موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ٢٠ ديسمبر / كانون الأول ٢٠٢٢

الاستعداد لعيد الميلاد

بقلم :
بسام دعيبس - الأردن
الاستعداد لعيد الميلاد

الاستعداد لعيد الميلاد

 

بعد ان عشنا زمن المجيء بآحادة الاربعة، آخذين من كل احد تأملات انجيلية تحضيرا لمجيء الرب،

 

ففي الاحد الاول، كانت دعوتنا للاستعداد بكامل اليقظة والحذر والصلاة والتوبة والرجاء لاننا لا نحسب ولا نعرف الساعة التي يأتي بها ابن الانسان، 

 

وفي الاحد الثاني، ينبئنا اشعيا النبي بمجيء المسيح,  ويطالبنا باعداد طريق الرب وجعل سبله مستقيمة، كما يطالبنا القديس يوحنا المعمدان ان نصنع ثمارا تليق بالتوبة ، والقديس لوقا  يعلمنا كل وادٍ يمتلىء وكل جبل وأكمة ينخفض، وتصير المعوجات مستقيمة والشعاب طرقاً سهلة ويُبصر كل بشرٍ خلاص الله،

 

وفي الاحد الثالث، نرى العلاقة بين يوحنا المعمدان والمسيح  فقد سمع يوحنا باعمال المسيح فارسل تلاميذه يسأله بلسانهم، أأنت الآتي ام آخر ننتظر؟ فاجابهم يسوع: اذهبوا واخبروا يوحنا بما تسمعون وترون،العميان يبصرون، والعرج يمشون، والصم يسمعون، والموتى يقومون، وطوبى لمن لا اكون له حجر عثرة،

 

وفي الاحد الرابع والاخير، نقرأ قول الملاك ليوسف … يا يوسف ابن داود‍ لا تخف أن تأتي بمريم عروسك إلى بيتك، لأن الذي هو حبلى به إنما هو من الروح القدس. فستلد ابناً, وأنت تسميه يسوع لانه هو الذي يخلص شعبه من خطاياهم، حدث هذا كله ليتم ما قاله (إشعياء النبي): "ها إن العذراء تحبل، وتلد ابنا، ويدعى عمانوئيل أي "الله معنا".

 

والان ما هي استعدادتنا لعيد الميلاد، وكيف سنلاقي الطفل يسوع!

 

بمغارة وشجرة وزينة وهدايا الميلاد!  كلها جميلة ومفرحة، ولكن الاجمل كثيرا هو الطفل يسوع صاحب عيد الميلاد. فكيف نكون بالميلاد وفي جوهر الميلاد، كيف نكون في قلب طفل المغارة، قلب الطفل يسوع صاحب العيد،

 

ان هذا  يوجب علينا معرفة  البعد  الحقيقي للتجسد وهدفه ودورنا في هذا الامر ، فالرب لم يتجسد حبا بالجسد، بل انه قام بذلك متنازلا عن امتيازاته الالهية، وعن مساواته لله، حتى يصبح واحدا مثلنا ما عدا الخطيئة، كما يقول القديس بولس …  تخلقوا بخلق المسيح، فمع انه في صورة الله لم يعد مساواته لله غنيمة، بل تجرد من ذاته، متخذا صورة العبد، وصار على مثال البشر، وظهر بمظهر الانسان فوضع نفسه واطاع حتى الموت على الصليب ، فيلبي ٦/٢-٨

 

ماذا يعني لنا ذلك ؟

 

ان المسيح ابن الله صار  ابن الانسان، لكي يصبح الانسان ابن الله، وانه اخذ على عاتقه خطايا البشر،  وحمل في جسده الخطيئة على خشبة الصليب، فكفر عنها بدمه الثمين،  ليمحي الصك المكتوب علينا ، لننال المسامحة مع الاب السماوي، وبذلك استرد لنا كرامتنا بان ندعى لا بل ان نصير ابناء الله وهذا هو  هدف التجسد

 

والانجيل المقدس يثبت لنا هذه الحقيقة وهذا الهدف من التجسد وميلاد المسيح، في عديد من الايات ومنها …

