موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ٢ ديسمبر / كانون الأول ٢٠٢٣

الآحاد الاربعة في زمن المجيء

بقلم :
بسام دعيبس - الأردن
إنّ الرب آتٍ لينقذنا وليفتقدنا بسلامه

إنّ الرب آتٍ لينقذنا وليفتقدنا بسلامه

 

تحتفل الكنيسة الكاثوليكية في جميع انحاء العالم يوم الاحد الواقع في الثلاثين من شهر تشرين الثاني أو أقرب يوم منه بالأحد الأول لما يسمى "زمن المجيء"، وهو عبارة عن الزمن الذي تفتتح به السنة الليتورجية، يليه الزمن الميلادي، فالزمن الاربعيني، فالزمن الفصحي، واخيرا الزمن العادي، والغاية من هذا الزمن هو تحضير المؤمنين ليتورجيا لمدة اربع آحاد لمجيء الرب، والاستعداد لميلاد المسيح بالجسد، وقد ظهر زمن المجيء للمرة الاولى في القرن الرابع في اسبانيا وفرنسا، اما في روما فقد ظهر في النصف الثاني من القرن السادس، وفي حوالي سنة الف للميلاد دخلت الطقوس الجديدة الى روما.

 

كيف لنا ان نعيش زمن المجيء، بفترته الزمنية وآحاده الاربعة، ونستعد لميلاد المسيح، ونتفاعل مع هذا الحدث العظيم؟ يدعونا الكتاب المقدس إلى التأمل بمجيء السيد المسيح، حاملا معه الحب والحنان والنور والرحمة والحياه والخلاص، كما يدعونا الى اعداد طريق الرب وجعل سبله قويمة، والسير في طريق النور، ورحلتنا التي ستقودنا من الارض الى السماء، وذلك من خلال السهر والصلاة واليقظة والتوبة والمحبة.

 

 

الأحد الأول…

 

"احذروا وصلوا، لأنكم لا تعلمون متى يحين الوقت" مرقس ٣٣:١٣ الرب يدعونا الى الحذر واليقظة والسهر والصلاة في اكثر من مكان في الانجيل المقدس، لننتبه ونتيقظ ونسهر ونصلي ونثبت على الايمان ضابطين انفسنا، ولتكن مصابيحنا مشتعلة كالعذراى الحكيمات، وليس كالعذارى الجاهلات، فلننتظر الرب بالمصابيح المنيرة، ولنواكبه بالتسابيح الكثيرة، وليس كالعذارى الجاهلات بالمصابيح المنطفئة والقلوب المظلمة، اسهروا وصلوا لتكونوا اهلا للملكوت، لاننا لا نعرف متى يحين الوقت، وفي اي ساعة يأتي الرب، لانه سيأتي في ساعة لا نعلمها، آخذين في الاعتبار ان ابليس خصمنا يجول بيننا كالاسد الزائر يلتمس من يبتلعه.

 

في هذا الاحد لنردد مع اشعيا النبي "انت يا رب ابونا وفادينا، منذ الدهر اسمك، انت ابونا ونحن الطين، انت جابلنا، ونحن جميعا عمل لديك، ليتك تشق السموات وتنزل، فتسيل الجبال من وجهك"، ومع صاحب المزامير "يا اله القوات عد الينا وهلم لخلاصنا، وتعهد هذه الكرمة، واحفظ النبت الذي غرسته يمينك"، ومع بولس الرسول في رسالته الى اهل قورنتس "هو الله صادق دعاكم الى مشاركة ابنه يسوع المسيح ربنا" تعال يا رب واملك من البحر الى البحر ومن النهر الى اقاصي المعمورة، وأرنا رحمتك، وهب لنا خلاصك، فإن مجيئك يعني انصاف المظلومين، واطعام الجائعين، واخلاء سبيل المعتقلين، وفتح عيون المكفوفين، وتقويم المنحنين، وحفظ الغريب، وتأييد الارملة واليتيم، وانقاذ المسكين.

 

 

الأحد الثاني…

 

من انجيل مرقص وفي بدء بشارة يسوع المسيح ابن الله، وكما كتب في سفر اشعيا النبي "ها انا ارسل رسولي قدامك، ليعد طريقك، صوت مناد في البرية اعدوا طريق الرب واجعلوا سبله مستقيمة" اشعيا النبي ينبئنا بمجيء المسيح، ويطالبنا باعداد طريق الرب وجعل سبله مستقيمة، كل واد يمتلىء وكل جبل وتل ينخفض، والمعوج يتقوم، ووعر الطريق يصير سهلا، ويوحنا المعمدان السابق لمجيء المسيح، يطالبنا بأن نصنع ثمارا تليق بالتوبه يا رب: نحن مدعون في هذه الايام لتلبيه دعوة اشعيا ويوحنا للتوبة استعدادا لقدومك، فلا واد ولا تل ولا جبل يفصلنا عنك وعن محبتك، وكل الطرق المؤدية اليك ستكون سهلة ويبصر كل البشر خلاصك.

 

يا رب: ونحن ننتظر مجيئك بشوق ومحبة، نصرخ اليك مع ارميا النبي "توبني فأتوب"، ساعدنا كي نقلع عن خطايانا، ونعلن توبتنا، ونصنع ثمارا تليق بالتوبة، حتى يليق بك الاستقبال، وننال الخلاص.

 

 

الأحد الثالث...

