الحياة الجديدة حياة الخير فاذا اردنا حقًا حل مسألة العنف واستعمال القوة وإراقة الدماء، فلن نصل إليها إلاَّ بوضع يسوع المسيح وطريقه نصب أعيننا في يومنا هذا. فهو طريق السلام، والمحبة، والمغفرة، وعدم قطع الأمل من توبة الأشرار، والمصالحة، والحياة الأخوية المتقاسمة. وهذا الطريق يتطلب تضحيات بالغة. وكل ذلك يبدأ من داخل كل منا. فيجب علينا شن حرب على الشر، والأنانية، والشهوات، والجشع، والحسد، والغيرة، وروح الانتقام، التي في داخل كل منا، ولذلك نحتاج إلى مجاهدة روحية يومية مدعومة بالصلاة الحارة إلى الرب يسوع المسيح ليعيننا، ونحتاج إلى أن ننظر إلى أنفسنا قبل أن ننظر إلى الآخرين. فهل أنا مستعد لاحول خدي الآخر للذي يلطمني؟ (متى 5: 39).