الكلمة صار بشرا وسكن بيننا،  أتى الى خاصته وخاصته لم تقبله، واما الذين قبلوه فقد اولاهم ان يصيروا ابناء الله.  يوحنا ١٤:١

طوبى للساعين الى السلام فانهم ابناء الله يدعون. متى ٩:٥

واما الذين وجدوا اهلا للفوز بالآخرة فانهم ابناء الله لكونهم ابناء القيامة. لوقا ٣٥:٢٠

اما انتم فصلوا هكذا أبانا الذي في السموات. متى ٩:٢٣

 

كما ان الرسائل الانجيلية تقول لنا …

انظروا اي محبة خصنا بها الآب حتى ندعى ابناء الله، ونحن في الواقع كذلك. يوحنا ١:٣

انكم جميعا ابناء الله بالايمان بالمسيح يسوع . غلاطية ٢٦:٣

اقتدوا بالله على مثال الابناء الأحباء . افسس ١:٥

اكون لكم أبا وتكونون لي بنين وبنات. ٢ كورنتس ١٨:٦

 وغيرها من الآيات

 

وامام هذه الايات كيف نعيش هذه الحقيقة كابناء الله!

 اولا … العمل بمشيئة الله لا بمشيئتنا، كما صلى يسوع في بستان الزيتون، وان نعمل ما يرضي الله لا ما يرضينا، وان نعمل كما نصلي في الصلاة الربانية ، لتكن مشيئتك في السماء كذلك على الارض .متى ١٠:٦

الله احق من الناس بالطاعة.  عبرانيين ٢٩:٥

من انت ايها الانسان حتى تعترض على الله . روما ٢:٩

 

ثانيا … ابن الله لا يخاف من عواصف الحياة مهما كانت، فهو يقول لنا ما قاله للتلاميذ الخائفين من بحيرة طبريا،  ما بكم خائفين يا قليلي الايمان . متى ٢٦:٨

وفي مكان آخر يقول لنا … لا تخف ايها القطيع الصغير  انا معكم طوال الايام الى انقضاء الدهر

والايات كثيرة  بعدد ايام السنة تدعونا في الاناجيل الاربعة الى عدم الخوف  والى مواجهة الشدائد بالصبر والصلاة والايمان والرجاء

وحتى خوفنا من الموت، فالمسيح بموته وقيامته جعل من الموت بوابة للحياة ، حيث اعد الله للذين يحبونه ما لم تره عين، ولا سمعت به اذن، ولا خطر على قلب بشر . ١كورنتس ٩:٢

 

ثالثا… ابن الله يعيش بفرح،  فالانجيل حافل عامر بالفرح ، والبشارة سبب فرح للعذراء ، والزيارة سبب فرح لاليصابات، والميلاد فرح لنا وللرعاة والمجوس وللعالم اجمع،  اني ابشركم بفرح عظيم ، ولد لكم اليوم مخلص، وقيامة المسيح فرح، ويريدنا الرب يسوع ان نكون فرحين… افرحوا وابتسموا معي ، افرحوا بالرب على الدوام ، وان ملكوت الله ليس اكلا وشربا بل هو بر وسلام وفرح في الروح القدس، فالفرح من العلامات المميزة للمسيحي ، وديانتنا المسيحية ديانه الوجوه المبتسمة

 

رابعا … ابن الله يتجدد، كما قال يسوع لنيقودمس … ما من احد يمكنه ان يرى ملكوت الله الا اذا ولد من عل يوحنا ٣/٣ ، والقديس بولس يوصينا ان نقلع عن سيرتنا الباطلة، وان نخلع عنا الانسان العتيق، الذي تفسده الشهوات الخادعة، ونتحدد روحا وذهنا،  فتلبس الانسان الجديد الذي خلق على صورة الله في البر والقداسة كما جاء في افسس ٢٢:٤ ، وتجددنا ايضا يقوم على نبذ كل خبث ومكر ورياء، وحسد ونميمة، وان نتطهر بطاعة الحق  كما ورد في رسالة بطرس الاولى١:٢

 