 

"ظهر رجل ارسله الله، اسمه يوحنا، جاء شاهدا ليشهد للنور، فيؤمن عن شهادته جميع الناس" يوحنا المعمدان شفيع الاردن، مهيء طريق المسيح، الذي شهد فيه أعظم شهادة إذ قال: "لم يقم بين المولدين من النساء أعظم من يوحنا المعمدان". جاء شاهدا للنور ولم يكن هو النور، جاء ليعد للرب الطريق فأعد شعبا متأهبا.

 

يا رب: نحن نعلم ان معمودية يوحنا هي للتوبة، وان معموديتك هي لغفران الخطايا، ولكن لماذا اعتمدت يا رب وانت لست بحاجة الى المعمودية والتوبة؟ لم تفعل خطية ولم يكن في فمك مكر، علما ان الانبياء العظام كاشعيا وارميا وحزقيال لزمهم الاعتراف بخطيئتهم وحاجتهم الى التوبة.

 

اعتمدت يا رب لتكمل كل بر، وليعرف الناس انك المسيح الاّتي بعد المعمدان ليؤمنوا بك، ولتبدا رسميا في خدمتك، ولتجعل نفسك واحدا معنا في بشريتنا، وتحمل خطيئتنا، ولتقدم لنا مثالا لنتبعه ونقتضي به، ولتعلن التزامك بارساليتك في تقديم رسالة الخلاص لكل الناس، ولتثبت انك كنت حقا ابن الله، وان الله نفسه ساندك في ارساليتك.

 

ما أعظمك يا يسوع، حقا انك ابن الله، اجعلنا نقدر معموديتك، ونحولها الى حياة، نقاوم من خلالها نزوات الشر والاهواء

 

 

الأحد الرابع...

 

بشارة مريم العذراء كما في انجيل لوقا "لا تخافي يا مريم، فقد نلت حظوة عند الله، فستحملين وتلدين ابنا فسميه يسوع" لقد حياها الملاك تحية غير عادية، تحية فريدة من نوعها حملت في ثناياها معنى الفرح، كما انفردت هذه التحية بدعوة العذراء المملوءة نعمة، اذ نالت وحدها النعمة الالهية دون غيرها، وامتلات بمواهبها، وعندما سمعت القديسة مريم الملاك يقول لها الرب معك، احست بانها تحمل كلمة الله في احشائها، وتقدم له من جسدها ودمها على مستوى فريد.

 

لقد دهشت العذراء بهذا الوعد الفريد، وكانت تسمعه بتواضع وبايمان شديدين، ولكنها لم ترفض الايمان بكلام الملاك، ولا اعتذرت عن قبوله، بل أبدت استعدادها له، وأدركت كيف سيتم هذا الحبل، وكيف ستتم هذه الولادة الاعجازية العجيبة بقوة الروح القدس، وقوة العلي، وان المولود منها ايضا قدوس يدعى ابن الله، وكما قال اشعياء النبي ها ان العذراء تحبل وتلد ابنا وتدعو اسمه عمانوئيل. لقد أحنت رأسها بالطاعة أمام هذه البشارة، وقبلت عمل الله فيها، وبذلك تكون قد قبلت التجسد الذي لا يمكن أن يتم بدون ارادتها وقبولها للعمل، لان الله يحترم حريتنا الإنسانية.

 

 لندخل الزمن الاول من ازمنة هذه السنة بكامل الحذر والسهر والصلاة والتوبة والرجاء، متحدين روحيا مع مريم العذراء سيدة المجيء، واضعين ايدينا بيديها المباركتين لندخل بفرح في هذا الزمن الجديد من النعمة التي يمنحها الله لكنيسته ولخير البشرية جمعاء، وخاضعين لعمل الروح القدس، لكي يقدسنا إله السلام كلياً، وتصبح الكنيسة علامة وأداة رجاء لجميع البشر.

 

ولنشهد للمسيح، فنخسر حياتنا لنجدها، ونغفر بدل ان ننتقم، ونحب الذين لا يحبوننا، ونخدم ولا نتسلط، ولا ندين الاخرين، ونجد السعادة حتى في فقرنا والامنا، ونعرف ان من اتضع ارتفع، فاذا فعلنا ذلك نكون قد استقبلنا زمن المجيء وسيد المجيء كما ينبغي الاستقبال، وبذلك نلبي دعوة يسوع للملكوت.

 

واخيرًا، ايقظ جبروتك يا رب وهلم لخلاصنا "تعال يا رب ولا تبطء بعد وامح آثام شعبك، يا ليتك تشق السموات وتنزل، فتسيل الجبال من وجهك، هلم وارنا وجهك، ايها الرب الجالس على الكروبين. تعال يا رب واوقف معاناة شعبك في غزة والضفة وفلسطين كلها والناس جميعا، حيث يستقبلون العيد على غير عادتهم من غير زينة واحتفالات ميلادية، فهم مسكونون بالحزن والقلق والخوف، ولا يملكون الا الصلاة لك لانقاذهم من ويلات الحرب، فتحنن عليهم واستجب يا رب ..

 

كن مع اردننا العزيز الغالي وطنا وملكا وجيشا وشعبا، والتفت الينا وعلى المنطقة العربية بأسرها  والعالم أجمع وامنحنا عدلك ومحبتك ورحمتك وسلامك

 

أيها الاخوة والاخوات: لنفرح مع السموات، ولنبتهج مع الارض، ولنندفع بالترنيم مع الجبال، فان الرب آتٍ لينقذنا وليفتقدنا بسلامه. آمين