فلنتجدد ولنطلب كل ما هو فوق حيث المسيح جالسا عن يمين الله، ولنعلم ان التجدد الحقيقي هو بتجدد القلب، لانه ان كان قلبك نقيا فكلك نقي، لان الاناء ينضح بما فيه، واللسان يتكلم من فيض القلب كما يقول القديس بولس كو١/٣  ، وايضا في القلب النبيل تحفظ كلمة الله وتستمر بالصبر  كما يقول القديس لوقا ١٥/٨

 

وهناك حقيقة ثانية يجب علينا الا ننساها في الميلاد، وهي ان قريبنا ايضا اصبح ابنا لله، ويجب علي ان اتعامل معه كما اتعامل مع السيد المسيح، والتعامل معه يتم بالمحبة،  من منطلق كل ما تريدون ان يفعل الناس بكم فافعلوا انتم ايضا بهم، فان هذا هو الناموس والانبياء. متى ١٢/٧

فلنحمل اثقال بعض، وهكذا نتمم ناموس المسيح ، فالمحبة رباط الكمال، ولنسامح ولنغفر  بدون حدود ، ولنهدم سور الاساءة والعداوة، ولنكن كاملين كما ان ابانا السماوي كامل

 

والمحبة لا تزدري احدا ولا تستثني احدا،  وهي ليست بالكلام بل  بالصدق والحق، والتواضع والاحترام  ومع القريب والبعيد،  دون ان نحتقر احدا، والا ندين احدا لئلا ندان، وبتجنب الحسد فالمحبة لا تحسد،  وان نكون على مثال المسيح نخدم ولا نُخدم،  وان نرحم كما ان ابانا السماوي رحيم،  وبطيب العلاقة مع الجميع  بقبول الناس جميعا، واحتمالهم ومسامحتهم، واخير بكف اللسان ولجمه وحفظه عن الشر والتكلم بالكذب والمكر والرياء والنفاق

 

 اضاءات على عيد الميلاد

 

في الميلاد دعونا نتامل ونخاطب ام يسوع وامنا ، ونسلم عليها بلا ملل …

نحن نعلم ان اجواء فلسطين وبيت لحم باردة جدا وماطرة في زمن الميلاد… وان المسافة من الناصرة في الشمال الى بيت لحم في الجنوب بعيدة … ومع ذلك ذهبت مع يوسف الى بيت لحم لتكتتبوا هناك حسب تعيلمات القيصر الروماني لتعداد السكان في ذلك الحين ولم يكن لكم مكان او مسكن في المضافة ،  

فكم تحملت ايتها العذراء قسوة الشتاء والمطر والبرد واهوال الطريق ايام ولادتك لابنك الحبيب يسوع … ولكنك نلت حظوة عند الله والناس ويكفيك شرف الامومة يا ام الله، واما نحن فلا يسعنا الا ان نهنئك يا ام يسوع وام الرب، يا باب البر وباب السماء.. يا من حملت يسوع الذي هو سلامنا في احشائك، ان نهنئك بهذه النعمة الالهية التي قبلتيها طواعية، وبهذا المولود منك عمانوئل الذي تفسيره الله معنا...

ونسلم عليك ونطوبك مدى الاجيال ، طالبين شفاعتك لدى ابنك الحبيب، لانه بفضل استحقاقاتك وشفاعتك ندخل في النعمة والصداقة العميقة مع المسيح ابنك، ونصل الى الخلاص الابدي

 

في الميلاد لنسبح الرب كما سبحته القديسة العذراء تسبحتها المشهورة تعظم نفسي الرب ، وكما سبحته اليصابات، وزكريا، وسمعان الشيخ، وحنه النبية، والملائكة الذين ظهروا للرعاة، والرعاة الذين رجعوا وهم يسبحون الله، ونحن نسبحك يا طفل المغارة قائلين: المجد لله في العلى وعلى الارض السلام

 

في الميلاد  نذكر الملائكة الذين ظهروا في هذا الحدث العظيم :

* ملاك ظهر لزكريا الكاهن، وهو عن يمين مذبح البخور، لكى يبشره بميلاد ابن له (لو1: 11 – 20).

* ملاك ظهر للقديسة العذراء ليبشرها بميلاد السيد المسيح (لو1: 26–37).

* ملاك ظهر ليوسف النجار في حلم ليخبره بأن الذي حبلت به العذراء هو من الروح القدس، ويذكره بالنبوة عن ذلك (مت1: 20 – 23).

* ملاك ظهر للرعاة (لو2: 9)

* ملاك الرب ظهر ليوسف النجار في حلم ليأمره بأن يأخذ الصبي وأمه ويهرب إلى مصر (مت1: 13، 14).

* ملاك الرب ظهر ليوسف النجار في حلم، يأمره بالرجوع إلى أرض إسرائيل بعد موت هيرودس (مت1: 19، 20)

 

في الميلاد نذكر الصفات والألقاب التي وصف بها المسيح:

* وصف بأنه المخلص (مت1: 21) (لو2: 11).

* ووصف بأنه ملك اليهود (مت2: 2). وقيل عنه " يملك على بيت يعقوب، ولا يكون لملكه نهاية " (لو1: 33).

* وفى النبوءة إنه " مدبر برعى شعبى إسرائيل " (مت2: 6).

* ووصف بأنه القدوس، وابن الله (لو1: 35) (مت2: 15).

* دعى ناصريًا (مت2: 23). * وقيل إنه " ابن الله " (مر1: 1).

* دعى بأنه الرب، كما قالت أليصابات للقديسة العذراء " من أين لى هذا أن تأتى أم ربى إلى " (لو1: 43).

* دعى (المسيح الرب) كما في بشارة الملاك للرعاة (لو2: 11).

* وقيل عنه " يكون عظيمًا، وابن العلى يدعى " (لو1: 32).

* وقيل إنه " يسوع المسيح ابن داود ابن إبراهيم " (مت1: 1)

 

"يسوع ولد على طريق دمشق، عندما غمرني نور باهر فأعماني، حينئذ رأيت هذا الوجه النبيل والهادئ،  والذي سألني : شاوول شاوول لماذا تضطهدني" القديس بولس

ونحن هل سنظل نضطهد المسيح، ام سيولد فينا ومتى وكيف!

 

"يسوع ولد في رواق قصر قيافا، في الليلة التي صاح فيها الديك للمرة الثالثة، وفي اللحظة نفسها التي انكرته فيها، ولد في هذه اللحظة بالذات التي استيقظ فيها ضميري للحياة الحقيقية" القديس بطرس

ونحن متى يولد فينا يسوع !

 

"ولد يسوع في اليوم الذي تركت فيه كل امتعتي وثيابي حتى اسمي لكي اتبعه، وهكذا عرفت انه هو الحب الذي لا ينضب"

القديس فرنسيس الاسيزي ، ونحن متى سيولد فينا يسوع !

 

واخيرا … لنبتهج ولنهتف مع  ابنة اورشليم فهوذا ملكنا قد أتانا صديقا ومخلصا للعالم،

 ايها الطفل يسوع : بميلادك انحدر علينا النور الالهي ورأت جميع خلائق الارض خلاصك، السماء أخبرت بعدلك وجميع الشعوب عاينت مجدك، انت الاسم العجيب، الاله، رئيس السلام، آبا الدهر، الذي لا انقضاء لملكه، احببت العدل وابغضت الاثم، ومن اجل ذلك مسحك الله بدهن البهجة وانسكبت النعمة على شفتيك،

انت الرب الهنا ،سنذكر اسمك ونسجد لك ونمجدك من جيل الى جيل، مرددين قول الاب: انت ابني وانا اليوم ولدتك

 

في ميلادك يا طفل المغارة نصلي ...

من اجل الذين رحلوا عنا هذا العام ومن اجل موتانا لرحمتهم ومن اجل ذويهم لمواساتهم ...

من اجل المرضى والمسنين والمتألمين ومنكسري القلوب من اجل شفائهم والوقوف الى جانبهم ...

من اجل الايتام والارامل والفقراء والجياع لمساعدتهم  ...

من اجل المسافرين والغائبين لعودتهم سالمين...

من اجل الذين ضلوا الطريق ليعرفوك...

من اجل احلال الامن والامان والعدل والسلام في اوطاننا وفي العالم اجمع ...

 

ولد المسيح  هللويا … وكل عام وانتم بخير